ليس بدْعاً من القول تقريرُ أنّ البسيلي كان مُزاحما من كُثْر من الشيوخ ينصرف أكثر التلاميذ إلَيهم دونَه، لما أوتي هؤلاء الشيوخ من علم وشهرة تكاد تربو في الغالب الأعمِّ على شهرة البسيلي، إذْ فيهم مَن سَبَقَهُ إلى التلقي عن ابن عرفة وملازمته، وظهر فضلُه في فَنٍّ من الفنون يقصده الطلبة من أجله؛ فمنهم: أبو عبد الله الأُبِّي (ت ٨٢٧ هـ)، الذي وصفه ابن حجر في "المشتبه""بالأصولي عالم المغرب في المعقول"، وابن مرزوق الحفيد (ت ٨٤٢ هـ) صاحب "المتْجر الرّبيح والمسْعى الرّجيح على الجامع الصحيح"، وابن ناجي التنوخي القيرواني (ت ٨٣٨ هـ) صاحب الشرح النفيس على الرسالة القيروانية، وأبو عبد الله الوانُّوغي (ت ٨١٩ هـ)، وأبو عبد الله الزَّندِيوِي (ت ٨٧٤ هـ على الأرجح) الذي قال في شأنه العلامة زروق البرنسي الفاسي: "هو شيخُ تونس في وقته"، وغيرهم.
إلا أن البسيلي كان شديدَ العارضَةِ في علم المنطق، طويلَ الباع فيه، بحيثُ لستُ أشُك أن كثيراً ممن جلس بين يديه، إنما تغَيَّا الإستفادةَ منه في هذا العلم؛ فهذا أبو عبد الله الرصاع يصرح إنْ بتفوقِ صاحبنا في المنطق أو بقراءته هو المنطق عليه فيقول:"وكان عارفا بالمنطق، حضرتُ مجلسه بالمدرسة الحَكِيمِيةِ، وقرأت عليه "جُمَلَ "الخُونْجِي" بها ... ولازمتُه شهورا في قراءة المنطق وغيره".
ثم هذا صاحب "تراجم المؤلفين التونسيين"، يذكر أنّ أبا العباس التجاني -وهو معدود من تلاميذه- إنما أخذ عن البسيلي المنطق وعلم الكلام؛ قلت: وفي هذا الحصر بهذه الصفة إيماءٌ إلى ما ذكرنا من قبل.