شحَّتِ المصادر في هذه البابة، وكلما باليَدِ رفْضُ البسيلي تسليمَ الأمير الحسين الحفصي "التقييد الكبير" ومماطلتُه في ذلك، ثم رضوخُه وتسليمُه آخِرَ الأمر، بعد أن كلِفَتِ الرسلُ ببابه لا تَرِيم أو تعود بالطَّلِبة. وهي حكايةٌ إن لم تدُل على ما ساء مِن علاقة الرجلين -ربما بسبب المجايَلَة-، فلا أقل من إيماضها إلى ازْورار من البسيلي عن مخالطة الأمير أو قصْدِ التزلف إليه، وقد كان بمسْطَاعِهِ أن يفعل؛ وبالنظر إلى زهَادَةِ الرجل وإيثارهِ خمولَ الذكر، فقد كان عازفاً عن ذوي المناصب السياسية بإيحاءٍ مِنْ سَنَن شيخِه، ناهيك أنه أثبت -هو نفسُه- من فَلَتَات ولَفَتَات ابن عرفة في التفسير، ما يمَكنُ أن يفسِّرَ تحاشيه الأمير، فقد أورد عند قوله تعالى:{فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ}، قولَه:"ابن عطية: احتج العلماء بها على مَنْعِ خِدْمَةِ الظَّلَمَة. قال شيخنا أبو الحسن محمد البطرني: سئل سيدي أبو الحسن المنتصر عن خياطة الثياب لهم، فقال: النظرُ في صانع الإبرة، وأما الخياط ففي قعر جهنم!. قال شيخنا ابن عرفة: يريد: إنْ كان خاصّاً بهم، كما قال ابن رشد فيمن يخيط للكفار". وذلك أيضا واضح عند قوله:"وَوَقعَ لابن خليل -يعنى السكوني- في شرحه أن السلطان لو أَمَرَهُ إذا دُعي إلى معصية فإنه يجبُ اتباعه؛ وهذا خطأٌ صُراح، وحديث مسلم في كتاب الإمارة يرد عليه".
وإقراوُه بسقيفة داره كثيرا، دون المدارس الكثيرة المنتشرة، قرينةٌ على حبِّه للخمول، وتلافيه لمقاربة ذوي الأمر، سيما إذا عُلِمَ أن المدارس بمدرسيها وطلابها،