خ: "عُرْفُ القرآن إذا ذَكَرَ متمسّك الجبرية ذَكَرَ متمسّك القَدَرية، وبالعكس، وكذا هنا لما قال:(وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بمَا كَانُوا يَكْسبُونَ)(اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ) -وكان ذلكَ متمسك القدرية، حيث أسند الكسب والكفر إليهم- عقب ذلك بما يدلُّ على أنّ كفرهم وكسبَهم بمشيئة الله تعالى، يسلب القوة العقلية كما يسلب القوة الحسية، حتى لو شاء لَمَسخَ المكلَّف على مَكَانَتِهِ، وأقامه بحيث لا يتحرك يَمْنَةً ويسرة، ولا يقْدِرُ على المضِيِّ والرجوع.
وقدّم الطمس والإعماء على المسخ، وذلك من حسن الترتيب والتدريج، فإنه لما قال (لَطَمَسْنا عَلَى أعْيُنهِمْ) فقد يقال: الأعمى يهتدي إلى الطريق بأمارات عقلية أو حسية غير حسِّ البصر كالأصوات وحس اللمس، فقال:(لَوْ نَشَاءُ لمَسَخْنَاهُمْ) وسَلبنَا قُوّتهم الكلية، فلا يهتدون إلى الصراط بوجْهِ من الوجوه.