[المبحث السابع: عناية العلماء بتفسير البسيلي والنقل عنه]
أ - نموذج من عناية المغاربة به:
للمغاربة ولع بذخائر الكتب، يشهد لذلك ما يعج به بلدنا من خزائن عامة وخاصة، غير أن هذا الولع لم يقف عند حد الإقتناء والتملك، بل جاوزه إلى الاستفادة والتمثل؛ ينطلي هذا على تفسير البسيلي خصوصا والمقيدات عن ابن عرفة عموما. وقد سبقت الإشارة إلى شغف المنصور السعدي بتقييد البسيلي، حيث يذكر الفشتالي في "مناهل الصفا" أن هذا السلطان كان له اعتناء بتفسيري الإمامين البسيلي والسلوي، ويحضرهما عند قراءة ورده من المصحف الكريم لمراجعة ما يستشكل. وقد ندب العلامة الجليل أبا عبد الله محمد بن أبي عبد الله الرجراجي إلى الجمع بين هذين التفسيرين، مع شرح ما لم يتكلم عليه المقيدان، ووفى هذا الشيخ بالشرط، وتخطى ذلك إلى الكلام مع ابن عرفة نفسه. وقد كان هذا التفسير الذي جمعه الرجراجي، من محتويات خزانة المنصور السعدي".
وفي فاس المنصور السعدي، كان لهذه التقييدات، حضور في مجالس الدرس، حيث يعتمدها العلماء في حصص التفسير، ومنهم أبو محمد عبد الواحد بن أحمد الحميدي، الذي كان "في فصل الشتاء يقرأ التفسير على الكرسي الكائن عن يمين الخارج من الباب المقابلة لوجه الخارج بانحراف يسير لدرب ابن حيون، وبعد التفسير يقرأ رسالة ابن أبي زيد وحكم ابن عطاء الله، وكان يحضر مجلسه خواص الطلبة والفقهاء، يطرز تفسيره -رحمه الله- بنكث وغرائب مفيدة من أبحاث الإمام المحتسب أبي عبد الله ابن عرفة، وجدت مقيدة عنه، على اختلاف في مقيدها واختلاف في نسخها، وكانت أول مرة غريبة الوجود: الغالب في الظاهر أنها كانت بيده، ثم انتشرت بعد ذلك".