إننا أمام عمل في التفسير في فترة تاريخية حرجة، ومنعرج حضاري كبير، عمل يجمع بين أمور مميزة: فرادته من حيث زهد العلماء وقصر باع أغلبهم في التفسير، ثم مَيْزُهُ على المستوى الأفقي، حيث إن مادته غنية تمثل لونا آخر من ألوان المنهج العقلي اللغوي في التفسير، يعالج مشكله ونكته ويبرز انفتاح البسيلي على فنون كثيرة من علوم القرآن والحديث والفقه والأصلين والنحو واللغة والأدب والتصوف والمنطق والرياضيات والتاريخ مما يصب في خدمة المعنى، مع ظهور للمنطق المدرسي بشكل لافت.
وفوق ذلك كله، فالكتاب أثر إفريقي مغاربي في التفسير، طبعته ملامح مدرسة علمية كبرى هاجسها التفقه، تتسلسل بابن زيتون وابن عبد السلام وابن عرفة.
[التعريف بمراحل العمل وماهيته]
من فصل الخطاب، الإقرار أنه من العسير تلخيص الأعمال التي تتصل بالتراث، وتقوم على التحقيق العلمي لنصوصه، ومن ثَمَّ فلست هنا بصدد التلخيص بما يعنيه المصطلح، بقدر ما أنا واصف لمراحله وأهم مضامينه ... ، وعليه فقد جعلت مقدمة التحقيق فصولا ثلاثة، أهم أولها أن يقدم إلماعة حول الحركة العلمية في عصر السلطنة الحفصية، من خلال مبحثين: أولهما عوامل النهضة العلمية في عهد الحفصيين. والثاني: نشاط الدراسات القرآنية في العصر الحفصي، تتبعنا فيه النتاج الإفريقي في علوم القرآن، مما هو منسوب أو مخطوط أو مطبوع.
أما الفصل الثاني فخصصته لحياة أبي العباس البسيلي وآثاره، من حيث مصادر ترجمته والأوهام الكثيرة التي عَلقتْ بها وما ادَّارأ فيه المترجمون، ثم بما أثير حول نسبه وأصالة تونسيته وما إلى ذلك، مما درج المترجمون على إيراده من قبيل ذكر الإسم والنسب، والمولد والوفاة، والشيوخ والتلاميذ والمؤلفات؛ إلا أن الذي وسم هذه الترجمة أنها لم تعول على الترجمة المكرورة القصيرة التي نقلها المترجمون أولهم فى إثر آخرهم آخذين بإخذ واحد، وإنما استقينا أكثر مادتها من خلال تلقف الإشارات والإلماعات والفوائد الموضوعية التي تناثرت بشكل متباعد خلال كتب المؤلف، مستعينين في ذلك الترميم، بالاستنتاج والمقارنة وجمع القرائن والمعطيات، مما أغنى هذه الترجمة، بالتعريف بكثير من أعلام أسرة البسيلي وبالتوسع في تراجم شيوخه