حيثُ قولُه إِن العبدَ يخلُق أفعالَه، فلذلك قال "إلا بإرادته"، ولم يقلْ:"إلا بقدرته"".
[هـ - عنايته بالمنطق وتطبيقاته على الآي القرآنية:]
لم يعزب عن ذهن الرصاع وهو يأخذ عن البسيلي تضلعه في فنون منها المنطق، ولعل هذا الأمر هو الداعي لقوله "لازمته شهورا في قراءة المنطق وغيره". وهو يقول في موضع آخر من "فهرسته" "ينبغي في حق الطالب أن يأخذ العلم من أصله، وصاحب حقيق العلم المشتهر به هو الأحق بالأخذ عنه، لأنه أقعد به، لأن رب الدابة أولى بمقدمها، وصاحب الدار أولى بالإمامة فيها، وسمعت بعض مشايخنا يذكر في مثل ذلك مثلا عاميا أن ألذ ما تاكل الهريسة في حانوت السفاج، وقد كان أهل الطلب والرواية يرحلون لمن اختص بالعلم للقراءة عليه لأنه أقعد بذلك. وقد كانت الأوائل من العلماء رحمهم الله كل عالم في علم لا يخلط معه غيره تحقيقا لأصول ذلك العلم وبيانا لاصطلاحهم ... ".
وعلو كعب البسيلي يجد تفسيره في أخذه عن ابن عرفة، الذي "لو لم يكن ضليعا في المنطق، متمرسا بأساليب الجدل بين الفرق، لما ألف فيه مختصره الوجيز المحكم، وأنتم تعلمون أن المنطق في الفلسفة القديمة، هو قطبها الهادي وفلكها الدائرة حوله كواكبها".
وأظن أن البسيلي، على ما تشهد له ترجمته به من إخلاص للنهج العلمي لشيخه ابن عرفة، وعكوفه على كتبه بالتلخيص والشرح والتقييد، لم يخرم هذه القاعدة إلا مرة واحدة، حين عن له أن يشرح "جمل الخونجي" في المنطق، متجاهلا كتاب شيخه، فيؤلف كتابا مستقلا، لا يحاذي كتاب شيخه، ولا يشرحه، ولا يختصره، فكأنه استشعر في هذا الفن استقلاله العلمي التام، وسلم له ذلك طلبة العلم، فقصدوه لدراسته عليه.
ولئن كان لي رأي في إدارة مصطلحات المنطق وفروضاته في تفسير كتاب الله جل وعز، يجعلني أذهب مذهب من يرى أن نحو العرب منطق كاف يغني عن التلمظ