وليسعنا في الحديث عن معالم سيرة البسيلي وثقافته أن نختصر القول اختصارا وأن نعتصره اعتصارا فنقول: المؤلف أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد البسيلي (ت ٣٨٠ هـ)، شيخ عالم مفسر منطقي مشارك، وُصف بأنه كان كثير الصمت قليل الخوض فيما لا يعني، عليه آداب العلم من وقار وسكينة، وكان يقرئ بسقيفة داره كثيرا، وتقصده الطلبة تسأله عن المسائل المشكلة، وكان يحدثهم عن شيخه الإمام ابن عرفة رحمه الله تعالى.
ونضيف أنه -عدا ابنِ عرفة- قد أخذ عن المقرئ أبى عبد الله ابن مسافر العامري (ت ٧٨٦ هـ) والنحوي أبي العباس أحمد ابن القصار الأزدي (ت ٧٩٠ هـ) ومحدث تونس أبي عبد الله محمد البطرني التونسي (ت ٧٩٣ هـ)، والمؤرخ ابن خلدون الحضرمي (ت ٨٠٨ هـ)، وإمام جامع الزيتونة أبي مهدي عيسى الغبريني (ت ٨٤٥ هـ) وغيرهم، وتتلمذ له كثيرون منهم الفقيه الرصاع شارح الحدود، والقاضي أبو العباس ابن كحيل التجاني التونسي، وغيرُهم.
وله من التآليف كتاب حاذى به مختصر ابن عرفة الفقهي ثم اختصره، وتفسيرا كبيرا، وآخرَ صغيرا هو انتخاب من الأول مع زوائد، وهو كتابنا هذا، مع شرح للمدونة، وآخرَ على قصيدة الرامزة في العروض لضياء الدين الخزرجي، وثالثا على الجمل في المنطق لأفضل الدين الخونجي (ت ٦٤٦ هـ).
يرتكز تفسير البسيلي على مجالس ابن عرفة التفسيرية التي شهدها في الفترة ما بين ٧٨٣ هـ و ٨٠٣ هـ، وعليه يظهر أن جمع المادة قد استغرق من البسيلي عشرين سنة إلى وفاة ابن عرفة، منضافة إلى خمس سنوات بعدها، إذ يرجع آخر تاريخ مذكور في التفسير إلى سنة ٨٠٨ هـ، وإذا ما أخذنا في الاعتبار أنه قد استعان بمدونات سابقة على حضوره مجالس ابن عرفة عرفنا أن نكت البسيلي صورة حية عن مجالس ابن عرفة في التفسير خلال ما يزيد على ثلاثة عقود.
وعلاوة على ما سبق، فإن المدونات التي تتغيا تقييد مجالس الدرس لا تتخذ صبغة التأليف المنهجي المدرسي، ولذلك يتضح أن تقييد البسيلي بالشكل الذي بين أيدينا قد خضع لعمليات متعددة بدءا من تخريج ما هو مدون سلفا دون ما دونه صاحبنا، ثم انتقاء النكت وترتيبها، مرورا بالإضافات التي ليست من فوائد ابن عرفة ولا ذكرها بحال.