فإن قلت: لم قيل (لَا يُومنُونَ بِالآخرَة)، والمطابق "لا يومنون باللَّه" أو "لا يومنون به"؟ فإن الآية ردّ عَلى دعْواهَمَ التشْريك لا جحْدهم الآخرة.
قلت: هو إشارةٌ إلى أنَّهُم إنما ادَّعَوا شفاعةَ الأصنام في الدنيا وأنكروها في الآخرة. وقولُ ابن فورك:"الآية ردٌّ على من يقول إنَّ معرفةَ الصانع ضرورية؛ لأنها لِو كانت كذلك لما اشمأزت قلوبُهم وإنْ أنكروا بألسنتهم"، إنْ أراد أنَّ ثَمَّ من يقول إن معرفة وجود الصانع ضرورية فمسَلَّم، وليس في الآية ما يردّ عليه؛ لأنها ردّ علِي الكفار، وهم إنما خالفوا في الوحدانية لا في الوجود. واتّفقت الملل كلُّها على أن الوحدانيةَ نظريةٌ لا ضرورية، والأكثرون على أنّ معرفةَ وجود الصانع نظريّة، وحكى الشهرستاني في "نهاية الإقدام" وابن حزم في "النحل والملل" قولا بأنها ضرورية، لأنها لو كانت نظرية لزم التسلسل؛ لأن القول بأنها نظرية يؤدي إلى إبطال موجب التسلسل أو علَّة التسلسل، على مذهب الآخرين القائلين بالعِلِّيَّة.