بعد الحمدلة والتصلية:" ... فهذا تلخيص التلخيص، أرجوا به الفوز في الجنان، ومثوبة الرحيم الرحمن، مما سمعته من الفقيه المحصل المحقق الحافظ المقدس المرحوم سيدي أبي عبد الله محمد الأندلسي، الشهير بالبسيلي ... وقد قال شيخنا الرحلة العلم سيدي أبو عبد الله محمد بن مرزوق، أنه كتب إليه من جزيرة الأندلس بأنه لم يترك بها أحفظ منه".
وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن ابن مرزوق ولد سنة عشر وسبعمائة (٧١٠ هـ) وطوَّف البلاد للأخذ، ورجع إلى الغرب سنة سبع وثلاتين (٧٣٠ هـ) فأقام، ثم صُرِف إلى الأندلس إلى أن استدعاه أبو عنان إلى تونس سنة أربع وخمسين (٧٥٤ هـ)، حيث يصدُقُ عليه حينَها قول صاحب التلخيص إنه كُتِبَ إليه من جزيرة الأندلس، بأنه لم يترك بها أحفظ من البسيلي، فإن عمره حينها يكون أكثر من أربع وأربعين سنة، وهو أهل ليؤخذ عنه. وإذا ما اعتبرنا أيضا أن أول ما أخذ المنكِّت عن ابن عرفة، كان ذلك سنة ٧٨٣ هـ، وأن عمره على الأقل خمس وعشرون سنة، علمنا أن أباه كان حيا على التقدير سنة ٧٥٨ هـ، وهي سنة تأتي بعد سنة ٧٥٤ هـ، حيث يحتمل أن يكون هو المقصود بقول الملَخِّص.
ولكنْ يشغِّب على هذه الاحتمالات أن المتبادر مما نعرف عن سلف البسيلي وأفراد أسرته المذكورين بعدُ أنهم قطَّان تونس، وأن ورودَهم من الأندلس إن كانوا منها كان قبل القرن السابع بكثير. وأيا ما يكون، فالبسيلي نفسُه يورد حكاية دالة على اتصال أسرته بابن مرزوق -سنذكرها بعد- مما يجعل القطع بيقين في هذا الأمر معروضا للشك.