وأخَّر الصيام لأنه أمرٌ عَدَمي راجعٌ لترْك الأكل والشرب والاستمتاع، وجميعُ ما قبلَه أمرٌ وُجُودي، والوجودُ أشرف من العدم. فقَدَّم الصومَ على حفظ الفروج؛ لأن الصومَ تركٌ غيرُ دائم في زمانٍ ما وهو النهار فقط، وحفظُ الفروج تركٌ دائم في كل الأزمان، فالصومُ أقرب إلى الوجود، وحفظُ الفروج أبْعدُ منه. وأخَّرَهَا عن المتصدقين لأن الصدقات مَظِنَّةُ الغنى، ومنْ حصَل له الغنى فهو متمكن من شهوتَيْ بطنِه وفرجه، فأفادَ أنهم مع ذلك يتركون شهوةَ بطونهم بالصوم، وشهوةَ فروجهم بحفظها عن المحارم، فجاء هذا شبه الاحتراس والتكميل.
وأخَّرَ الذاكرين اللَّه كثيرا، إشارةً إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كان آخر قوله لا إله إلا اللَّه دخل الجنة"؛ أو لأنه كالعلّة الغائِيّةِ التي قال الحكماء فيها:"أولُ الفكرة آخرُ العمل"، فأفاد أن فعلَهم ذلك كلَّه إنما كان لذكرِهم اللَّه تعالى واستحضارِهم مقامَ الهيبة والإجلال.