(تَشْرِيفًا إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَكَرَّمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوْ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا وَبِرًّا لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إنَّهُ مُنْقَطِعٌ (اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَمِنْك السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ قَالَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَوَاهُ عَنْهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ
وَمَعْنَى السَّلَامِ الْأَوَّلِ ذُو السَّلَامَةِ مِنْ النَّقَائِصِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثِ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ، وَقَوْلِي عِنْدَ لِقَاءِ أَعَمُّ مِنْ قَوْلِهِ إذَا أَبْصَرَ وَقَوْلِي رَافِعًا يَدَيْهِ وَاقِفًا مِنْ زِيَادَتِي (فَيَدْخُلُ) هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ ثُمَّ يَدْخُلُ (الْمَسْجِدَ) الْحَرَامَ
ــ
[حاشية الجمل]
أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْأَمْرُ فِيهَا لِلْإِمَامِ يَصْرِفُهَا فِي بَعْضِ مَصَارِفِ بَيْتِ الْمَالِ بَيْعًا وَعَطَاءً وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ الْأَزْرَقِيُّ فِي كِتَابِ مَكَّةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يَنْتَزِعُ كُلَّ سَنَةٍ كِسْوَةَ الْبَيْتِ فَيَقْسِمُهَا عَلَى الْحَاجِّ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّيْخُ حَسَنٌ، وَقَدْ رَوَى الْأَزْرَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا قَالَا تُبَاعُ كِسْوَتُهَا وَيُجْعَلُ ثَمَنُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَلْبَسَ كِسْوَتَهَا مَنْ صَارَتْ إلَيْهِ مِنْ حَائِضٍ وَجُنُبٍ وَغَيْرِهِمَا إلَى أَنْ قَالَ: السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ دُورِ مَكَّةَ وَشِرَاؤُهَا وَإِجَارَتُهَا كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهَا، وَدَلَائِلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْخِلَافُ مَشْهُورٌ إلَى أَنْ قَالَ: الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ يُكْرَهُ حَمْلُ السِّلَاحِ بِمَكَّةَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ «النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ السِّلَاحَ بِمَكَّةَ» اهـ.
(قَوْلُهُ: تَشْرِيفًا) أَيْ تَرَفُّعًا وَعُلُوًّا، وَقَوْلُهُ وَتَعْظِيمًا أَيْ تَبْجِيلًا، وَقَوْلُهُ وَتَكْرِيمًا أَيْ تَفْضِيلًا، وَقَوْلُهُ مَهَابَةً أَيْ تَوْقِيرًا وَإِجْلَالًا اهـ شَرْحُ م ر. وَكَانَ حِكْمَةُ تَقْدِيمِ التَّعْظِيمِ عَلَى التَّكْرِيمِ فِي الْبَيْتِ وَعَكْسِهِ فِي قَاصِدِهِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالذَّاتِ فِي الْبَيْتِ إظْهَارُ عَظَمَتِهِ فِي النُّفُوسِ حَتَّى تَخْضَعَ لِشَرَفِهِ وَتَقُومَ بِحُقُوقِهِ ثُمَّ كَرَامَتُهُ بِإِكْرَامِ زَائِرِهِ بِإِعْطَائِهِمْ مَا طَلَبُوهُ وَإِنْجَازِهِمْ مَا أَمَّلُوهُ وَفِي زَائِرِهِ وُجُودُ كَرَامَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِإِسْبَاغِ رِضَاهُ عَلَيْهِ وَعَفْوِهِ عَمَّا جَنَاهُ وَاقْتَرَفَهُ، ثُمَّ عَظَمَتُهُ بَيْنَ أَبْنَاءِ جِنْسِهِ بِظُهُورِ تَقْوَاهُ وَهِدَايَتِهِ وَيُرْشِدُ إلَى هَذَا خَتْمُ دُعَاءِ الْبَيْتِ بِالْمَهَابَةِ النَّاشِئَةِ عَنْ تِلْكَ الْعَظَمَةِ إذْ هِيَ التَّوْقِيرُ وَالْإِجْلَالُ وَدُعَاءُ الزَّائِرِ بِالْبِرِّ النَّاشِئ عَنْ ذَلِكَ التَّكْرِيمِ إذْ هُوَ الِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ فَتَأَمَّلْهُ اهـ. حَجّ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.
(قَوْلُهُ: وَمِنْك السَّلَامُ) أَيْ ابْتِدَاؤُهُ مِنْك وَمَنْ أَكْرَمْته بِالسَّلَامِ فَقَدْ سَلِمَ اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ: فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ) وَيُسَنُّ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَا أَحَبَّ مِنْ الْمُهِمَّاتِ وَأَهَمُّهَا الْمَغْفِرَةُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَمَعْنَى السَّلَامِ الْأَوَّلِ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ أَنْتَ السَّلَامُ أَيْ السَّالِمُ مِنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِ الرُّبُوبِيَّةِ وَكَمَالِ الْأُلُوهِيَّةِ أَوْ الْمُسَلِّمُ لِعَبْدِك مِنْ الْآفَاتِ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى " دُخُولُ " فَيُفِيدُ سُنَّتَيْنِ فَوْرِيَّةَ الدُّخُولِ وَكَوْنَهُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ وَالْفَوْرِيَّةُ صَرَّحَ بِهَا حَجّ وَفِي الْإِيضَاحِ مَا نَصُّهُ: الْعَاشِرَةُ أَيْ مِنْ الْمَسَائِلِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُعَرِّجَ أَوَّلَ دُخُولِهِ عَلَى اسْتِئْجَارِ مَنْزِلٍ وَحَطِّ قُمَاشٍ وَتَغْيِيرِ ثِيَابٍ وَلَا شَيْءٍ آخَرَ غَيْرَ الطَّوَافِ وَيَقِفُ بَعْضُ الرُّفْقَةِ عِنْدَ مَتَاعِهِمْ وَرَوَاحِلِهِمْ حَتَّى يَطُوفُوا ثُمَّ يَرْجِعُوا إلَى رَوَاحِلِهِمْ وَمَتَاعِهِمْ وَيَسْتَأْجِرُونَ الْمَنْزِلَ، بَلْ إذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ عِنْدَ رَأْسِ الرَّدْمِ قَصَدَ الْمَسْجِدَ وَدَخَلَهُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، وَالدُّخُولُ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ قَادِمٍ مِنْ أَيِّ جِهَةٍ كَانَ بِلَا خِلَافٍ اهـ.
(قَوْلُهُ أَيْضًا فَيَدْخُلَ الْمَسْجِدَ إلَخْ) وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ وَيَقُولُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَبِسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَسَلِّمْ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك، وَإِذَا خَرَجَ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَالَ هَذَا إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ فَضْلِك، وَهَذَا الذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ مُسْتَحَبٌّ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَقَدْ وَرَدَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ يُلَفَّقُ مِنْهَا مَا ذَكَرْته، وَقَدْ أَوْضَحْتهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي طَالِبُ الْآخِرَةِ عَنْ مِثْلِهِ إلَى أَنْ قَالَ الثَّلَاثُونَ فِي أُمُورٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، قَالَ أَبُو الْوَلِيدِ الْأَزْرَقِيُّ وَالْإِمَامُ أَقْضَى الْقُضَاةِ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ الْمُعْتَمَدِينَ وَفِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ زِيَادَةٌ عَلَى بَعْضٍ، أَمَّا الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ فَكَانَ فِنَاءً حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَفَضَاءً لِلطَّائِفِينَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - جِدَارٌ يُحِيطُ بِهِ وَكَانَتْ الدُّورُ مُحْدِقَةٌ بِهِ وَبَيْنَ الدُّورِ أَبْوَابٌ تَدْخُلُهُ النَّاسُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكَثُرَ النَّاسُ وَسَّعَ الْمَسْجِدَ وَاشْتَرَى الدُّورَ وَهَدَمَهَا وَزَادَهَا فِيهِ وَاِتَّخَذَ لِلْمَسْجِدِ جِدَارًا قَصِيرًا دُونَ الْقَامَةِ وَكَانَتْ الْمَصَابِيحُ تُوضَعُ عَلَيْهِ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَوَّلَ مَنْ اتَّخَذَ الْجِدَارَ لِلْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَلَمَّا اُسْتُخْلِفَ عُثْمَانُ ابْتَاعَ مَنَازِلَ وَوَسَّعَهُ بِهَا أَيْضًا وَهِيَ الْمَسْجِدُ وَالْأَرْوِقَةُ فَكَانَ عُثْمَانُ أَوَّلَ مِنْ اتَّخَذَ لِلْمَسْجِدِ الْأَرْوِقَةَ ثُمَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ زَادَ فِي الْمَسْجِدِ زِيَادَةً كَثِيرَةً وَاشْتَرَى دُورًا مِنْ جُمْلَتِهَا بَعْضُ دَارِ الْأَزْرَقِيِّ اشْتَرَى ذَلِكَ الْبَعْضَ بِبِضْعَةَ عَشَرَ أَلْفَ دِينَارٍ ثُمَّ