للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْجِرْمِ، وَالرُّطُوبَةِ لِلِاتِّبَاعِ فَلَا يَكُونُ عَصًا غَيْرَ مُعْتَدِلَةٍ وَلَا رَطْبًا فَيَشُقُّ الْجِلْدَ بِثِقَلِهِ وَلَا قَضِيبًا وَلَا يَابِسًا فَلَا يُؤْلِمُ لِخِفَّتِهِ وَفِي خَبَرٍ مُرْسَلٍ رَوَاهُ مَالِكٌ الْأَمْرُ بِسَوْطٍ بَيْنِ الْخَلَقِ، وَالْجَدِيدِ وَقِيسَ بِالسَّوْطِ غَيْرُهُ (وَيُفَرِّقُهُ) أَيْ السَّوْطَ أَوْ غَيْرَهُ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ (عَلَى الْأَعْضَاءِ) فَلَا يَجْمَعُ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ (وَيَتَّقِي الْمَقَاتِلَ) كَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَفَرْجٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ رَدْعُهُ لَا قَتْلُهُ (، وَالْوَجْهَ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَّقِ الْوَجْهَ» ولِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْمَحَاسِنِ فَيَعْظُمُ أَثَرُ شَيْنِهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَتَّقِ الرَّأْسَ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِالشَّعْرِ غَالِبًا (وَلَا تَشْدِيدَهُ) وَلَا يَمُدُّ هُوَ عَلَى الْأَرْضِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاتِّقَاءِ بِيَدَيْهِ فَلَوْ وَضَعَهُمَا أَوْ إحْدَاهُمَا عَلَى مَوْضِعٍ عَدَلَ عَنْهُ الضَّارِبُ إلَى آخَرَ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ أَلَمِهِ بِالضَّرْبِ فِيهِ (وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (الْخَفِيفَةُ) أَمَّا الثَّقِيلَةُ كَحَبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وَفَرْوَةٍ فَتُجَرَّدُ نَظَرَا لِمَقْصُودِ الْحَدِّ (وَلَا يُحَدُّ فِي) حَالِ (سُكْرِهِ) بَلْ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ مِنْهُ لِيَرْتَدِعَ (وَلَا فِي مَسْجِدٍ) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ «لَا تُقَامُ الْحُدُودُ فِي الْمَسَاجِدِ» وَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَلَوَّثَ مِنْ جِرَاحَةٍ تَحْدُثُ (فَإِنْ فَعَلَ) أَيْ حَدَّ فِي سُكْرِهِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ (أَجْزَأَ) أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِظَاهِرِ خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «أُتِيَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَكْرَانَ فَأَمَرَ بِضَرْبِهِ فَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِيَدِهِ وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ وَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ بِثَوْبِهِ» وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فَضَرَبُوهُ بِالْأَيْدِي، وَالنِّعَالِ وَأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَكَالصَّلَاةِ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ وَقَضِيَّتُهُ تَحْرِيمُ ذَلِكَ وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَكِنَّ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا فِي بَابِ آدَابِ الْقَضَاءِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ بَلْ يُكْرَهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَوْلِي وَلَا فِي إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي.

(فَصْلٌ) فِي التَّعْزِيرِ مِنْ الْعَزْرِ أَيْ الْمَنْعِ وَهُوَ لُغَةً: التَّأْدِيبُ، وَشَرْعًا تَأْدِيبٌ عَلَى ذَنْبٍ لَا حَدَّ فِيهِ وَلَا كَفَّارَةَ غَالِبًا كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} [النساء: ٣٤] وَفِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي صَحِيحِهِ (عُزِّرَ لِمَعْصِيَةٍ

ــ

[حاشية الجمل]

الْجِرْمِ) فَلَوْ فَعَلَ بِغَيْرِ ذَلِكَ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ أَوْ لَا؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ: الِاعْتِدَادُ بِهِ فِي الثَّقِيلِ دُونَ الْخَفِيفِ الَّذِي لَمْ يُؤْلِمْ أَصْلًا اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: بِسَوْطٍ بَيْنَ الْخَلَقِ) بِفَتْحِ اللَّامِ أَيْ بَالٍ اهـ ع ش عَلَى م ر. وَفِي الْمُخْتَارِ: ثَوْبٌ خَلَقٌ أَيْ بَالٍ يَسْتَوِي فِيهِ الْمُذَكَّرُ، وَالْمُؤَنَّثُ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرُ الْأَخْلَقِ، وَهُوَ الْأَمْلَسُ، وَالْجَمْعُ الْخُلْقَانُ، وَخَلَقَ الثَّوْبُ بَلِيَ وَبَابُهُ سَهْلٌ وَأَخْلَقَ أَيْضًا مِثْلُهُ وَأَخْلَقَهُ صَاحِبُهُ يَتَعَدَّى وَيَلْزَمُ اهـ (قَوْلُهُ: وَقِيسَ بِالسَّوْطِ غَيْرُهُ) أَرَادَ هُنَا بِالسَّوْطِ الْمُتَّخَذُ مِنْ جُلُودٍ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: السَّوْطُ هُوَ الْمُتَّخَذُ مِنْ سُيُورٍ تُلْوَى وَتُلَفُّ اهـ وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ سَابِقًا وَسَوْطُ الْعُقُوبَةِ. . . إلَخْ فَإِنَّهُ أَرَادَ بِالسَّوْطِ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ هَذَا فَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ تَفْسِيرٌ لَهُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ اهـ سم وَيُسَمَّى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُسَوِّطُ الْجِلْدَ اهـ يَشُقُّهُ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ.

وَفِي الْمُخْتَارِ: وَسَاطَهُ أَيْ ضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ وَبَابُهُ قَالَ (قَوْلُهُ: وَيُفَرِّقُهُ) أَيْ وُجُوبًا وَقَوْلُهُ: وَيَتَّقِي الْمَقَاتِلَ أَيْ وُجُوبًا فَلَوْ مَاتَ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَيْسَ مَشْرُوطًا بِسَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ بِخِلَافِ التَّعْزِيرِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ) أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ الزَّمَنُ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَيَتَّقِي الْمَقَاتِلَ) فَإِنْ ضَرَبَهُ عَلَى مَقْتَلٍ فَمَاتَ فَفِي ضَمَانِهِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ جَلَدَهُ فِي حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَمُقْتَضَاهُ نَفْيُ الضَّمَانِ اهـ شَرْحُ م ر وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ بِالشَّعْرِ غَالِبًا) فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَسْتُورًا بِذَلِكَ لِقَرَعٍ أَوْ حَلْقٍ اجْتَنَبَهُ قَطْعًا اهـ شَرْحُ م ر اهـ ع ش (قَوْلُهُ: وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حُرْمَةُ ذَلِكَ أَيْ إنْ تَأَذَّى بِذَلِكَ وَإِلَّا كُرِهَ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: عَدَلَ عَنْهُ الضَّارِبُ) ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وُجُوبُ ذَلِكَ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ الْخَفِيفَةُ) وَاسْتَحْسَنَ الْمَاوَرْدِيُّ مَا أَحْدَثَهُ وُلَاةُ الْعِرَاقِ مِنْ ضَرْبِهَا فِي نَحْوِ غِرَارَةٍ مِنْ شَعْرٍ زِيَادَةً فِي سَتْرِهَا وَأَنَّ ذَا الْهَيْئَةِ يُضْرَبُ فِي الْخَلَا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ التَّجْرِيدَ مَكْرُوهٌ اهـ شَرْحُ م ر وَيَنْبَغِي حُرْمَتُهُ إنْ كَانَ عَلَى وَجْهٍ مُزْرٍ كَمُعَظَّمٍ أُرِيدَ الِاقْتِصَارُ مِنْ ثِيَابِهِ عَلَى مَا يُزْرَى كَقَمِيصٍ لَا يَلِيقُ بِهِ أَوْ إزَارٍ فَقَطْ اهـ سم عَلَى حَجّ اهـ ع ش عَلَيْهِ.

وَعِبَارَةُ حَجّ وَأَنَّ الْمُتَهَافِتَ عَلَى الْمَعَاصِي يُضْرَبُ فِي الْمَلَا وَذَا الْهَيْئَةِ يُضْرَبُ فِي الْخَلَا انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَ) مَحَلُّهُ فِي السَّكْرَانِ إنْ كَانَ لَهُ نَوْعُ إحْسَاسٍ اهـ ز ي (قَوْلُهُ: فَمِنَّا مَنْ ضَرَبَهُ. . . إلَخْ) قَضِيَّةُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَدَمُ وُجُوبِ التَّأْخِيرِ، وَالرَّاجِحُ الْوُجُوبُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَتَى بِهِ عَقِبَ شُرْبِهِ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ أَوْ أَنَّهُ شَرِبَ قَدْرًا لَا يُسْكِرُ اهـ س ل.

[فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ]

(فَصْلٌ فِي التَّعْزِيرِ) (قَوْلُهُ: مِنْ الْعَزْرِ) بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ اهـ شَرْحُ م ر وَهُوَ يُفَارِقُ الْحَدَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدِهَا اخْتِلَافِهِ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ الثَّانِي جَوَازِ الشَّفَاعَةِ فِيهِ، وَالْعَفْوِ عَنْهُ بَلْ يُسْتَحَبَّانِ الثَّالِثِ التَّالِفِ بِهِ مَضْمُونٌ عَلَى الْأَصَحِّ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ اهـ ز ي (قَوْلُهُ: وَهُوَ لُغَةً: التَّأْدِيبُ. . . إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَهُوَ لُغَةً مِنْ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ لِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى التَّفْخِيمِ، وَالتَّعْظِيمِ وَعَلَى التَّأْدِيبِ وَعَلَى أَشَدِّ الضَّرْبِ وَعَلَى ضَرْبٍ دُونَ الْحَدِّ كَذَا فِي الْقَامُوسِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْأَخِيرَ غَلَطٌ إذْ هُوَ وَضْعٌ شَرْعِيٌّ لَا لُغَوِيٌّ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ إلَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَكَيْفَ يُنْسَبُ لِأَهْلِ اللُّغَةِ الْجَاهِلِينَ لِذَلِكَ مِنْ أَصْلِهِ، وَاَلَّذِي فِي الصِّحَاحِ بَعْدَ تَفْسِيرِهِ بِالضَّرْبِ وَمِنْهُ سُمِّيَ ضَرْبُ مَا دُونَ الْحَدِّ تَعْزِيرًا فَأَشَارَ إلَى أَنَّ هَذِهِ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ مَنْقُولَةٌ عَنْ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ بِزِيَادَةِ قَيْدٍ هُوَ كَوْنُ ذَلِكَ الضَّرْبِ دُونَ الْحَدِّ الشَّرْعِيِّ فَهُوَ كَلَفْظِ الصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ وَنَحْوِهِمَا الْمَنْقُولَةِ لِوُجُودِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فِيهَا بِزِيَادَةِ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ: وَعَلَى أَشَدِّ الضَّرْبِ قَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُطْلَقُ لُغَةً عَلَى أَصْلِ الضَّرْبِ لَكِنْ سَيَأْتِي عَنْ الصِّحَاحِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ وَقَوْلُهُ: فَكَيْفَ يُنْسَبُ لِأَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُقَالُ هَذَا لَا يَأْتِي عَلَى أَنَّ الْوَاضِعَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّا نَقُولُ هُوَ تَعَالَى إنَّمَا وَضَعَ اللُّغَةَ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الشَّرْعِ اهـ سم عَلَى حَجّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْإِشْكَالِ

<<  <  ج: ص:  >  >>