للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْحَرَمَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ يَعُودُونَ إلَيْهِ فَرُبَّمَا يَعُودُ مَالِكُهَا أَوْ نَائِبُهُ وَخَرَجَ بِزِيَادَتِي مَكَّةَ حَرَمُ الْمَدِينَةِ فَهُوَ كَسَائِرِ الْبِلَادِ فِي حُكْمِ اللُّقَطَةِ.

(كِتَابُ اللَّقِيطِ) وَيُسَمَّى مَلْقُوطًا وَمَنْبُوذًا وَدَعِيًّا وَالْأَصْلُ فِيهِ مَعَ مَا يَأْتِي قَوْله تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحج: ٧٧] وقَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وَأَرْكَانُ اللَّقْطِ الشَّرْعِيِّ لَقْطٌ وَلَقِيطٌ وَلَاقِطٌ وَكُلُّهَا تُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي

(لَقْطُهُ) أَيْ اللَّقِيطِ (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] وَلِأَنَّهُ آدَمِيٌّ مُحْتَرَمٌ فَوَجَبَ حِفْظُهُ كَالْمُضْطَرِّ إلَى طَعَامِ غَيْرِهِ وَفَارَقَ اللُّقَطَةَ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَقْطُهَا بِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهَا الِاكْتِسَابُ وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ الْوُجُوبِ كَالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ.

فِيهِ (وَيَجِبُ إشْهَادٌ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى اللَّقْطِ وَإِنْ كَانَ اللَّاقِطُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَسْتَرِقَّهُ، وَفَارَقَ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادَ عَلَى لَقْطِ اللُّقَطَةِ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهَا الْمَالُ وَالْإِشْهَادُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ مُسْتَحَبٌّ وَمِنْ اللَّقِيطِ حِفْظُ حُرِّيَّتِهِ وَنَسَبِهِ فَوَجَبَ الْإِشْهَادُ كَمَا فِي النِّكَاح وَبِأَنَّ اللُّقَطَةَ يَشِيعُ أَمْرُهَا بِالتَّعْرِيفِ، وَلَا تَعْرِيفَ فِي اللَّقِيطِ (وَعَلَى مَا مَعَ اللَّقِيطِ) تَبَعًا لَهُ وَلِئَلَّا يَتَمَلَّكَهُ فَلَوْ تَرَكَ الْإِشْهَادَ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ وَلَايَةُ الْحَضَانَةِ وَجَازَ نَزْعُهُ مِنْهُ قَالَهُ فِي الْوَسِيطِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِشْهَادُ فِيمَا ذُكِرَ عَلَى لَاقِطٍ بِنَفْسِهِ أَمَّا مَنْ سَلَّمَهُ لَهُ الْحَاكِمُ فَالْإِشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ (وَاللَّقِيطُ صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ مَنْبُوذٌ لَا كَافِلَ لَهُ) مَعْلُومٌ

ــ

[حاشية الجمل]

[كِتَابُ اللَّقِيطِ]

(كِتَابُ اللَّقِيطِ) أَيْ كِتَابٌ يُبَيَّنُ فِيهِ حَقِيقَتُهُ وَمَا يُفْعَلُ بِهِ وَإِسْلَامُهُ وَحُرِّيَّتُهُ وَلَيْسَ فِي التَّرْجَمَةِ مَجَازُ الْأَوَّلِ بَلْ فِي قَوْلِهِ أَيْ اللَّقِيطِ وَاللَّقِيطُ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ سُمِّيَ لَقِيطًا وَمَلْقُوطًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُلْقَطُ وَمَنْبُوذًا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يُنْبَذُ وَتَسْمِيَتُهُ بِذَيْنِك قَبْلَ أَخْذِهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَجَازُ الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ صَارَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً، وَكَذَا تَسْمِيَتُهُ مَنْبُوذًا بَعْدَ أَخْذِهِ بِنَاءً عَلَى زَوَالِ الْحَقِيقَةِ بِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُشْتَقِّ مِنْهُ اهـ. شَرْحُ م ر أَيْ فَهُوَ مَجَازٌ لَكِنْ بِاعْتِبَارِ مَا كَانَ. اهـ. ع ش (قَوْلُهُ وَدَعِيًّا) أَيْ مَتْرُوكًا إذْ الدَّعَةُ التَّرْكُ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ الدَّعْوَةُ بِالْكَسْرِ فِي النَّسَبِ يُقَالُ دَعْوَتُهُ بِابْنِ زَيْدٍ وَدَعَوْتُ الْوَلَدَ زَيْدًا، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الدَّعْوَةُ بِالْكَسْرِ ادِّعَاءُ الْوَلَدِ يُقَالُ هُوَ دَعِيٌّ بَيِّنُ الدَّعْوَةِ بِالْكَسْرِ إذَا كَانَ يُدْعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ أَوْ يَدَّعِيهِ غَيْرُ أَبِيهِ فَهُوَ فَاعِلٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَمَفْعُولٌ مِنْ الثَّانِي اهـ.

(قَوْلُهُ مَا يَأْتِي) أَيْ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢] (قَوْلُهُ وَأَرْكَانُ اللَّقْطِ الشَّرْعِيِّ إلَخْ) دَفَعَ بِهَذَا مَا يَلْزَمُ عَلَى كَلَامِهِ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ رُكْنًا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ اللَّقْطَ مِنْ أَرْكَانِ اللَّقْطِ وَحَاصِلُ الدَّفْعِ أَنَّ الَّذِي جُعِلَ رُكْنًا هُوَ اللَّقْطُ اللُّغَوِيُّ بِمَعْنَى مُطْلَقِ الْأَخْذِ وَالْأَوَّلُ هُوَ اللَّقْطُ الشَّرْعِيُّ (قَوْلُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ) أَيْ وَلَوْ عَلَى فَسَقَةٍ عَلِمُوهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الِالْتِقَاطُ وَلَا تَثْبُتُ الْوَلَايَةُ لَهُمْ أَيْ بِمَعْنَى أَنَّ لِلْغَيْرِ انْتِزَاعَهُ مِنْهُمْ وَلَعَلَّ سُكُوتَهُمْ عَنْ هَذَا لِعِلْمِهِ مِنْ كَلَامِهِمْ اهـ. ع ش عَلَى م ر وَمَحَلُّ كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ إذَا عَلِمَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَإِلَّا كَانَ فَرْضَ عَيْنٍ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَأْنُ كُلِّ فَرْضِ كِفَايَةٍ اهـ. ح ل.

(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا} [المائدة: ٣٢] إلَخْ) أَيْ؛ لِأَنَّ بِإِحْيَائِهَا أَسْقَطَ الْحَرَجَ عَنْ النَّاسِ فَأَحْيَاهُمْ بِالنَّجَاةِ مِنْ الْعَذَابِ اهـ ح ل وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِهِ كِفَائِيًّا بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ، وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ إلَخْ دَلِيلٌ عَلَى الْوُجُوبِ وَكَانَ الْأَنْسَبُ الْعَكْسَ لَكِنْ رَاعَى الِاهْتِمَامَ بِالْآيَةِ، تَأَمَّلْ.

وَأَصْلُ الْإِحْيَاءِ إدْخَالُ الرُّوحِ فِي الْجَسَدِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُنَا ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ التَّسَبُّبُ فِي دَوَامِ الْحَيَاةِ، وَهُوَ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْهَا الْمُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ، وَقَوْلُهُ فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا أَيْ بِدَفْعِ الْإِثْمِ عَنْهُمْ فَمَعْنَى الْإِحْيَاءِ الْأَوَّلِ غَيْرُ مَعْنَى الْإِحْيَاءِ الثَّانِي اهـ. ع ش.

(قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَجِبُ لَقْطُهَا) أَيْ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَإِلَّا فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ قَدْ يَجِبُ اهـ. سم (قَوْلُهُ فَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ الْوُجُوبِ) أَيْ عَنْ وُجُوبِ لَقْطِ اللُّقَطَةِ اكْتِفَاءً بِمَيْلِ النَّفْسِ إلَى الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الِاكْتِسَابُ، وَقَوْلُهُ كَالنِّكَاحِ وَالْوَطْءِ فِيهِ لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ مِنْ النِّكَاحِ أَيْ الْعَقْدِ التَّمَتُّعَ بِالْوَطْءِ وَغَيْرِهِ وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَيْهِ أَيْ الْوَطْءِ اكْتَفَى الشَّارِعُ بِذَلِكَ عَنْ إيجَابِ الْعَقْدِ اكْتِفَاءً عَنْهُ بِدَاعِيَةِ النَّفْسِ إلَى الْمُتَرَتِّبِ عَلَيْهِ. اهـ زِيَادِيٌّ بِالْمَعْنَى اهـ.

(قَوْلُهُ وَيَجِبُ إشْهَادٌ عَلَيْهِ) أَيْ لِرَجُلَيْنِ، وَلَوْ مَسْتُورَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يَعْسُرُ عَلَيْهِ إقَامَةُ الْعَدْلَيْنِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا اهـ. ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ اللَّاقِطُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ) أَيْ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا ثَابِتَ الْعَدَالَةِ فَالْمُرَادُ غَيْرُ الْمَشْهُورِ اهـ. ح ل.

وَعِبَارَةُ ع ش قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ اللَّاقِطُ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ أَيْ ثَابِتَهَا بِأَنْ تَثْبُتَ بِالْمُزَكِّيِينَ وَاشْتُهِرَتْ حَمْلًا لِلَّفْظِ عَلَى فَرْدِهِ الْكَامِلِ فَغَيْرُهُ كَمَسْتُورِ الْعَدَالَةِ مِنْ بَابِ أَوْلَى انْتَهَتْ (قَوْلُهُ تَبَعًا لَهُ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر، وَإِنَّمَا وَجَبَ أَيْ الْإِشْهَادُ عَلَى مَا مَعَهُ أَيْ اللَّقِيطِ بِطَرِيقِ التَّبَعِيَّةِ لَهُ فَلَا يُنَافِيهِ مَا مَرَّ فِي اللُّقَطَةِ انْتَهَتْ أَيْ مِنْ أَنَّهُ يُسَنُّ الْإِشْهَادُ عَلَيْهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ مَا مَعَهُ مِنْ جُمْلَةِ اللُّقَطَةِ وَقِيَاسُ مَا مَرَّ فِي اللُّقَطَةِ مِنْ امْتِنَاعِ الْإِشْهَادِ إذَا خَافَ عَلَيْهَا ظَالِمًا أَنَّهُ هُنَا كَذَلِكَ اهـ. ع ش عَلَيْهِ.

(قَوْلُهُ لَمْ تَثْبُتْ لَهُ وَلَايَةُ الْحَضَانَةِ) أَيْ إلَّا إنْ تَابَ وَأَشْهَدَ فَيَكُونُ الْتِقَاطًا جَدِيدًا مِنْ حِينَئِذٍ كَمَا بَحَثَهُ السُّبْكِيُّ مُصَرِّحًا بِأَنَّ تَرْكَ الْإِشْهَادِ فِسْقٌ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ وَجَازَ نَزْعُهُ مِنْهُ) أَيْ وَجَبَ؛ لِأَنَّهُ جَوَازٌ بَعْدَ امْتِنَاعٍ اهـ. ح ل.

وَعِبَارَةُ ع ش أَيْ وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي نَزْعُهُ فَهُوَ جَوَازٌ بَعْدَ مَنْعٍ فَيُصَدَّقُ بِالْوَاجِبِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَاللَّقِيطُ صَغِيرٌ) لَمْ يَقُلْ طِفْلٌ وَفِي التُّحْفَةِ، وَهُوَ أَيْ اللَّقِيطُ شَرْعًا طِفْلٌ نُبِذَ إلَخْ ثُمَّ قَالَ وَذِكْرُ الطِّفْلِ لِلْغَالِبِ إذْ الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُمَيِّزَ وَالْمَجْنُونَ يُلْتَقَطَانِ لِاحْتِيَاجِهِمَا إلَى الْمُتَعَهِّدِ اهـ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّ الْمُمَيِّزَ لَا يُقَالُ لَهُ طِفْلٌ وَفِيهِ أَنَّ الطِّفْلَ يُقَالُ عَلَى الصَّغِيرِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ فَلْيُتَأَمَّلْ.

وَكَتَبَ عَلَيْهِ أَيْضًا فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْأَوْلَى ذِكْرَ تَعْرِيفِهِ قَبْلَ ذِكْرِ حُكْمِ لَقْطِهِ بِأَنْ يَقُولَ عَقِبَ قَوْلِهِ كِتَابُ اللَّقِيطِ مَا نَصُّهُ هُوَ صَغِيرٌ إلَخْ مَعَ الِاخْتِصَارِ قُلْت ذِكْرُهُ هُنَا لِمُنَاسَبَةِ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَاللَّاقِطُ حُرٌّ إلَخْ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ مَنْبُوذٌ إلَخْ) لَيْسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>