بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا كَأَنْ تَقُولَ لَهُ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِهْزَاءِ أَوْ الدَّلَالِ طَلِّقْنِي فَيَقُولَ طَلَّقْتُك (أَوْ ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً) لِكَوْنِهَا فِي ظُلْمَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ زَوَّجَهَا لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ أَوْ نَحْوَهَا (وَقَعَ) الطَّلَاقُ لِقَصْدِهِ إيَّاهُ، وَإِيقَاعُهُ فِي مَحَلِّهِ وَفِي الْحَدِيثِ «ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ الطَّلَاقُ وَالنِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ» وَقِيسَ بِالثَّلَاثِ غَيْرُهَا مِنْ سَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ، وَإِنَّمَا خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِتَعَلُّقِهَا بِالْأَبْضَاعِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَزِيدِ الِاعْتِنَاءِ وَلَا يُدَيَّنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْ اللَّفْظَ إلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ
(فَصْلٌ) فِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ وَاحْتَجُّوا لَهُ أَيْضًا بِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيَّرَ نِسَاءَهُ بَيْنَ الْمُقَامِ مَعَهُ وَبَيْنَ مُفَارَقَتِهِ لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [الأحزاب: ٢٨] »
ــ
[حاشية الجمل]
(قَوْلُهُ: بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا) أَيْ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْبِقْ لِسَانُهُ وَإِلَّا لَمْ يَقَعْ كَمَا تَقَدَّمَ وَحِينَئِذٍ يُقَالُ كَيْفَ يَنْتَفِي الْقَصْدُ مَعَ انْتِفَاءِ سَبْقِ اللِّسَانِ اهـ سم (قَوْلُهُ: أَوْ نَحْوِهَا) كَكَوْنِهِ نَاسِيًا أَنَّ لَهُ زَوْجَةً كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ النَّصِّ وَأَقَرَّاهُ اهـ شَرْحُ م ر فَهُوَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى مَدْخُولِ اللَّامِ مِنْ قَوْلِهِ لِكَوْنِهَا فِي ظُلْمَةٍ إلَخْ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى مَا فِي حَيِّزِ اللَّامِ (قَوْلُهُ: وَقَعَ الطَّلَاقُ) ظَاهِرًا وَبَاطِنًا فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ وَقَوْلُهُ لِقَصْدِهِ إلَخْ هُوَ وَاضِحٌ فِي الثَّالِثَةِ دُونَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْأُولَى وَإِنْ قَصَدَ فِيهَا اللَّفْظَ لَكِنْ لَا لِمَعْنَاهُ وَالثَّانِيَةُ لَمْ يَقْصِدْ فِيهَا اللَّفْظَ بِالْكُلِّيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ عَلِمْت مَا فِيهِ وَلَوْ قَالَ الشَّارِحُ فِيهَا؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْهَزْلِ وَاللَّعِبِ لَيْسَ مِنْ الصَّارِف لِلطَّلَاقِ عَنْ مَعْنَاهُ حَتَّى يَحْتَاجَ مَعَهُ إلَى قَصْدِ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ لَكَانَ أَوْلَى وَقَوْلُهُ: لِقَصْدِهِ إيَّاهُ أَيْ قَصْدِ اللَّفْظِ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ مَعْنَاهُ وَهُوَ وَاضِحٌ فِي غَيْرِ اللَّاعِبِ، وَقَوْلُهُ: وَإِيقَاعُهُ أَيْ وَلِإِيقَاعِهِ أَيْ وُقُوعِهِ فِي مَحَلِّهِ أَيْ صَادَفَ مَحَلَّهُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَوْلَهُ: وَإِيقَاعُهُ فِي مَحَلِّهِ قَصْدُ الْإِيقَاعِ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَالْمُرَادُ الْوُقُوعُ أَيْ وَقَعَ فِي مَحَلِّهِ أَيْ وَلَا عِبْرَةَ بِظَنِّهِ وَلَا يُقَالُ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِ مَنْ ظَنَّهَا أَجْنَبِيَّةً الَّتِي هِيَ لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهَذَا اللَّفْظِ حَلَّ الْعِصْمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ طَلَبَ مِنْ قَوْمٍ إلَخْ وَنَظِيرُ هَذَا مَا فِي فَتَاوَى الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ لَوْ وَكَّلَهُ فِي طَلَاقِ امْرَأَةٍ فَبَانَتْ زَوْجَةُ الْوَكِيلِ طَلُقَتْ لَكِنْ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ الْمُتَّجَهُ عَدَمُهُ؛ لِأَنَّ الرِّضَا مُعْتَبَرٌ وَهُوَ مَفْقُودٌ هُنَا اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ أَيْ وَلَوْ كَانَ الطَّلَاقُ مُعَلَّقًا كَمَا شَمِلَهُ كَلَامُهُمْ.
فَلَوْ قِيلَ لَهُ هَذِهِ زَوْجَتُك فَقَالَ: إنْ كَانَتْ زَوْجَتِي فَهِيَ طَالِقٌ طَلُقَتْ لِمَا ذُكِرَ هَذَا حَيْثُ لَا مُحَاوَرَةَ وَإِلَّا كَانَ حَلْفًا وَالْحَالِفُ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِفَةٌ وَاعْتَمَدَهَا فِي حَلِفِهِ وَتَبَيَّنَ خِلَافَهَا لَمْ يَحْنَثْ وَفِي الْكَافِي مَنْ قَالَ وَلَمْ يَعْلَمْ لَهُ زَوْجَةً فِي الْبَلَدِ إنْ كَانَ لِي فِي الْبَلَدِ زَوْجَةٌ فَهِيَ طَالِقٌ وَكَانَتْ فِي الْبَلَدِ فَعَلَى قَوْلِي حَنِثَ النَّاسِي اهـ وَنَقَلَ شَيْخُنَا كحج عَنْ الْبُلْقِينِيِّ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُلْمَحُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا صُورَةُ التَّعْلِيقِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى إثْبَاتٍ أَوْ نَفْيٍ مُعْتَمِدًا عَلَى غَلَبَةِ ظَنِّهِ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَمْرَ بِخِلَافِهِ قَالَا فَسَقَطَ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ مَرْدُودٌ اهـ ح ل (قَوْلُهُ لِقَصْدِهِ إيَّاهُ) لَا يَصِحُّ رُجُوعُهُ لِلْأَوَّلَيْنِ كَمَا لَا يَخْفَى وَيُمْكِنُ تَخْصِيصُهُ بِالْأَخِيرَةِ وَقَوْلُهُ: وَإِيقَاعُهُ فِي مَحَلِّهِ يَرْجِعُ لِمَا عَدَاهُ أَوْ لِلْكُلِّ اهـ شَيْخُنَا ثُمَّ رَأَيْت نَقْلًا عَنْ سِبْطِ طَبْ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ لِقَصْدِهِ إيَّاهُ كَيْفَ تَجْتَمِعُ هَذِهِ الْعِلَّةُ مَعَ قَوْلِهِ فِي اللَّاعِبِ آنِفًا بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا قَالَهُ الشَّيْخُ عَمِيرَةُ وَيُجَابُ بِأَنَّهُ عِلَّةٌ لِمَا فِيهِ قَصْدٌ وَقَوْلُهُ وَإِيقَاعُهُ فِي مَحَلِّهِ عِلَّةٌ لِمَا انْتَفَى فِيهِ ذَلِكَ فَلَا إشْكَالَ (قَوْلُهُ: وَلَا يُدَيَّنُ) مَعْطُوفٌ عَلَى وَقَعَ الْمُتَعَلِّقِ بِالْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ أَيْ لَا يُوكَلُ لِدِينِهِ أَيْ لَا يَعْمَلُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ بِعَدَمِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ وَيَعْتَذِرُ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْوُقُوعَ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْ اللَّفْظَ إلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ، وَإِنَّمَا يَدِينُ مَنْ صَرَفَهُ إلَى غَيْرِ مَعْنَاهُ كَمَنْ قَالَ هِيَ طَالِقٌ فِي مَقَامِ ذِكْرِ زَوْجَتِهِ ثُمَّ قَالَ أَرَدْت الْفَرَسَ مَثَلًا فَهَذَا يُعْمَلُ بِمُقْتَضَى نِيَّتِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ شَرْحِ م ر، وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا
[فَصْلٌ فِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ]
(فَصْلٌ) فِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ أَمَّا تَفْوِيضُهُ لِغَيْرِ الزَّوْجَةِ وَهُوَ التَّوْكِيلُ فِيهِ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْوَكَالَةِ مَتْنًا وَشَرْحًا لَكِنْ عَلَى تَفْصِيلٍ وَهُوَ أَنَّهُ يَصِحُّ التَّوْكِيلُ فِي تَنْجِيزِهِ دُونَ تَعْلِيقِهِ اهـ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ لِلزَّوْجَةِ مَا لَوْ فَوَّضَهُ إلَى اللَّهِ مَعَهَا أَوْ إلَى زَيْدٍ مَعَهَا أَوْ إلَى زَيْدٍ مَعَ اللَّهِ فَلَا يَصِحُّ فِيهَا نَعَمْ لَوْ فَوَّضَهُ إلَى زَيْدٍ مَثَلًا وَحْدَهُ صَحَّ وَهُوَ تَوْكِيلٌ وَلَوْ فَوَّضَهُ إلَى اثْنَيْنِ فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَقَعْ اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.
(قَوْلُهُ: فِي تَفْوِيضِ الطَّلَاقِ لِلزَّوْجَةِ) وَمِثْلُهُ تَفْوِيضُ الْعِتْقِ لِلْقِنِّ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ) قَدَّمَهُ عَلَى الْحَدِيثِ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهِ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ سَالِمٌ مِنْ الِاعْتِرَاضِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ اهـ شَيْخُنَا أَيْ فَإِنَّهُ اسْتَشْكَلَ بِمَا صَحَّحُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِاخْتِيَارِهِنَّ الدُّنْيَا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إيقَاعِهِ هُوَ بِدَلِيلِ {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} [الأحزاب: ٢٨] اهـ ز ي وَهَذَا هُوَ وَجْهُ التَّبَرِّي بِقَوْلِهِ وَاحْتَجُّوا لَهُ إلَخْ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا فَوَّضَ إلَيْهِنَّ سَبَبَ الْفِرَاقِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الدُّنْيَا جَازَ أَنْ يُفَوِّضَ إلَيْهِنَّ الْمُسَبِّبَ الَّذِي هُوَ الْفِرَاقُ اهـ خ ط.
وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ: وَاحْتَجُّوا لَهُ أَيْضًا إلَخْ فِيهِ أَنَّ هَذَا وَاضِحٌ لَوْ كَانَ بِمُجَرَّدِ اخْتِيَارِ الدُّنْيَا تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَعَ الِاخْتِيَارِ لَا بُدَّ مِنْ الطَّلَاقِ وَهَذَا وَجْهُ التَّبَرِّي.
وَعِبَارَةُ ابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَا حُجَّةَ فِي الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُخْبِرْهُنَّ فِي إيقَاعِ الْفِرَاقِ بِأَنْفُسِهِنَّ، وَإِنَّمَا خَيَّرَهُنَّ حَتَّى إذَا اخْتَرْنَ الْفِرَاقَ طَلَّقَهُنَّ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} [الأحزاب: ٢٨] إلَخْ اهـ.
أَيْ وَلِأَنَّ اخْتِيَارَهُنَّ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْفَوْرِ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ «قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَائِشَةَ إنِّي ذَاكِرٌ لَك