للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَأَنْ قُطِعَ يَدُهُ فَانْدَمَلَ لِأَنَّ التَّحَتُّمَ تَغْلِيظٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَاخْتَصَّ بِالنَّفْسِ كَالْكَفَّارَةِ وَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْجُرْحِ.

(وَتَسْقُطُ) عَنْهُ (بِتَوْبَةٍ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) لَا بَعْدَهَا (عُقُوبَةٌ تَخُصُّهُ) مِنْ قَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ وَتَحَتَّمَ قَتْلٌ وَصَلْبٌ لِآيَةِ إلَّا {الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المائدة: ٣٤] فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ وَلَا عَنْ غَيْرِهِ بِهَا قَوَدٌ وَلَا مَالٌ وَلَا بَاقِي الْحُدُودِ مِنْ حَدِّ زِنَا وَسَرِقَةٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ وَقَذْفٍ لِأَنَّ الْعُمُومَاتِ الْوَارِدَةَ فِيهَا لَمْ تَفْصِلْ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّوْبَةِ وَمَا بَعْدَهَا بِخِلَافِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَمَحَلُّ عَدَمِ سُقُوطِ بَاقِي الْحُدُودِ بِالتَّوْبَةِ فِي الظَّاهِرِ أَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَتَسْقُطُ.

(فَصْلٌ) فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ عَلَى وَاحِدٍ (مَنْ لَزِمَهُ قَتْلٌ وَقَطْعٌ) قَوَدًا (وَحَدُّ قَذْفٍ) لِثَلَاثَةٍ (وَطَالَبُوهُ) بِهَا (جُلِدَ) لِلْقَذْفِ وَإِنْ تَأَخَّرَ (ثُمَّ أُمْهِلَ) وُجُوبًا حَتَّى يَبْرَأَ وَإِنْ قَالَ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ عَجِّلُوا الْقَطْعَ وَأَنَا أُبَادِرُ بَعْدَهُ بِالْقَتْلِ لِئَلَّا يَهْلِكَ بِالْمُوَالَاةِ فَيَفُوتُ الْقَتْلُ قَوَدًا (ثُمَّ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ بِلَا) وُجُوبِ (مُهْلَةٍ) بَيْنَهُمَا لِأَنَّ النَّفْسَ مُسْتَوْفَاةٌ (فَإِنْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الْجَلْدِ) حَقَّهُ (صَبَرَ الْآخَرَانِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ) حَقَّهُ وَإِنْ تَقَدَّمَ اسْتِحْقَاقُهُمَا لِئَلَّا يُفَوِّتَا عَلَيْهِ حَقَّهُ (أَوْ) أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ (الْقَطْعِ) حَقَّهُ (صَبَرَ مُسْتَحِقُّ الْقَتْلِ) حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ لِذَلِكَ (فَإِنْ بَادَرَ وَقَتَلَ عُزِّرَ) لِتَعَدِّيهِ وَكَانَ مُسْتَوْفِيًا لِحَقِّهِ (وَلِمُسْتَحِقِّ الْقَطْعِ) حِينَئِذٍ (دِيَةٌ) لِفَوَاتِ اسْتِيفَائِهِ وَذِكْرُ التَّعْزِيرِ مِنْ زِيَادَتِي.

ــ

[حاشية الجمل]

لَمْ يَتَحَتَّمْ جَرْحُهُ قَالَ فِي شَرْحِهِ فَإِنْ سَرَى فَهُوَ قَاتِلٌ وَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهُ وَنَبَّهَ بِلَمْ يَتَحَتَّمْ جَرْحُهُ عَلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا فِيهِ قَوَدٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ كَقَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ أَمَّا غَيْرُهُ كَالْجَائِفَةِ فَوَاجِبُهُ الْمَالُ وَلَا قَوَدَ كَمَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْقَاطِعِ اهـ سم (قَوْلُهُ: كَأَنْ قَطَعَ يَدَهُ فَانْدَمَلَ) فَإِنْ سَرَى إلَى النَّفْسِ تَحَتَّمَ الْقَتْلُ اهـ س ل (قَوْلُهُ: فَانْدَمَلَ) أَيْ وَعَفَا عَنْهُ الْمُسْتَحِقُّ اهـ ع ش.

(قَوْلُهُ: قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ) الْمُرَادُ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونُوا فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهَا أَنْ يَأْخُذَ الْإِمَامُ فِي أَسْبَابِهَا كَإِرْسَالِ الْجُيُوشِ لِإِمْسَاكِهِمْ وَقَوْلُهُ: لَا بَعْدَهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّهُ قَبْلَهَا غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِيهَا بِخِلَافِهِ بَعْدَهَا لِاتِّهَامِهِ بِدَفْعِ الْحَدِّ وَلَوْ ادَّعَى بَعْدَ الظَّفْرِ بِهِ سَبْقَ تَوْبَتِهِ وَظَهَرَتْ إمَارَةُ صِدْقِهِ فَوَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُ تَصْدِيقِهِ لِاتِّهَامِهِ مَا لَمْ تَقُمْ بِهَا بَيِّنَةٌ اهـ شَرْحُ م ر.

وَفِي الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ الْمُرَادُ بِمَا قَبْلَ الْقُدْرَةِ أَنْ لَا تَمْتَدَّ إلَيْهِمْ يَدُ الْإِمَامِ بِهَرَبٍ أَوْ اسْتِخْفَاءٍ أَوْ امْتِنَاعٍ اهـ (قَوْلُهُ: عُقُوبَةٌ تَخُصُّهُ) كَانَ حِكْمَةُ سُقُوطِهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْحُدُودِ أَنَّهَا هُنَا تَغْلِيظٌ وَزِيَادَةٌ عَلَى أَصْلِ مَا وَجَبَ مِنْ الْقَوَدِ أَوْ قَطْعِ الْيَدِ فَأَثَّرَ فِي ذَلِكَ التَّوْبَةُ قَبْلَ الظَّفْرِ اهـ عَمِيرَةُ اهـ سم (قَوْلُهُ: مِنْ قَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ) فِيهِ أَنَّ قَطْعَ الْيَدِ لَا يَخُصُّهُ لِأَنَّ السَّرِقَةَ تُشَارِكُهُ فِيهِ وَرُدَّ بِأَنَّ الَّذِي يَخُصُّهُ مَجْمُوعُ الْيَدِ، وَالرِّجْلِ فَسَقَطَ قَطْعُ الْيَدِ تَبَعًا لِسُقُوطِ قَطْعِ الرِّجْلِ فَقَوْلُهُ: مِنْ يَدٍ وَرِجْلٍ أَيْ قَطَعَ مَجْمُوعَ ذَلِكَ اهـ ح ل.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر مِنْ تَحَتُّمٍ وَصَلْبٍ وَقَطْعِ رِجْلٍ وَكَذَا يَدٌ كَمَا شَمِلَ ذَلِكَ كَلَامُهُ لِأَنَّ الْمُخْتَصَّ بِالْقَاطِعِ اجْتِمَاعُ قَطْعِهِمَا فَهُمَا عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا سَقَطَ بَعْضُهَا سَقَطَ كُلُّهَا انْتَهَتْ.

وَعِبَارَةُ سم قَوْلُهُ: مِنْ قَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ وَقَطْعُ الْيَدِ وَإِنْ كَانَ لِلسَّرِقَةِ إلَّا أَنَّ هَذِهِ السَّرِقَةَ الْمَخْصُوصَةَ امْتَازَتْ بِهَذَا السُّقُوطِ وَقَدْ يَعْتَرِضُ قَوْلُهُ: مِنْ قَطْعِ يَدٍ بِأَنَّهُ يُنَافِي تَقْيِيدَ الْعُقُوبَةِ بِكَوْنِهَا تَخُصُّهُ فَإِنَّ قَطْعَ الْيَدِ لَا يَخُصُّهُ وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِنَا بِهَامِشِ الْمِنْهَاجِ مَا نَصُّهُ اعْتَرَضَ الْمِنْهَاجُ بِأَنَّ قَضِيَّتَهُ عَدَمُ سُقُوطِ قَطْعِ الْيَدِ لِأَنَّهُ لَا يَخُصُّ الْقَاطِعَ وَاعْتَذَرَ الْعِرَاقِيُّ بِأَنَّ قَطْعَهَا لَيْسَ عُقُوبَةً كَامِلَةً بَلْ بَعْضُهَا فَإِنَّ الْمَجْمُوعَ هُنَا عُقُوبَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا سَقَطَ بَعْضُهَا كَالرِّجْلِ سَقَطَ كُلُّهَا قَالَ وَلَعَلَّ عِبَارَةَ الْمِنْهَاجِ هِيَ الَّتِي غَرَّتْ ابْنَ الرِّفْعَةِ حَتَّى نَقَلَ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ النَّوَوِيِّ اعْتِبَارَ سُقُوطِ الْيَدِ اهـ انْتَهَتْ وَقَوْلُ الشَّارِحِ مِنْ قَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ مَفْرُوضٌ فِيمَا إذَا أَخَذَ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ بَلْ يُكْتَفَى بِالْقَتْلِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: وَلَا بَاقِي الْحُدُودِ. . . إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ الرَّوْضِ وَلَا يَسْقُطُ بِهَا سَائِرُ الْحُدُودِ أَيْ بَاقِيهَا كَالزِّنَا، وَالسَّرِقَةِ، وَالشُّرْبِ فِي حَقِّ الْقَاطِعِ وَغَيْرِهِ لِعُمُومِ أَدِلَّتِهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَقِيَاسًا عَلَى الْكَفَّارَةِ إلَّا قَتْلَ تَارِكِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَوْ بَعْدَ رَفْعِهِ لِلْحَاكِمِ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْإِصْرَارُ عَلَى التَّرْكِ لَا التَّرْكُ الْمَاضِي انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: بِخِلَافِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ) أَيْ فَوَقَعَ فِي آيَتِهِ التَّفْصِيلُ فِيمَا قَبْلَ الْقُدْرَةِ وَمَا بَعْدَهَا (قَوْلُهُ: أَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ) فَتَسْقُطُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى أَسْبَابِهَا لِأَنَّ مَنْ حُدَّ فِي الدُّنْيَا لَمْ يُعَاقَبْ عَلَى ذَلِكَ الذَّنْبِ فِي الْآخِرَةِ بَلْ عَلَى الْإِصْرَارِ عَلَيْهِ أَوْ الْإِقْدَامِ عَلَى مُوجِبِهِ إنْ لَمْ يَتُبْ اهـ شَرْحُ م ر وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُحَدَّ فِي الدُّنْيَا يُعَاقَبُ فِي الْآخِرَةِ فَيُقَيَّدُ هَذَا الْمَفْهُومُ بِمَا إذَا لَمْ يَتُبْ وَإِلَّا فَلَا يُعَاقَبُ.

[فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ عَلَى وَاحِدٍ]

(فَصْلٌ فِي اجْتِمَاعِ عُقُوبَاتٍ)

أَيْ لِآدَمِيٍّ أَوْ لِلَّهِ أَوْ لَهُمَا وَقَوْلُهُ: جُلِدَ ثُمَّ أُمْهِلَ. . . إلَخْ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ قَوْلِهِ قُدِّمَ الْأَخَفُّ كَمَا قَالَهُ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّمَا فَصَلَ هَذَا أَيْ الْمُتَعَلِّقَ بِحَقِّ الْآدَمِيِّ عَلَى الْمُتَعَلِّقِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لِأَجْلِ التَّفْصِيلِ بَيْنَ طَلَبِهِمْ وَعَدَمِ طَلَبِهِمْ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: ثُمَّ أُمْهِلَ وُجُوبًا حَتَّى يَبْرَأَ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ بِهِ مَرَضٌ يَخَافُ مِنْهُ الزَّهُوقَ إنْ لَمْ يُبَادِرْ بِذَلِكَ وَإِلَّا بَادَرَ بِهِ وَهَذَا مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ حَتَّى يَبْرَأَ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَهْلِكَ) يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا لَوْ خِيفَ الْهَلَاكُ بِالْمُوَالَاةِ قَالَ م ر فَلَوْ لَمْ يَخَفْ مَوْتَهُ بِالْمُوَالَاةِ فَيُعَجِّلُ جَزْمًا اهـ ع ش (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الْجَلْدِ. . . إلَخْ) هُوَ مُحْتَرِزُ قَوْلِهِ وَطَالَبُوهُ.

وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَخَرَجَ بِ طَالَبُوهُ مَا لَوْ طَلَبَهُ بَعْضُهُمْ فَلَهُ أَحْوَالٌ فَحِينَئِذٍ إذَا أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ حَقَّهُ وَطَالَبَ الْآخَرَانِ جُلِدَ فَإِذَا بَرِئَ قُطِعَ وَلَا يُوَالِي بَيْنَهُمَا خَوْفًا مِنْ فَوَاتِ حَقِّ مُسْتَحِقِّ النَّفْسِ وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ طَرَفٍ جُلِدَ وَعَلَى مُسْتَحِقِّ النَّفْسِ الصَّبْرُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الطَّرَفَ لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّهُ انْتَهَتْ

(قَوْلُهُ: أَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الْقَطْعِ. . . إلَخْ) وَفِيهِ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ لَا إلَى غَايَةٍ وَقِيلَ يَرْفَعُهُ إلَى الْحَاكِمِ وَيَطْلُبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>