للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَفَارَقَ مَا لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَمَضَتْ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ حَيْثُ يَلْحَقُهُ بِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ فِرَاشِ التَّسَرِّي بِدَلِيلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ فِيهِ بِمُجَرَّدِ الْإِمْكَانِ بِخِلَافِهِ فِي التَّسَرِّي؛ إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ أَوْ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَارَضَ الْوَطْءُ هُنَا الِاسْتِبْرَاءَ فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ اللُّحُوقُ كَمَا تَقَرَّرَ وَإِنَّمَا حَلَفَ لِأَجْلِ حَقِّ الْوَلَدِ أَمَّا إذَا وَضَعَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَيَلْحَقُهُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهَا كَانَتْ حَامِلًا حِينَئِذٍ (فَإِنْ أَنْكَرَتْهُ) أَيْ الِاسْتِبْرَاءَ (حَلَفَ) وَيَكْفِي فِيهِ (أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ) فَلَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلِاسْتِبْرَاءِ كَمَا فِي وَلَدِ الْحُرَّةِ (وَلَوْ ادَّعَتْ إيلَادًا فَأَنْكَرَ الْوَطْءَ لَمْ يُحَلَّفْ) وَإِنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ؛ لِأَنَّ الْحَاصِلَ عَدَمُ الْوَطْءِ.

(كِتَابُ الرَّضَاعِ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَةً اسْمٌ لِمَصِّ الثَّدْيِ وَشُرْبِ لَبَنِهِ، وَشَرْعًا اسْمُ حُصُولِ لَبَنِ امْرَأَةٍ أَوْ مَا حَصَلَ مِنْهُ فِي مَعِدَةِ طِفْلٍ أَوْ دِمَاغِهِ

وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ قَوْله تَعَالَى {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: ٢٣] وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَتَقَدَّمَتْ الْحُرْمَةُ بِهِ فِي بَابِ

ــ

[حاشية الجمل]

عَلَى يَمِينهَا فَإِنْ نَكَلَتْ فَيَمِينُ الْوَلَدِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَثَانِيهِمَا، وَهُوَ الْأَصَحُّ لُحُوقُ الْوَلَدِ بِنُكُولِهِ، وَقَضِيَّةُ عِبَارَتِهَا أَنَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى دَعْوَى الِاسْتِبْرَاءِ كَافٍ فِي نَفْيِهِ عَنْهُ إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ اهـ شَرْحُ م ر وحج (قَوْلُهُ: وَفَارَقَ مَا لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَفِي قَوْلِهِ: يَلْحَقُهُ تَخْرِيجًا مِنْ نَصِّهِ فِيمَا لَوْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ، وَمَضَتْ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ ثُمَّ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَلْحَقُهُ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُ بِأَنَّ فِرَاشَ النِّكَاحِ أَقْوَى مِنْ فِرَاشِ التَّسَرِّي؛ إذْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ أَوْ بَيِّنَةٍ عَلَيْهِ، وَقَدْ عَارَضَ الْوَطْءُ هُنَا الِاسْتِبْرَاءَ كَمَا تَقَرَّرَ فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ لُحُوقٌ.

(قَوْلُهُ: حَيْثُ يَلْحَقُهُ) وَلَا يَجُوزُ نَفْيُهُ حَيْثُ لَمْ يُعْلَمْ زِنَاهَا بِخِلَافِهِ هُنَا اهـ س ل (قَوْلُهُ: كَمَا فِي وَلَدِ الْحُرَّةِ) أَيْ إذَا أَنْكَرَهُ لَا يَجِبُ فِي نَفْيِهِ التَّعَرُّضُ لِلِاسْتِبْرَاءِ كَمَا قَالَهُ ح ل وَعِبَارَتُهُ قَوْلُهُ: كَمَا فِي الْحُرَّةِ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ مِنْ الْحُرَّةِ لَيْسَ مِنِّي، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَهُ ذِكْرُ التَّعَرُّضِ لِلِاسْتِبْرَاءِ أَيْضًا (قَوْلُهُ: فَإِنْ أَنْكَرَتْهُ إلَخْ) هَذِهِ دَاخِلَةٌ فِيمَا مَرَّ وَأَعَادَهَا تَوْطِئَةً لِمَا بَعْدَهَا، وَقَوْلُهُ: وَيَكْفِي فِيهِ أَنَّ الْوَلَدَ إلَخْ يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ فِي اللِّعَانِ مِنْ أَنَّ قَوْلَهُ: لَيْسَ مِنِّي لَا يَكْفِي فَكَيْفَ يَقِيسُهُ عَلَى الْحُرِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ: التَّشْبِيهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ فِيهِمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّعَرُّضُ لِلِاسْتِبْرَاءِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: فَلَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ) لِلِاسْتِبْرَاءِ، وَإِذَا حَلَفَ عَلَى الِاسْتِبْرَاءِ فَهَلْ يَقُولُ: اسْتَبْرَأْتُهَا قَبْلَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وِلَادَتِهَا هَذَا الْوَلَدَ، أَوْ يَقُولُ: وَلَدْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَ اسْتِبْرَائِي فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوْجَهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَافٍ فِي حَلِفِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوَطْءِ) أَيْ مَعَ كَوْنِ النَّسَبِ لَيْسَ حَقًّا لَهَا وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حَلِفِهِ إنْ ادَّعَتْ أُمِّيَّةَ الْوَلَدِ مَا صَرَّحَ بِهِ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّ لَهَا فِيهِ حَقًّا، وَإِنَّمَا حَلَفَ فِي الْأُولَى أَيْ قَوْلُهُ: فَإِنْ أَنْكَرَتْهُ حَلَفَ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ مِنْهُ إقْرَارٌ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ النَّسَبُ، وَهُوَ الْوَطْءُ اهـ مِنْ الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ.

[كِتَابُ الرَّضَاعِ]

(قَوْلُهُ: هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا) ، وَقَدْ تُبَدَّلُ الضَّادُ فِيهِمَا تَاءً اهـ شَرْحُ م ر وَع ش عَلَيْهِ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَالرَّضَاعَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا، وَقَدْ رَضِعَ الصَّبِيُّ أُمَّهُ بِكَسْرِ الضَّادِ يَرْضَعُهَا بِفَتْحِهَا رَضَاعًا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَتَقُولُ أَهْلُ نَجْدٍ: رَضَعَ يَرْضِعُ بِفَتْحِ الضَّادِ فِي الْمَاضِي وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ رَضْعًا كَضَرَبَ يَضْرِبُ ضَرْبًا وَأَرْضَعَتْهُ امْرَأَةٌ وَامْرَأَةٌ مُرْضِعٌ أَيْ لَهَا وَلَدٌ تُرْضِعُهُ فَإِنْ وَصَفْتَهَا بِإِرْضَاعِهِ قُلْت مُرْضِعَةٌ اهـ وَفِي الْمُخْتَارِ بَعْدَ مِثْلِ مَا ذُكِرَ وَارْتَضَعَتْ الْعَنْزُ أَيْ شَرِبَتْ لَبَنَ نَفْسِهَا اهـ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يُقَالُ ارْتَضَعَ الصَّبِيُّ إذَا شَرِبَ لَبَنَ أُمِّهِ أَوْ غَيْرِهَا وَإِنَّمَا يُقَالُ رَضِعَ بِكَسْرِ الضَّادِ أَوْ فَتْحِهَا عَلَى مَا مَرَّ اهـ ع ش عَلَى م ر.

وَفِي الْمِصْبَاحِ رَضِعَ الصَّبِيُّ رَضَعًا مِنْ بَابِ تَعِبَ فِي لُغَةِ نَجْدٍ وَرَضَعَ رَضْعًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ لُغَةٌ لِأَهْلِ تِهَامَةَ، وَأَهْلُ مَكَّةَ يَتَكَلَّمُونَ بِهَا، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ أَصْلُ الْمَصْدَرِ مِنْ هَذِهِ اللُّغَةِ كَسْرُ الضَّادِ، وَإِنَّمَا السُّكُونُ تَخْفِيفٌ مِثْلُ الْحَلِفِ وَالْحِلْفِ وَرَضَعَ يَرْضَعُ بِفَتْحَتَيْنِ لُغَةٌ ثَالِثَةٌ رَضَاعًا وَرَضَاعَةً بِفَتْحِ الرَّاءِ وَأَرْضَعَتْهُ أُمُّهُ اللَّبَنَ فَارْتَضَعَ فَهِيَ مُرْضِعٌ وَمُرْضِعَةٌ أَيْضًا وَقَالَ الْفَرَّاءُ وَجَمَاعَةٌ إنْ قَصَدَ حَقِيقَةَ الْوَصْفِ بِالْإِرْضَاعِ فَمُرْضِعٌ بِغَيْرِ هَاءٍ، وَإِنْ قَصَدَ مَجَازَ الْوَصْفِ بِمَعْنَى أَنَّهَا مَحَلٌّ لِلْإِرْضَاعِ فِيمَا كَانَ أَوْ سَيَكُونُ فَبِالْهَاءِ وَعَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: ٢] وَنِسَاءُ مَرَاضِعُ وَمَرَاضِيعُ (قَوْلُهُ: وَشَرِبَ لَبَنَهُ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا قَبْلَهُ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ وَكَذَا بَيْنَ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ وَهَذِهِ النِّسَبُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَشَرِبَ لَبَنَهُ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ وَأَنَّ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ يَتَحَقَّقُ فِي شُرْبِ اللَّبَنِ مِنْ غَيْرِ مَصٍّ كَشُرْبٍ مِنْ إنَاءٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُرَادٍ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ فِي الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ شُرْبُ اللَّبَنِ الْمُتَسَبِّبِ أَوْ اللَّازِمِ لِمَصِّ الثَّدْيِ تَأَمَّلْ.

(قَوْلُهُ: لَبَنَ امْرَأَةٍ) الْمُنَاسِبُ لِكَلَامِهِ الْآتِي أَنْ يَقُولَ: لَبَنَ آدَمِيَّةٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ: ذَلِكَ شَرْطٌ فِي الْمُرْضِعَةِ، وَالشُّرُوطُ لَا تُذْكَرُ فِي التَّعَارِيفِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِهِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ مُحَرَّمًا فَهُوَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِفَاعِلِهِ (قَوْلُهُ: وَخَبَرُ الصَّحِيحَيْنِ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ» إلَخْ) أَتَى بِالْخَبَرِ لِقُصُورِ الْآيَةِ عَلَى بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهُوَ الْأُمَّهَاتُ وَالْأَخَوَاتُ مِنْ الرَّضَاعَةِ (قَوْلُهُ: يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ إلَخْ) قَالَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا طُلِبَ مِنْهُ تَزَوُّجُ ابْنَةِ عَمِّهِ حَمْزَةَ وَهِيَ أُمَامَةُ فَقَالَ: لَا تَحِلُّ لِي إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ أَيْ حَرُمَتْ عَلَيَّ، وَإِنْ كَانَ أَبُوهَا عَمِّي مِنْ النَّسَبِ فَقَدْ ارْتَضَعْتُ مَعَهُ مِنْ ثَدْيٍ وَكَتَبَ أَيْضًا، وَمِنْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَعْلِيلِيَّةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>