فِي الْمَسَافَةِ بِمَا بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ لَا بِمَا بَيْنَ الْقَاضِي الْمَنْهِيِّ وَالْغَرِيمِ (، وَهِيَ) أَيْ مَسَافَةُ الْعَدْوَى (مَا يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ إلَى مَحَلِّهِ يَوْمَهُ) الْمُعْتَدِلِ، وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ إلَى مَحَلِّهِ لَيْلًا وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ يُعْدِي أَيْ يُعِينُ مَنْ طَلَبَ خَصْمًا مِنْهَا عَلَى إحْضَارِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ تَعْلِيلِهِمْ السَّابِقِ أَنَّهُ لَوْ عَسِرَ إحْضَارُ الْحُجَّةِ مَعَ الْقُرْبِ بِنَحْوِ مَرَضٍ قُبِلَ الْإِنْهَاءُ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَطْلَبِ.
(فَصْلٌ)
فِي الدَّعْوَى بِعَيْنٍ غَائِبَةٍ لَوْ (ادَّعَى عَيْنًا غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهَا) بِغَيْرِهَا (كَحَيَوَانٍ وَعَقَارٍ عُرْفًا) بِأَنْ عُرِفَ الْأَوَّلُ بِشُهْرَةٍ وَالثَّانِي بِهَا أَوْ بِحُدُودِهِ وَسِكَّتِهِ (سَمِعَ) الْقَاضِي حُجَّتَهُ (وَحَكَمَ بِهَا وَكَتَبَ) بِذَلِكَ (إلَى قَاضِي بَلَدِ الْعَيْنِ لِيُسَلِّمَهَا لِلْمُدَّعِي) كَمَا فِي نَظِيرِهِ مِنْ الدَّعْوَى عَلَى غَائِبٍ (وَيَعْتَمِدُ) الْمُدَّعِي (فِي) دَعْوَى (عَقَارٍ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (لَمْ يَشْتَهِرْ حُدُودُهُ) لِيَتَمَيَّزَ وَلَا يَجِبُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ لِحُصُولِ التَّمْيِيزِ بِدُونِهِ (أَوْ لَا يُؤْمَنُ) اشْتِبَاهُهَا كَغَيْرِ الْمَعْرُوفِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا.
ــ
[حاشية الجمل]
قَوْلُهُ بِمَا بَيْنَ الْقَاضِيَيْنِ) قَضِيَّةُ هَذَا الْفَرْقِ أَنَّهُ لَوْ أَنْهَى سَمَاعَ الْبَيِّنَةِ مَعَ الْبُعْدِ ثُمَّ إنَّ الْبَيِّنَةَ حَضَرَتْ لِبَلَدِ الْقَاضِي الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ لَا يَسُوغُ لَهُ فِعْلُ شَيْءٍ حَتَّى يَسْمَعَ الشَّهَادَةَ مِنْهُمْ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْإِنْهَاءَ نَقْلُ شَهَادَةٍ فَظَهَرَ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْمَنْعِ سُهُولَةُ إعَادَةِ الشُّهُودِ فَلَوْ مَاتُوا أَوْ تَعَذَّرَ إحْضَارُهُمْ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَرَضٍ لَمْ تُعْتَبَرْ الْمَسَافَةُ هَذَا هُوَ الضَّابِطُ لَا الْقُرْبُ وَالْبُعْدُ اهـ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ مَا يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ) أَيْ هِيَ الَّتِي لَوْ خَرَجَ مِنْهَا بُكْرَةً لِبَلَدِ الْحُكْمِ لَرَجَعَ إلَيْهَا يَوْمَهُ بَعْدَ فَرَاغِ زَمَنِ الْمُخَاصَمَةِ الْمُعْتَدِلَةِ مِنْ دَعْوَى وَجَوَابٍ وَإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ حَاضِرَةٍ وَتَعْدِيلِهَا وَالْعِبْرَةُ يَسِيرُ الْأَثْقَالِ؛ لِأَنَّهُ مُنْضَبِطٌ اهـ سُلْطَانٌ (قَوْلُهُ مُبَكِّرٌ) أَيْ خَارِجٌ عَقِبَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَخْذًا مِمَّا مَرَّ فِي الْجُمُعَةِ أَنَّ التَّبْكِيرَ فِيهَا يَدْخُلُ وَقْتُهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيُحْتَمَلُ الْفَرْقُ، وَأَنَّ الْمُرَادَ الْمُبَكِّرُ عُرْفًا هُوَ مَنْ يَخْرُجُ قُبَيْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ اهـ ابْنُ حَجَرٍ اهـ سُلْطَانٌ
(قَوْلُهُ: وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْلِ بِقَوْلِهِ إلَى مَحَلِّهِ لَيْلًا) عِبَارَتُهُ الْغَائِبُ الَّذِي تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ مَنْ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ إلَى مَوْضِعِهِ لَيْلًا انْتَهَتْ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ، وَهِيَ أَيْ الْبَعِيدَةُ الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ مُبَكِّرٌ إلَى مَوْضِعِهِ لَيْلًا أَيْ أَوَائِلَهُ، وَهُوَ مَا يَنْتَهِي فِيهِ سَفَرُ النَّاسِ غَالِبًا أَيْ، وَإِنْ كَانَ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَحَلِّ لَا يَرْجِعُونَ إلَّا فِي نَحْوِ ثُلُثِ اللَّيْلِ قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْحُضُورِ مِنْهَا مَشَقَّةً بِمُفَارَقَةِ الْأَهْلِ وَالْوَطَنِ لَيْلًا، وَإِنَّمَا عَلَّقْنَا مِنْهَا بِمُبَكِّرٍ لِتَوَقُّفِ صِحَّةِ الْمُرَادِ عَلَيْهِ مَعَ جَعْلِ إلَى مَوْضِعَهُ مِنْ إظْهَارِ الْمُضْمَرِ أَيْ لَا يَرْجِعُ مُبَكِّرٌ مِنْهَا لِبَلَدِ الْحَاكِمِ إلَيْهَا أَوَّلَ اللَّيْلِ بَلْ بَعْدَهُ فَانْدَفَعَ قَوْلُ الْبُلْقِينِيِّ تَعْبِيرُهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ؛ لِأَنَّ مِنْهَا يَعُودُ لِلْبَعِيدَةِ، وَهِيَ لَيْسَتْ الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا بَلْ الَّتِي لَا يَصِلُ إلَيْهَا مَنْ يَخْرُجُ بُكْرَةً مِنْ مَوْضِعِهِ إلَى بَلَدِ الْحَاكِمِ فَلَوْ قَالَ الَّتِي لَوْ خَرَجَ مِنْهَا بُكْرَةً لِبَلَدِ الْحَاكِمِ لَا يَرْجِعُ إلَيْهَا لَيْلًا لَوْ عَادَ فِي يَوْمِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُخَاصَمَةِ لَوَفَّى بِالْمَقْصُودِ اهـ انْتَهَى (قَوْلُهُ أَيْ يُعِينُ مَنْ طَلَبَ إلَخْ) لَعَلَّ هَذَا تَفْسِيرٌ بِاللَّازِمِ وَإِلَّا فَمَعْنَى أَعْدَى أَزَالَ الْعُدْوَانَ كَمَا أَنَّ اشْتَكَى مَعْنَاهُ أَزَالَ الشَّكْوَى فَالْهَمْزَةُ فِيهِ لِلسَّلْبِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
وَفِي الْمِصْبَاحِ وَاسْتَعْدَيْت الْأَمِيرَ عَلَى الظَّالِمِ طَلَبْت مِنْهُ النُّصْرَةَ فَأَعْدَانِي عَلَيْهِ أَعَانَنِي وَنَصَرَنِي فَاسْتَعْدَى طَلَبَ التَّقْوِيَةَ وَالنُّصْرَةَ وَالِاسْمُ الْعَدْوَى بِالْفَتْحِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ الْعَدْوَى طَلَبُك إلَى وَالٍ لِيُعْدِيَك عَلَى مَنْ ظَلَمَك أَيْ يَنْتَقِمَ مِنْهُ بِاعْتِدَائِهِ عَلَيْك وَالْفُقَهَاءُ يَقُولُونَ إلَى مَسَافَةُ الْعَدْوَى وَكَأَنَّهُمْ اسْتَعَارُوهَا مِنْ هَذِهِ الْعَدْوَى؛ لِأَنَّ صَاحِبَهَا يَصِلُ فِيهَا الذَّهَابِ وَالْعَوْدِ بِعَدْوٍ وَاحِدٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْقُوَّةِ وَالْجَلَادَةِ اهـ.
[فَصْلٌ فِي الدَّعْوَى بِعَيْنٍ غَائِبَةٍ]
أَيْ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ نَاسَبَ ذِكْرُ هَذَا الْفَصْلِ فِي بَابِ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ اهـ مِنْ شَرْحِ م ر وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ وَمَا يُذْكَرُ مَعَهُ لِأَجْلِ قَوْلِهِ الْآتِي، وَلَوْ غَصَبَهُ غَيْرُهُ عَيْنًا إلَى آخِرِ الْفَصْلِ (قَوْله بِعَيْنٍ غَائِبَةٍ) أَيْ عَنْ الْبَلَدِ أَوْ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَإِنْ سَهُلَ إحْضَارُهَا لَكِنْ لَا يَشْهَدُ عَلَيْهَا إلَّا إنْ أُحْضِرَتْ فِي الْمَجْلِسِ إنْ سَهُلَ إحْضَارُهَا اهـ ح ل (قَوْلُهُ ادَّعَى عَيْنًا غَائِبَةً عَنْ الْبَلَدِ) أَيْ وَكَانَتْ فَوْقَ مَسَافَةِ عَدْوَى بِدَلِيلِ مَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْغَائِبَةَ عَنْ الْبَلَدِ بِمَسَافَةِ الْعَدْوَى كَاَلَّتِي فِي الْبَلَدِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَيْنُ فِي عَمَلِهِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا فِي عَمَلِهِ أَوْ غَيْرِهِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ عُرْفًا) أَيْ إمَّا قَبْلَ الدَّعْوَى أَوْ بِتَحْدِيدِ الْمُدَّعِي فِي الدَّعْوَى لَكِنَّ التَّحْدِيدَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْعَقَارِ، وَهُوَ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ وَالشَّجَرُ فَحِينَئِذٍ يَلْتَزِمُ أَنَّ الْعَقَارَ دَائِمًا مِنْ الْمَعْرُوفِ فَتَكُونُ صُوَرُ مَا يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهُ ثَلَاثَةً مِثْلِيٌّ وَمُتَقَوِّمٌ مُتَقَوِّلٌ وَغَيْرُهُ وَصُوَرُ مَا لَا يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهُ ثِنْتَانِ مِثْلِيٌّ وَمُتَقَوِّمٌ مُتَقَوِّلٌ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ وَالثَّانِي بِهَا أَوْ بِحُدُودِهِ وَسِكَّتِهِ) وَكَوْنُهُ أَوَّلَ السِّكَّةِ أَوْ آخِرَهَا أَوْ وَسَطَهَا وَكَلَامُهُ يُفِيدُ أَنَّ الْعَقَارَ إذَا كَانَ مَشْهُورًا لَا يَحْتَاجُ إلَى تَحْدِيدِهِ، وَهُوَ وَاضِحٌ حَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ بِغَيْرِهِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ وَسِكَّتِهِ) فِي الْمِصْبَاحِ السِّكَّةُ الزُّقَاقُ وَجَمْعُهُ أَزِقَّةٌ مِثْلُ غُرَابٍ وَأَغْرِبَةٍ (قَوْلُهُ حُدُودِهِ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْهَا وَقَوْلُ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا كَكَثِيرِينَ لَكِنْ تَكْفِي ثَلَاثَةٌ مَحَلُّهُ إنْ تَمَيَّزَ بِهَا بَلْ قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ إنْ تَمَيَّزَ بِحَدٍّ يَكْفِي وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ بَلَدِهِ وَمَحَلِّهِ فِيهَا كَمَا تَقَرَّرَ اهـ عَنَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَغَيْرِهَا) أَيْ مِنْ سَائِر الْمَنْقُولَاتِ، وَأَمَّا الْعَقَارُ فَلَا يَكُونُ إلَّا مَأْمُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute