للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَعْدَ غَسْلِهِ وَتَكْفِينِهِ، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ (ثَلَاثَةٌ) مِنْ الْأَيَّامِ (حَتْمًا) زِيَادَةً فِي التَّنْكِيلِ لِزِيَادَةِ الْجَرِيمَةِ فَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ فَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُصْلَبُ إذْ بِالْمَوْتِ سَقَطَ الْقَتْلُ فَسَقَطَ تَابِعُهُ.

وَبِمَا تَقَرَّرَ فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْآيَةَ فَقَالَ الْمَعْنَى أَنْ يُقْتَلُوا إنْ قَتَلُوا أَوْ يُصْلَبُوا مَعَ ذَلِكَ إنْ قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ أَوْ تُقْطَعُ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ إنْ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ الْمَالِ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ إنْ أَرْعَبُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا، فَحَمْلُ كَلِمَةِ " أَوْ " عَلَى التَّنْوِيعِ لَا التَّخْيِيرِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى} [البقرة: ١٣٥] أَيْ قَالَتْ الْيَهُودُ كُونُوا هُودًا، وَقَالَتْ النَّصَارَى كُونُوا نَصَارَى وَتَقْيِيدِي بِالنِّصَابِ مَعَ قَوْلِي حَتْمًا مِنْ زِيَادَتِي (ثُمَّ) بَعْدَ الثَّلَاثَةِ (يَنْزِلُ) مِنْ مَحَلِّ الصَّلْبِ (فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ قَبْلَهَا أُنْزِلَ) حِينَئِذٍ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِمَحَلِّ مُحَارَبَتِهِ إذَا شَاهَدَهُ مَنْ يَنْزَجِرُ بِهِ فَإِنْ كَانَ بِمَفَازَةٍ فَفِي أَقْرَبِ مَحَلٍّ إلَيْهَا بِهَذَا الشَّرْطِ (وَالْمُغَلَّبُ فِي قَتْلِهِ مَعْنَى الْقَوَدِ) لَا الْحَدِّ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيمَا اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ آدَمِيٍّ تَغْلِيبُ حَقِّ الْآدَمِيِّ لِبِنَائِهِ عَلَى الضِّيقِ وَلِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ بِلَا مُحَارَبَةٍ ثَبَتَ لَهُ الْقَوَدُ فَكَيْفَ يَحْبَطُ حَقُّهُ بِقَتْلِهِ فِيهَا.

(فَلَا يُقْتَلُ بِغَيْرِ كُفْءٍ) كَوَلَدِهِ (وَلَوْ مَاتَ) بِغَيْرِ قَتْلٍ (فَدِيَتُهُ) تَجِبُ فِي تَرِكَتِهِ فِي الْحُرِّ أَمَّا فِي الرَّقِيقِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا (وَيُقْتَلُ بِوَاحِدٍ مِمَّنْ قَتَلَهُمْ وَلِلْبَاقِينَ دِيَاتٌ) فَإِنْ قَتَلَهُمْ مُرَتَّبًا قُتِلَ بِالْأَوَّلِ (وَلَوْ عَفَا وَلِيُّهُ) أَيْ الْقَتِيلِ (بِمَالٍ وَجَبَ) الْمَالُ (وَقُتِلَ) الْقَاتِل (حَدًّا) لِتَحَتُّمِ قَتْلِهِ (وَتُرَاعَى الْمُمَاثَلَةُ) فِيمَا قُتِلَ بِهِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهَا فِي فَصْلِ الْقَوَدِ لِلْوَرَثَةِ (وَلَا يَتَحَتَّمُ غَيْرُ قَتْلٍ وَصَلْبٍ) .

ــ

[حاشية الجمل]

يَنْدَرِجُ الْقَطْعُ فِي الْقَتْلِ لِاتِّحَادِ جِهَةِ الِاسْتِحْقَاقِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْقَتْلِ، وَالْقَطْعِ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ الْمُفْتَى بِهِ.

وَحَكَى فِي الرَّوْضَةِ قَوْلًا مُخْرَجًا أَنَّهُ يُقْطَعُ ثُمَّ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ وَنُقِلَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ ابْنِ سَلَمَةَ وَكَأَنَّهُ خَرَّجَهُ مِمَّا لَوْ اجْتَمَعَ قَطْعٌ لِلسَّرِقَةِ وَقَتْلٌ لِلْمُحَارَبَةِ فَإِنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيهِ عَدَمُ الِانْدِرَاجِ.

وَعِبَارَةُ الرَّوْضَةِ " وَلَوْ سَرَقَ ثُمَّ قَتَلَ فِي الْمُحَارَبَةِ فَهَلْ يُقْطَعُ لِلسَّرِقَةِ وَيُقْتَلُ لِلْمُحَارَبَةِ أَمْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْقَتْلِ، وَالصَّلْبِ وَيَنْدَرِجُ حَدُّ السَّرِقَةِ فِي حَدِّ الْمُحَارَبَةِ؟ وَجْهَانِ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: ثُمَّ صُلِبَ) أَيْ مُعْتَرِضًا عَلَى نَحْوِ خَشَبَةٍ وَلَا يُقَدَّمُ الصَّلْبُ عَلَى الْقَتْلِ كَمَا قِيلَ بِهِ لِكَوْنِهِ زِيَادَةَ تَعْذِيبٍ اهـ شَرْحُ م ر أَيْ وَقَدْ نَهَى عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ اهـ س ل وَصُلِبَ بِالتَّخْفِيفِ مِنْ بَابِ ضُرِبَ وَقَدْ يُشَدَّدُ لِلْمُبَالَغَةِ اهـ مِصْبَاحٌ وَمُخْتَارٌ (قَوْلُهُ: بَعْدَ غَسْلِهِ) أَيْ إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَتَكْفِينِهِ وَلَوْ ذِمِّيًّا، وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا اهـ ح ل (قَوْلُهُ: ثَلَاثَةً) عَدَلَ عَنْ قَوْلِ أَصْلِهِ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَ حَذْفُ التَّاءِ عِنْدَ حَذْفِ الْمَعْدُودِ سَائِغًا إلَى ثَلَاثَةٍ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْفَصِيحَ حِينَئِذٍ إثْبَاتُهَا إذَا كَانَ الْمَعْدُودُ مُذَكَّرًا اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: فَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ) أَيْ أَوْ مَاتَ بِغَيْرِ هَذِهِ الْجِهَةِ كَقَوَدٍ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ اهـ شَرْحُ م ر.

وَفِي الْمِصْبَاحِ الْحَتْفُ: الْهَلَاكُ وَلِابْنِ فَارِسٍ وَتَبِعَهُ الْجَوْهَرِيُّ: وَلَا يُبْنَى مِنْهُ فِعْلٌ يُقَالُ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ إذَا مَاتَ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ وَلَا قَتْلٍ، وَزَادَ الصَّاغَانِيُّ وَلَا غَرَقٍ وَلَا حَرْقٍ، وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ: لَمْ أَسْمَعْ لِلْحَتْفِ فِعْلًا، وَحَكَاهُ ابْنُ الْقُوطِيَّةِ فَقَالَ حَتَفَهُ اللَّهُ يَحْتِفُهُ حَتْفًا مِنْ بَابِ ضَرَبَ إذَا أَمَاتَهُ، وَنَقْلُ الْعَدْلِ مَقْبُولٌ وَمَعْنَاهُ أَنْ يَمُوتَ عَلَى فِرَاشِهِ فَيَتَنَفَّسَ حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَقُهُ وَبِهَذَا اُخْتُصَّ الْأَنْفُ وَمِنْهُ يُقَالُ لِلسَّمَكِ يَمُوتُ فِي الْمَاءِ وَيَطْفُو مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ تَكَلَّمَتْ بِهَا الْجَاهِلِيَّةُ. قَالَ السَّمَوْأَل

وَمَا مَاتَ مِنَّا سَيِّدٌ حَتْفَ أَنْفِهِ ... وَلَا ضَلَّ فِينَا حَيْثُ كَانَ قَتِيلُ

(قَوْلُهُ: فَحَمْلُ كَلِمَةِ أَوْ عَلَى التَّنْوِيعِ) وَهَذَا مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إمَّا تَوْقِيفٌ وَهُوَ الْأَقْرَبُ أَوْ لُغَةٌ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ مِثْلِهِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ ولِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ فِيهِ بِالْأَغْلَظِ فَكَانَ مُرَتَّبًا كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَلَوْ أُرِيدَ التَّخْيِيرُ لَبَدَأَ بِالْأَخَفِّ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: ثُمَّ يَنْزِلَ) بِالتَّخْفِيفِ لِأَنَّ التَّشْدِيدَ يَقْتَضِي التَّدْرِيجَ فِي تَنْزِيلِهِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ يَنْزِلُ دُفْعَةً وَاحِدَةً تَنْكِيلًا عَلَيْهِ اهـ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: فَإِنْ خِيفَ تَغْيِيرُهُ. . إلَخْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَكَانَ الْمُرَادُ بِالتَّغْيِيرِ هُنَا الِانْفِجَارَ وَنَحْوَهُ كَسُقُوطِ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ وَإِلَّا فَمَتَى حُبِسَتْ جِيفَةُ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا حَصَلَ النَّتِنُ، وَالتَّغْيِيرُ غَالِبًا اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: وَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ بِمَحَلِّ مُحَارَبَتِهِ. . . إلَخْ) الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مَنْدُوبٌ لَا وَاجِبٌ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: مَعْنَى الْقَوَدِ) وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِ الْوَلِيِّ لِلْقَتْلِ وَهَلْ لَا بُدَّ مِنْ طَلَبِ الْمَالِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْقَطْعِ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى أَخْذِ الْمَالِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: تَغْلِيبُ حَقِّ الْآدَمِيِّ) قَدْ يَشْكُلُ هَذَا بِمَا مَرَّ مِنْ تَقْدِيمِ الزَّكَاةِ عَلَى دَيْنِ الْآدَمِيِّ تَقْدِيمًا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى حَقِّ الْآدَمِيِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ فِي الزَّكَاةِ حَقَّ آدَمِيٍّ أَيْضًا فَإِنَّهَا تَجِبُ لِلْأَصْنَافِ فَلَعَلَّ تَقْدِيمَهَا لَيْسَ مُتَمَحِّضًا لِحَقِّ اللَّهِ بَلْ لِاجْتِمَاعِ الْحَقَّيْنِ فَقُدِّمَتْ عَلَى مَا فِيهِ حَقٌّ وَاحِدٌ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ لَوْ قُتِلَ) أَيْ مَنْ قَتَلَهُ قَاطِعُ الطَّرِيقِ وَقَوْلُهُ: ثَبَتَ لَهُ أَيْ لِوَارِثِهِ وَقَوْلُهُ: فَكَيْفَ يَحْبِطُ حَقُّهُ أَيْ الْحَقُّ الْمُتَعَلِّقُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لِوَارِثِهِ اهـ شَيْخُنَا.

(قَوْلُهُ: كَوَلَدِهِ) الْكَافُ لِلتَّمْثِيلِ إذْ الْوَلَدُ لَا يُكَافِئُ أَبَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْجِنَايَاتِ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: فِي الْحُرِّ) أَيْ الْمَقْتُولِ الْحُرِّ وَقَوْلُهُ: أَمَّا الرَّقِيقُ أَيْ أَمَّا الرَّقِيقُ الْمَقْتُولُ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ مَاتَ الْقَاتِلُ بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ اهـ ح ل.

وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ: مُطْلَقًا لَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْإِطْلَاقِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَوْتِ الْقَاتِلِ الْحُرِّ وَغَيْرِهِ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُقَيِّدَ الْقَاتِلَ بِالْحُرِّ فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا أَيْضًا وَلَمْ يَمُتْ بِهِ قُتِلَ بِالرَّقِيقِ الْمَقْتُولِ لِلْمُكَافَأَةِ تَأَمَّلْ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: وَلَوْ عَفَا وَلِيُّهُ. . . إلَخْ) فَلَوْ قَتَلَهُ أَحَدٌ بَعْدَ عَفْوِ الْوَلِيِّ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ تَمَحَّضَ قَتْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ أَتَى بِهِ بِخِلَافِهِ قَبْلَ الْعَفْوِ تَجِبُ الدِّيَةُ لِاسْتِحْقَاقِ الْمَقْتُولِ لِقَتْلِهِ وَهِيَ لِوَرَثَةِ الْقَاطِعِ وَلِلْمَقْتُولِ دِيَتُهُ فِي تَرِكَتِهِ اهـ م ر اهـ سم (قَوْلُهُ: وَلَا يَتَحَتَّمُ غَيْرُ قَتْلٍ. . . إلَخْ) عِبَارَةُ الرَّوْضِ وَإِذَا جُرِحَ وَلَمْ يَسْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>