للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية الجمل]

وَالْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ مَا يُوجِبُ تَبْيِيضَهُ لَكِنْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ عِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ وَوَعْظًا لِكُلِّ مَنْ وَافَاهُ مِنْ ذَوِي الْأَفْكَارِ وَإِرَادَةً لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْخَطَايَا إذَا كَانَتْ تُؤَثِّرُ فِي الْحَجَرِ هَذَا الْأَثَرَ فَمَا ظَنُّكُمْ بِتَأْثِيرِهَا فِي الْقَلْبِ فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا بَاعِثًا عَلَى مُبَايَنَةِ الزَّلَّاتِ وَمُجَانَبَةِ الذُّنُوبِ فَلَا يَغْفُلَنَّ مُسْتَلِمُهُ عَنْ الْفِكْرَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَلَا يُهْمِلَنَّ حَظَّهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهَذِهِ الْمَوْعِظَةِ الْعُظْمَى، السَّابِعُ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبَّلَ الْحَجَرَ وَوَضَعَ شَفَتَيْهِ عَلَيْهِ طَوِيلًا يَبْكِي ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا عُمَرُ خَلْفَهُ، فَقَالَ يَا عُمَرُ هُنَا تُسْكَبُ الْعَبَرَاتُ لَيَبْعَثَنَّ اللَّهُ هَذَا الْحَجَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ يُبْصِرُ بِهِمَا وَلِسَانٌ يَنْطِقُ بِهِ يَشْهَدُ لِمَنْ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ فَلْيَجْتَهِدْ مُسْتَلِمُهُ فِي الْإِخْلَاصِ وَلْيُخْلِصْ فِي الطَّاعَةِ وَيَجْتَهِدْ فِي أَنْ يَثْبُتَ لَهُ هَذَا الْوَصْفُ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ» اهـ. كَلَامُهُ.

وَفِي كِتَابِ الدِّيارْبَكْرِي وَفِي الْخَبَرِ «الرُّكْنُ وَالْمَقَامُ يَاقُوتُتَانِ مِنْ يَوَاقِيتِ الْجَنَّةِ أُنْزِلَا فَوُضِعَا عَلَى الصَّفَا فَأَضَاءَ نُورُهُمَا لِأَهْلِ الْأَرْضِ جَانِبَيْ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ كَمَا يُضِيءُ الْمِصْبَاحُ فِي اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُؤَمِّنُ الرَّوْعَةَ وَيُسْتَأْنَسُ بِهِ، وَيُبْعَثَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُمَا فِي الْعِظَمِ مِثْلُ أَبِي قُبَيْسٍ يَشْهَدَانِ لِمَنْ وَافَاهُمَا بِالْوَفَاءِ وَرَفَعَ النُّورَ عَنْهُمَا وَغَيَّرَ وَصْفَهُمَا وَحُسْنَهُمَا حَيْثُ هُمَا فِيهِ» اهـ. قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَرْفُوعِ «نَزَلَ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ مِنْ الْجَنَّةِ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ فَسَوَّدَتْهُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ مَا لَفْظُهُ قَدْ اعْتَرَضَ الْمُلْحِدُونَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالُوا مَا سَوَّدَتْهُ خَطَايَا الْمُشْرِكِينَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّضَهُ تَوْحِيدُ الْمُؤْمِنِينَ وَاَلَّذِي أَرَاهُ مِنْ الْجَوَابِ أَنَّ بَقَاءَ أَثَرِ الْخَطَايَا فِيهِ وَهُوَ السَّوَادُ أَبْلَغُ مِنْ بَابِ الْعِبْرَةِ وَالْعِظَةِ مِنْ تَغَيُّرِ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّ الْخَطَايَا إذَا أَثَّرَتْ فِي الْحَجَرِ فَتَأْثِيرُهَا فِي الْقُلُوبِ أَعْظَمُ فَوَجَبَ لِذَلِكَ أَنْ تُجْتَنَبَ» اهـ. وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الذُّنُوبَ سَوَّدَتْهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَحْجَارِ الْبَيْتِ أَنَّ فِيهِ صَكَّ الْعَهْدِ الَّذِي هُوَ بِالْفِطْرَةِ الَّتِي فُطِرَ النَّاسُ عَلَيْهَا مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ فَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ لَوْلَا أَنَّ أَبَوَيْهِ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ حَتَّى يَسْوَدَّ قَلْبُهُ بِالشِّرْكِ لِمَا حَالَ عَنْ الْعَهْدِ فَصَارَ قَلْبُ الْمُؤْمِنِ مَحَلًّا لِذَلِكَ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ وَصَارَ الْحَجَرُ مَحَلًّا لِمَا كُتِبَ فِيهِ مِنْ الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ فَتَنَاسَبَا فَاسْوَدَّ الْقَلْبُ مِنْ خَطَايَا بَنِي آدَمَ بَعْدَمَا كَانَ وُلِدَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ الْعَهْدِ وَاسْوَدَّ الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ بَعْدَ ابْيِضَاضِهِ وَكَانَتْ الْخَطَايَا سَبَبًا فِي ذَلِكَ حِكْمَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى.

قَالَ السُّهَيْلِيُّ قَالَ ابْنُ جَمَاعَةَ رَأَيْت الْحَجَرَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِمِائَةٍ وَبِهِ نُقْطَةٌ بَيْضَاءُ ظَاهِرَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ ثُمَّ رَأَيْت الْبَيَاضَ بَعْدَ ذَلِكَ نَقَصَ نَقْصًا بَيِّنًا بِحَيْثُ لَمْ نَرَهَا إلَّا بَعْدَ جَهْدٍ اهـ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الرَّبِيعِ سُلَيْمَانُ بْنُ خَلِيلٍ الْمَكِّيُّ الشَّافِعِيُّ شَيْخُ الشَّيْخِ مُحِبِّ الدِّينِ الطَّبَرِيِّ فِي مَنَاسِكِهِ الْكُبْرَى وَلَقَدْ أَدْرَكْت فِي الْحَجَرِ ثَلَاثَ مَوَاضِعَ بَيْضَاءَ نَقِيَّةً مِنْ نَاحِيَةِ بَابِ الْكَعْبَةِ أَكْبَرُهُنَّ فِي قَدْرِ حَبَّةِ الذُّرَةِ الْكَبِيرَةِ وَالثَّانِيَةُ دُونَهَا وَالثَّالِثَةُ إلَى جَنْبِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَصْغَرُ مِنْ الثَّانِيَةِ قَدْرَ حَبَّةِ الدُّخْنِ قَالَ ثُمَّ إنِّي أَتَلَمَّحُ تِلْكَ النُّقْطَةَ فَإِذَا هِيَ فِي كُلِّ وَقْتٍ فِي نَقْصٍ اهـ.

وَذَكَرَ التَّقِيُّ الْفَاسِيُّ أَنَّهُ ذَاكَرَ بِهَذَا الْأَمْرِ بَعْضَ مَشَايِخِهِ بَعْدَ نَحْوِ خَمْسَةَ عَشَرَ سَنَةً فَذَكَرَ لَهُ أَنَّ فِي الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ نُقْطَةً بَيْضَاءَ خَفِيَّةً جِدًّا اهـ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَوْضِعَهَا مِنْ الْحَجَرِ قَالَ وَلَعَلَّهَا النُّقْطَةُ الْمَوْجُودَةُ فِيهِ الْآنَ فَإِنَّ فِي جَانِبِهِ مِمَّا يَلِي بَابَ الْكَعْبَةِ مِنْ أَعْلَاهُ نُقْطَةً بَيْضَاءَ قَدْرَ حَبَّةِ سِمْسِمَةٍ عَلَى مَا أَخْبَرَنِي بِهِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمَكِّيِّينَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ خَامِسَ عَشَرَ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَمَانِي عَشَرَةَ وَثَمَانِمِائَةٍ اهـ. قَالَ الْمُحِبُّ بْنُ فَهْدٍ وَشَاهَدْت بِخَطِّ وَالِدِي الْعِزِّ مِمَّا نَقَلَهُ مِنْ خَطِّ جَدِّهِ التَّقِيِّ قَالَ أَنَا رَأَيْت هَذِهِ النُّقْطَةَ بَعْدَ السِّتِّينَ وَثَمَانِمِائَةٍ بِسِنِينَ ثُمَّ انْطَمَسَتْ مِنْ نَحْوِ سَنَةِ سَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ اهـ. ثُمَّ نَقَلَ الْمُحِبُّ عَنْ أَشْيَاخِهِ أَنَّهُ رَآهَا فِي حُدُودِ السَّبْعِينَ وَلَا يَتَفَطَّنُ لَهَا إلَّا حَادُّ النَّظَرِ مَعَ الْإِشَارَةِ إلَيْهَا وَأَنَّهُ قَدْ رَآهَا بِإِشَارَةِ التَّقِيِّ بْنِ فَهْدٍ وَمَعَهُمْ مُحَدِّثُ الْيَمَنِ الشَّيْخُ يَحْيَى الْعَامِرِيُّ صَاحِبُ كِتَابِ بَهْجَةِ الْمَحَافِلِ وَإِنَّهُمْ لَمْ يَرَوْهَا بَعْدُ اهـ. مُلَخَّصًا.

وَقَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ «أَنَّ الْحَجَرَ أُلْقِمَ الصَّكَّ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ إقْرَارُ بَنِي آدَمَ بِالتَّوْحِيدِ وَأَسْمَاؤُهُمْ» قَالَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْوَهَّابِ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْقَوَاعِدِ الْكَشْفِيَّةِ الْمُوضِحَةِ لِمَعَانِي الصِّفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ هَذَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي الْعَقْلِ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ مَا عَسُرَ عَلَى الْعَقْلِ تَصَوُّرُهُ يَكْفِينَا فِيهِ الْإِيمَانُ بِهِ وَرَدُّ مَعْنَاهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الثَّلَاثِمِائَةِ مَا يُؤَيِّدُ الْإِيمَانَ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَرَجَ يَوْمًا عَلَى أَصْحَابِهِ وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>