(فَإِذَا بَلَغُوا الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ) وَهُوَ جَبَلٌ فِي آخِرِ مُزْدَلِفَةَ يُقَالُ لَهُ قُزَحٌ (اسْتَقْبَلُوا) الْقِبْلَةَ؛ لِأَنَّهَا أَشْرَفُ الْجِهَاتِ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي (وَوَقَفُوا) عِنْدَهُ (وَهُوَ) أَيْ وُقُوفُهُمْ بِهِ (أَفْضَلُ) مِنْ وُقُوفِهِمْ بِغَيْرِهِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ وَمِنْ مُرُورِهِمْ بِهِ بِلَا وُقُوفٍ وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِي (وَذَكَرُوا) اللَّهَ تَعَالَى (وَدَعَوْا إلَى أَسْفَارٍ) لِلِاتِّبَاعِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَوْلِي وَذَكَرُوا مِنْ زِيَادَتِي كَأَنْ يَقُولُوا اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ (ثُمَّ يَسِيرُوا) بِسَكِينَةٍ فَإِذَا وَجَدُوا فُرْجَةً أَسْرَعُوا وَإِذَا بَلَغُوا وَادِيَ مُحَسِّرٍ أَسْرَعَ الْمَاشِي وَحَرَّكَ الرَّاكِبُ دَابَّتَهُ وَذَلِكَ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ حَتَّى يَقْطَعُوا عَرْضَ الْوَادِي (وَيَدْخُلُونَ مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ شَمْسٍ
ــ
[حاشية الجمل]
اشْتِبَاهٌ؛ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ الَّذِي يَتَوَقَّفُ عَلَى الزَّوَالِ هُوَ الَّذِي يُطْلَبُ عَقِبَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ هَذَا التَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ يُطْلَبُ مَعَ الرَّمْيِ وَهُوَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ذَلِكَ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا بَلَغُوا الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا وَهُوَ شَاذٌّ مَأْخُوذٌ مِنْ الشَّعِيرَةِ وَهِيَ الْعَلَامَةُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّعَائِرِ وَهِيَ مَعَالِمُ الدِّينِ، وَالْحَرَامُ هُوَ الَّذِي يَحْرُمُ فِيهِ الصَّيْدُ وَغَيْرُهُ فَإِنَّهُ مِنْ الْحَرَمِ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ ذَا الْحُرْمَةِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ جَبَلٌ إلَخْ) أَيْ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَالْمُفَسِّرِينَ فَهُوَ جَمِيعُ مُزْدَلِفَةَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَيْضًا وَهُوَ جَبَلٌ فِي آخِرِ مُزْدَلِفَةَ) وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْآنَ الْبِنَاءُ وَالْمَنَارَةُ خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَهُ اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: يُقَالُ لَهُ قُزَحٌ) بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ وَآخِرُهُ حَاءٌ مُهْمَلَةٌ بِوَزْنِ عُمَرَ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعَدْلِ كَجُشَمٍ اهـ. شَيْخُنَا.
(قَوْلُهُ: وَوَقَفُوا عِنْدَهُ) وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا تَأَذِّي وَلَا إيذَاءَ لِلزَّحْمَةِ وَإِلَّا فَتَحْته اهـ. حَجّ.
(قَوْلُهُ: كَأَنْ يَقُولُوا اللَّهُ أَكْبَرُ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيُكْثِرُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة: ٢٠١] وَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ دُعَائِهِمْ اللَّهُمَّ كَمَا أَوْقَفْتنَا فِيهِ وَأَرَيْتنَا إيَّاهُ فَوَفِّقْنَا لِذِكْرِك كَمَا هَدَيْتنَا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا كَمَا وَعَدْتنَا بِقَوْلِك وَقَوْلُك الْحَقُّ {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٨] إلَى قَوْلِهِ {وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: ١٩٩] ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذِكْرِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ انْتَهَتْ، وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَخْطُبُ فَذَكَرَ حَدِيثًا طَوِيلًا، ثُمَّ قَالَ كَانَ النَّاسُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا وَقَفُوا فِي الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ يَبْتَهِلُ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي إبِلًا اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي غَنَمًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ - وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ} [البقرة: ٢٠٠ - ٢٠١] إلَى آخِرِ الْآيَةِ اللَّهُمَّ رَبَّ الْمَشْرِقِ بَلِّغْ رُوحَ رَسُولِك مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَزْكَى تَحِيَّةٍ وَأَفْضَلَ سَلَامٍ وَاجْمَعْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِي دَارِ السَّلَامِ بِرَحْمَتِك يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ اللَّهُمَّ احْفَظْ عَلَيَّ دِينِي وَاجْعَلْ خَشْيَتَك نُصْبَ عَيْنِي وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا خَيْرَ مَقْصُودٍ يَا خَيْرَ مَرْجُوٍّ يَا خَيْرَ مَسْئُولٍ يَا خَيْرَ مُعْطٍ اللَّهُمَّ ذَلِّلْ نَفْسِي حَتَّى تَنْقَادَ لِطَاعَتِك وَيَسِّرْ عَلَيْهَا الْعَمَلَ بِمَا يُقَرِّبُهَا إلَى رِضَاك وَاجْعَلْهَا مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِك وَسُكَّانِ جَنَّتِك، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ يَسِيرُوا) أَيْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَيُكْرَهُ التَّأْخِيرُ إلَى طُلُوعِهَا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا بَلَغُوا وَادِيَ مُحَسِّرٍ إلَخْ) عِبَارَةُ حَجّ وَإِذَا بَلَغُوا بَطْنَ مُحَسِّرٍ وَهُوَ أَعْنِي مُحَسِّرًا مَا بَيْنَ مُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وَبَطْنُهُ مَسِيلٌ فِيهِ أَسْرَعَ الْمَاشِي جَهْدَهُ وَحَرَّكَ الرَّاكِبُ دَابَّتَهُ كَذَلِكَ حَيْثُ لَا ضَرَرَ حَتَّى يَقْطَعَ عَرْضَ ذَلِكَ الْمَسِيلِ وَهُوَ قَدْرُ رِمْيَةِ حَجَرٍ لِلِاتِّبَاعِ، وَحِكْمَتُهُ أَنَّ أَصْحَابَ الْفِيلِ أُهْلِكُوا ثَمَّ عَلَى قَوْلٍ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ وَإِنَّمَا أُهْلِكُوا قُرْبَ أَوَّلِهِ أَوْ أَنَّ رَجُلًا اصْطَادَ فَنَزَلَتْ نَارٌ حَرَقَتْهُ وَمِنْ ثَمَّ تُسَمِّيهِ أَهْلُ مَكَّةَ وَادِي النَّارِ فَهُوَ لِكَوْنِهِ مَحَلَّ نُزُولِ الْعَذَابِ كَدِيَارِ ثَمُودَ الَّتِي صَحَّ أَمْرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْمَارِّينَ بِهَا أَنْ يُسْرِعُوا لِئَلَّا يُصِيبَهُمْ مَا أَصَابَ أَهْلَهَا وَمِنْ ثَمَّ يَنْبَغِي الْإِسْرَاعُ فِيهِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ أَيْضًا أَوْ أَنَّ النَّصَارَى كَانَتْ تَقِفُ ثَمَّ فَأُمِرْنَا بِالْمُبَالَغَةِ فِي مُخَالَفَتِهِمْ انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ: رِمْيَةِ حَجَرٍ) بِكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ أَيْ هَيْئَةِ رَمْيِهِ مِنْ انْتِهَاءِ بُعْدِهِ وَالْفَتْحُ لَا يُنَاسِبُ هُنَا كَمَا لَا يَخْفَى.
(قَوْلُهُ: حَتَّى يَقْطَعُوا عَرْضَ الْوَادِي) فَإِذَا قَطَعُوهُ سَارُوا بِسَكِينَةٍ اهـ. شَرْحُ م ر وَيَدْخُلُوا مِنًى وَحْدَهَا طُولًا مِنْ وَادِي مُحَسِّرٍ إلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَهِيَ شِعْبٌ طُولُهُ نَحْوُ مِيلَيْنِ وَعَرْضُهُ يَسِيرٌ وَالْجِبَالُ الْمُحِيطَةُ بِهِ مَا أَقْبَلَ مِنْهَا عَلَيْهِ فَهُوَ مِنْ مِنًى وَمَا أَدْبَرَ مِنْهَا فَلَيْسَ مِنْ مِنًى وَمَسْجِدِ الْخَيْفِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مِيلٍ مِمَّا يَلِي مَكَّةَ وَجَمْرَةُ الْعَقَبَةِ فِي آخِرِ مِنًى مِمَّا يَلِي مَكَّةَ وَلَيْسَتْ الْعَقَبَةُ الَّتِي تُنْسَبُ إلَيْهَا الْجَمْرَةُ مِنْ مِنًى وَهِيَ الَّتِي بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْأَنْصَارَ عِنْدَهَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ اهـ. إيضَاحٌ، لَكِنَّ الْمُشَاهَدَ الْآنَ خِلَافُهُ وَهُوَ أَنَّ مَسْجِدَ الْعَقَبَةِ الَّذِي وُضِعَ فِي مَكَانِ الْمُبَايَعَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَمْرَة الْعَقَبَةِ نَحْوُ نِصْفِ مِيلٍ.
(قَوْلُهُ: بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ) أَيْ وَارْتِفَاعِهَا كَرُمْحٍ وَهَذَا وَقْتُ فَضِيلَةٍ إلَى الزَّوَالِ وَيُنْدَبُ لِدَاخِلِهَا أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ هَذِهِ مِنًى قَدْ أَتَيْتهَا وَأَنَا عَبْدُك وَابْنُ عَبْدِك أَسْأَلُك أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ بِمَا مَنَنْت بِهِ عَلَى أَوْلِيَائِك اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْحِرْمَانِ وَالْمُصِيبَةِ فِي دِينِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ اهـ.