عَلَى حَوْضِي» وَخَبَرِ «لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا» ، رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ وَسُنَّ لِمَنْ قَصَدَ الْمَدِينَةَ الشَّرِيفَةَ لِزِيَارَتِهِ أَنْ يُكْثِرَ فِي طَرِيقِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِذَا رَأَى حَرَمَ الْمَدِينَةِ وَأَشْجَارَهَا زَادَ فِي ذَلِكَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَنْفَعَهُ بِهَذِهِ الزِّيَارَةِ وَيَتَقَبَّلَهَا مِنْهُ، وَيَغْتَسِلُ قَبْلَ دُخُولِهِ وَيَلْبَسُ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ قَصَدَ الرَّوْضَةِ وَهِيَ بَيْنَ قَبْرِهِ وَمِنْبَرِهِ كَمَا مَرَّ وَصَلَّى تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِجَانِبِ الْمِنْبَرِ وَشَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ فَرَاغِهَا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ ثُمَّ وَقَفَ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلَ رَأْسِ الْقَبْرِ الشَّرِيفِ وَيَبْعُدُ مِنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ نَاظِرًا لِأَسْفَلَ مَا يَسْتَقْبِلُهُ فَارِغَ الْقَلْبِ مِنْ عُلَقِ الدُّنْيَا وَيُسَلِّمُ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ
ــ
[حاشية الجمل]
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ أَرْضِ الْجَنَّةِ أَوْ الْعَمَلُ فِيهَا كَالْعَمَلِ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ مُوصِلٌ إلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ أَنَّهَا سَتَكُونُ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ أَوْ الْجَالِسُ فِيهَا يَرَى مِنْ الرَّاحَةِ مَا يَرَاهُ الْجَالِسُ فِي رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ يَحْنَثُ مَنْ جَلَسَ فِيهَا وَحَلَفَ أَنَّهُ جَالِسٌ فِي الْجَنَّةِ انْتَهَتْ وَهَذَا الْمُبَيَّنُ أَرْبَعُ أُسْطُوَانَاتٍ مِنْ عِنْدِ الْحُجْرَةِ الشَّرِيفَةِ وَيَنْتَهِي إلَى الْمِنْبَرِ فَيَكُونُ قَدْرَ أُسْطُوَانَةٍ وَشَيْءٍ يَسِيرٍ فَالرَّوْضَةُ قَرِيبَةٌ مِنْ شَكْلِ الْمُثَلَّثِ كَمَا ذَكَرَهُ السَّيِّدُ السَّمْهُودِيُّ فِي تَارِيخِ الْمَدِينَةِ.
(قَوْلُهُ: عَلَى حَوْضِي) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الْآنَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ يُنْقَلُ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الْكَوْثَرُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَإِذَا رَأَى حَرَمَ الْمَدِينَةِ إلَخْ) وَحَدُّ حَرَمِ الْمَدِينَةِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ الْمَدِينَةُ حَرَمُ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَى ثَوْرٍ» ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَيْرٌ جَبَلٌ بِالْمَدِينَةِ، وَأَمَّا ثَوْرٌ فَلَا يَعْلَمُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِهَا جَبَلًا يُقَالُ لَهُ ثَوْرٌ وَإِنَّمَا ثَوْرٌ بِمَكَّةَ قَالَ فَيُرَى أَنَّ أَصْلَ الْحَدِيثِ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَى أُحُدٍ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُؤَلَّفِ فِي أَسْمَاءِ الْأَمَاكِنِ فِي الْحَدِيثِ «حَرَمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا بَيْنَ عَيْرٍ إلَى أُحُدٍ» قَالَ هَذِهِ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ، وَقِيلَ إلَى ثَوْرٍ قَالَ وَلَيْسَ لَهُ مَعْنَى وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ لَوْ رَأَيْت الظِّبَاءَ بِالْمَدِينَةِ تَرْتَعُ مَا دَعَوْتهَا قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» وَكَذَا رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الصَّحِيحِ وَاللَّابَتَانِ الْحَرَّتَانِ. اهـ. إيضَاحٌ وَقَالَ الدَّمِيرِيُّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ وَحَدُّ حَرَمِهَا عَرْضًا مَا بَيْنَ حَرَّتَيْهَا السُّودِ وَطُولًا مَا بَيْنَ عَيْرٍ وَثَوْرٍ وَهُوَ جَبَلٌ صَغِيرٌ مِنْ وَرَاءِ أُحُدٍ يَعْرِفُهُ أَهْلُهَا اهـ. بِحُرُوفِهِ.
(قَوْلُهُ: وَيَغْتَسِلُ قَبْلَ دُخُولِهِ) وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ أَنَّ هَذَا الْغُسْلَ لَا يَفُوتُ بِالدُّخُولِ، بَلْ يُنْدَبُ لَهُ تَدَارُكُهُ بَعْدَهُ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَيَلْبَسُ أَنْظَفَ ثِيَابِهِ) وَهَلْ الْأَوْلَى هُنَا الْأَعْلَى قِيمَةً كَالْعِيدِ أَوْ الْأَبْيَضِ كُلٌّ مُحْتَمَلٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي إذْ هُوَ أَلْيَقُ بِالتَّوَاضُعِ الْمَطْلُوبِ ثُمَّ رَأَيْت التَّصْرِيحَ بِأَنَّهُ يُنْدَبُ الْبَيَاضُ لِلذَّهَابِ إلَى أَيِّ مَسْجِدٍ كَانَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْته؛ لِأَنَّ هَذَا اللُّبْسَ إنَّمَا طُلِبَ لِيَكُونَ دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ الشَّرِيفَ وَوُقُوفُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ اهـ. حَجّ فِي الْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ وَقَفَ إلَخْ) أَيْ ثُمَّ ذَهَبَ إلَى مَحَلِّ الْمُوَاجَهَةِ وَوَقَفَ إلَخْ.
(قَوْلُهُ: وَيَبْعُدُ مِنْهُ نَحْوَ أَرْبَعَةِ أَذْرُعٍ) وَيُكْرَهُ إلْصَاقُ الظَّهْرِ وَالْبَطْنِ بِجُدْرَانِ الْقَبْرِ قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَيُكْرَهُ مَسْحُهُ بِالْيَدِ وَتَقْبِيلُهُ بَلْ الْأَدَبُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْهُ كَمَا يَبْعُدُ مِنْهُ لَوْ حَضَرَ فِي حَيَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُغْتَرَّ بِكَثِيرٍ مِنْ الْعَوَامّ فِي مُخَالَفَتِهِمْ ذَلِكَ فَإِنَّ الِاقْتِدَاءَ وَالْعَمَلَ إنَّمَا يَكُونُ بِأَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مُحْدَثَاتِ الْعَوَامّ وَجَهَالَاتِهِمْ وَلَقَدْ أَحْسَنَ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ أَبُو عَلِيٍّ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ فِي قَوْلِهِ مَا مَعْنَاهُ اتَّبِعْ طُرُقَ الْهُدَى وَلَا يَضُرَّك قِلَّةُ السَّالِكِينَ وَإِيَّاكَ وَطُرُقَ الضَّلَالَةِ وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْهَالِكِينَ وَمَنْ خَطَرَ بِبَالِهِ أَنَّ الْمَسْحَ بِالْيَدِ وَنَحْوِهِ أَبْلَغُ فِي الْبَرَكَةِ فَهُوَ مِنْ جَهَالَتِهِ وَغَفْلَتِهِ؛ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ إنَّمَا هِيَ فِيمَا وَافَقَ الشَّرْعَ وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ وَكَيْفَ يَنْبَغِي الْفَضْلُ فِي مُخَالَفَةِ الصَّوَابِ اهـ. إيضَاحٌ.
(قَوْلُهُ: وَيُسَلِّمُ) أَيْ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِخَبَرِ «مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ» وَلِخَبَرِ «مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي وَكَّلَ اللَّهُ بِي مَلَكًا يُبَلِّغُنِي وَكُفِيَ أَمْرَ دُنْيَاهُ وَآخِرَتِهِ وَكُنْت لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ» اهـ. شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ وَكَّلَ اللَّهُ بِي مَلَكًا إلَخْ قَضِيَّةُ هَذَا أَنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ بِلَا وَاسِطَةِ الْمَلَكِ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَسْمَعُ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَبْرِ بِلَا وَاسِطَةٍ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرُهَا فَيُمْكِنُ حَمْلُ مَا هُنَا عَلَى أَنَّهُ يُبَلَّغُ ذَلِكَ مَعَ السَّمَاعِ ثُمَّ رَأَيْت فِي حَجّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالْجَوْهَرِ الْمُنَظَّمِ فِي زِيَارَةِ الْقَبْرِ الْمُعَظَّمِ مَا نَصُّهُ (تَنْبِيهٌ)
يُجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الظَّاهِرَةِ التَّعَارُضِ بِبَادِئِ الرَّأْيِ وَأَحَادِيثَ أُخَرَ وَرَدَتْ بِمَعْنَاهَا أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُبَلَّغُ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ إذَا صَدَرَا مِنْ بُعْدٍ وَيَسْمَعُهُمَا إذَا كَانَا عِنْدَ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ بِلَا وَاسِطَةٍ وَإِنْ وَرَدَ أَنَّهُ يُبَلَّغُهُمَا هُنَا أَيْضًا كَمَا مَرَّ إذْ لَا مَانِعَ أَنَّ مَنْ عِنْدَ قَبْرِهِ يُخَصُّ بِأَنَّ الْمَلَكَ يُبَلِّغُ صَلَاتَهُ وَسَلَامَهُ مَعَ سَمَاعِهِ لَهُمَا إشْعَارًا بِمَزِيدِ خُصُوصِيَّتِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ وَالِاسْتِمْدَادِ لَهُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُهَا إذْ الْمُقَيَّدُ يُقْضَى بِهِ عَلَى الْمُطْلَقِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي ظَاهِرُهَا التَّعَارُضُ وَاجِبٌ حَيْثُ أَمْكَنَ وَأَفْتَى النَّوَوِيُّ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -