للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا) أَيْ دَلَّنَا (لِهَذَا) التَّأْلِيفِ (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) وَالْحَمْدُ لُغَةً الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ

ــ

[حاشية الجمل]

فِيهِمَا حَرْفُ النِّدَاءِ صَرِيحًا وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا بِخِلَافِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا وَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ تَكُونُ الصِّيَغُ ثَمَانِيَةً صِيغَتَانِ حَدِيثَانِ وَسِتَّةٌ غَيْرُ أَحَادِيثَ اهـ شَيْخُنَا.

وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِمْ أَيْ السَّلَفِ فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ فَلَوْ قَالَ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: إلَخْ لَكَانَ أَنْسَبَ وَالْأَبْلَغِيَّةُ مِنْ حَيْثُ شُمُولُ الرَّحْمَنِ لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاخْتِصَاصُ الرَّحِيمِ بِالْآخِرَةِ أَوْ بِالدُّنْيَا فَالرَّحْمَةُ بِحَسَبِ كَثْرَةِ أَفْرَادِ الْمَرْحُومِينَ وَقِلَّتِهَا فَهِيَ مَنْظُورٌ فِيهَا لِلْكَمِّ وَأَمَّا مَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ يَا رَحْمَنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا فَلَا يُعَارِضُ مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرَّحْمَةُ بِالنَّظَرِ إلَى الْكَيْفِ انْتَهَتْ بِنَوْعِ تَصَرُّفٍ.

قَالَ الشَّيْخُ حَمْدَانُ: الْأَبْلَغِيَّةُ تَارَةً بِاعْتِبَارِ الْكِمِّيَّةِ وَأُخْرَى بِاعْتِبَارِ الْكَيْفِيَّةِ فَالْوَاصِلُ فِي الدُّنْيَا كَثِيرُ الْكِمِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ مِنْ مُؤْمِنٍ وَكَافِرٍ وَحَيَوَانٍ قَلِيلُ الْكَيْفِيَّةِ بِاعْتِبَارِ قِلَّةِ الدُّنْيَا وَسُرْعَةِ انْصِرَامِهَا وَكَثْرَةِ شَوَائِبهَا وَالْوَاصِلُ فِي الْآخِرَةِ قَلِيلُ الْكِمِّيَّةِ بِالْإِضَافَةِ إلَى مَنْ يَصِلُ إلَيْهِ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ كَثِيرُ الْكَيْفِيَّةِ لِوُجُودِ الْمُلْكِ الْمُؤَبَّدِ وَالنَّعِيمِ الْمُخَلَّدِ اهـ حف (قَوْلُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا إلَخْ) هَذَا اعْتِرَافٌ مِنْهُ وَإِقْرَارٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَصِلُ إلَى مَا وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ هَذَا التَّأْلِيفِ الْعَظِيمِ ذِي النَّفْعِ الْعَمِيمِ الْمُوَصِّلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْفَوْزِ بِجَنَّاتِ النَّعِيمِ بِجَهْدِهِ وَاسْتِحْقَاقِ فِعْلِهِ فَاقْتَدَى بِأَهْلِ الْجَنَّةِ حَيْثُ قَالُوا ذَلِكَ فِي دَارِ الْجَزَاءِ الْمَجْعُولَةِ خَاتِمَةَ أَمْرِهِمْ قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: هَذَا اعْتِرَافٌ مِنْهُمْ وَإِقْرَارٌ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَصِلُوا إلَى مَا وَصَلُوا إلَيْهِ مِنْ حُسْنِ تِلْكَ الْعَطِيَّاتِ وَعَظِيمِ تِلْكَ الْمَرَاتِبِ الْعَلِيَّاتِ بِجَهْدِهِمْ وَاسْتِحْقَاقِ فِعْلِهِمْ وَإِنَّمَا ذَلِكَ ابْتِدَاءُ فَضْلٍ مِنْهُ وَلُطْفٌ اهـ تَقْرِيرُ بَعْضِهِمْ.

(قَوْلُهُ الَّذِي هُدَانَا لِهَذَا) الْهِدَايَةُ دَلَالَةٌ بِلُطْفٍ وَلِذَلِكَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَهِدَايَةُ اللَّهِ أَنْوَاعٌ لَا يُحْصِيهَا عَدٌّ لَكِنَّهَا تَنْحَصِرُ فِي أَجْنَاسٍ مُتَرَتِّبَةٍ: الْأَوَّلُ إفَاضَةُ الْقُوَى الَّتِي بِهَا يَتَمَكَّنُ الْمَرْءُ مِنْ الِاهْتِدَاءِ إلَى مَصَالِحِهِ كَالْقُوَّةِ الْعَقْلِيَّةِ أَيْ الْعَاقِلَةِ وَالْحَوَاسِّ الْبَاطِنِيَّةِ وَالْمَشَاعِرِ الظَّاهِرَةِ وَالثَّانِي نَصْبُ الدَّلَائِلِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ وَالثَّالِثُ الْهِدَايَةُ بِإِرْسَالِ الرُّسُلِ وَإِنْزَالِ الْكُتُبِ وَالرَّابِعُ أَنْ يَكْشِفَ لِقُلُوبِهِمْ السَّرَائِرَ وَيُرِيَهُمْ الْأَشْيَاءَ كَمَا هِيَ بِالْوَحْيِ وَالْإِلْهَامِ وَالْمَنَامَاتِ الصَّادِقَةِ وَهَذَا الْقِسْمُ تَخْتَصُّ بِنَيْلِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ اهـ مِنْ الْبَيْضَاوِيِّ (قَوْلُهُ أَيْ دَلَّنَا) أَيْ دَلَالَةً مُوَصِّلَةً لِمَا وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ الْبَسْمَلَةُ وَالْحَمْدَلَةُ وَمُطْلَقُ دَلَالَةٍ لِمَا سَيُوجَدُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ دَلَّ يَتَعَدَّى بِعَلَى وَهَدَى يَتَعَدَّى بِإِلَى فَكَيْفَ يُفَسَّرُ بِهِ؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا كَانَ بِمَعْنَى فِعْلٍ آخَرَ لَا يَلْزَمُ أَنْ يَتَعَدَّى بِمَا تَعَدَّى بِهِ ذَلِكَ الْفِعْلُ اهـ ح ل مَعَ زِيَادَةِ.

(قَوْلِهِ أَيْ دَلَّنَا) هَذَا بِحَسَبِ مَا شَاعَ لُغَةً وَإِلَّا فَالْمَعْنَى الْأَصْلِيُّ لِلْهِدَايَةِ جَعْلُهُ مُهْتَدِيًا وَالْإِضْلَالُ جَعْلُهُ ضَالًّا وَمِنْ ثَمَّ اسْتَعْمَلَهُمَا أَصْحَابُنَا بِمَعْنَى خَلْقِ الِاهْتِدَاءِ وَالضَّلَالِ وَالْمُعْتَزِلَةُ لَمَّا زَعَمُوا أَنَّ الِاهْتِدَاءَ وَالضَّلَالَ مِنْ أَفْعَالِ الْعِبَادِ أَوَّلُوا الِاهْتِدَاءَ بِمَعْنَى بَيَانِ طَرِيقِ الْحَقِّ بِنَصْبِ الْأَدِلَّةِ وَالْإِضْلَالَ بِمَعْنَى وِجْدَانِ الْعَبْدِ ضَالًّا أَوْ تَسْمِيَتِهِ ضَالًّا وَهُوَ مَرْدُودٌ وَلَا يَرِدُ عَلَى أَصْحَابِنَا هُدَاهُ فَلَمْ يَهْتَدِ لِأَنَّهُ مَجَازٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِ وَضْعِهِ يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِمَعُونَةِ الْمَقَامِ وَإِنَّ صَارَ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً بِحَسَبِ شُيُوعِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا حَقَّقَهُ الْإِمَامُ الْكَسْتَلِيُّ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ لِهَذَا التَّأْلِيفِ) إنْ قِيلَ: لِمَ فَسَّرَ الْإِشَارَةَ هُنَا بِالْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ التَّأْلِيفُ وَفِيمَا يَأْتِي بِالْمَفْعُولِ الَّذِي هُوَ الْمُؤَلَّفُ عِنْدَ قَوْلِهِ وَبَعْدُ فَهَذَا إلَخْ قُلْنَا: آثَرَ التَّفْسِيرَ ثُمَّ بِمَا ذَكَرَ لِأَنَّهُ وَصَفَهُ بِأَوْصَافٍ تُعَيِّنُ ذَلِكَ وَهُنَا وَإِنْ جَازَ الْأَمْرَانِ فَهَذَا أَوْلَى لِيُوَافِقَ الْحَمْدَ عَلَى الْفِعْلِ بِلَا وَاسِطَةٍ بِخِلَافِهِ عَلَى الْأَثَرِ فَإِنَّهُ بِوَاسِطَةِ الْفِعْلِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْجَلَالُ بِقَوْلِهِ فِي خُطْبَةِ الْأَصْلِ النِّعْمَةُ بِمَعْنَى الْإِنْعَامِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.

هَذَا وَفِيهِ أَنَّ الْحَمْدَ إنَّمَا هُوَ عَلَى هِدَايَةِ اللَّهِ لِلشَّيْخِ وَهِيَ فِعْلُ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ جُعِلَ مُتَعَلِّقُهَا فِعْلَ الشَّيْخِ أَوْ مَفْعُولَهُ فَلَمْ يَظْهَرْ لِهَذَا التَّغَايُرِ الَّذِي أَشَارَ لَهُ الْمُحَشِّي كَبِيرُ فَائِدَةٍ اهـ شَيْخُنَا وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِشَارَةَ فِي الْآيَةِ مُفَسَّرَةٌ بِالْعَمَلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة: ٨٢] فَالشَّارِحُ سَلَكَ صَنْعَةَ الِاقْتِبَاسِ وَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ وَإِنْ حَصَلَ فِي لَفْظِ الْقُرْآنِ تَغْيِيرٌ أَوْ نَقْلٌ مِنْ مَعْنَاهُ الْقُرْآنِيِّ إلَى مَعْنًى آخَرَ كَمَا هُنَا وَقَدْ وَضَّحْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي التَّلْخِيصِ وَشُرُوحِهِ (قَوْلُهُ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ) الْوَاوُ لِلْحَالِ أَوْ لِلِاسْتِئْنَافِ وَكَانَ فِعْلٌ مَاضٍ لِنَهْتَدِيَ اللَّامُ زَائِدَةٌ لِتَوْكِيدِ النَّفْيِ وَالْفِعْلُ مَنْصُوبٌ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ وُجُوبًا بَعْدَ لَامِ الْجُحُودِ وَالْمَعْنَى لِنَهْتَدِيَ لِمَا نَحْنُ عَلَيْهِ مِنْ الْخَيْرِ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ هَذَا التَّأْلِيفُ أَوْ لِنَهْتَدِيَ لِهَذَا التَّأْلِيفِ وَلَوْلَا حَرْفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>