مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَشَرْعًا مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ فَقَالَ عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ»
ــ
[حاشية الجمل]
أَيْ الدَّالُ عَلَى النَّقْلِ وَالِانْتِقَالِ لُغَةً إلَخْ وَإِلَّا فَلَوْ أَرَدْنَا بِقَوْلِهِ وَهُوَ مَا قَابَلَ الشِّرَاءَ فَلَا يَصِحُّ قَوْلُهُ لُغَةً وَإِنْ أَرَدْنَا بِقَوْلِهِ وَهُوَ الْمُرَكَّبُ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ أَيْضًا لِأَنَّهُ شَرْعِيٌّ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ إنَّ قَوْلَهُ وَهُوَ أَيْ لَفْظُ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ هُوَ
(قَوْلُهُ مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ) أَيْ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ التَّبَادُلُ لَا نَحْوُ سَلَامٍ بِسَلَامٍ وَقِيَامٍ بِقِيَامٍ وَنَحْوِهِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَإِنْ جَرَى فِي تَدْرِيبِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ قَالَهُ الشَّيْخُ فِي حَوَاشِي الْبَهْجَةِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ.
وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ قَوْلُهُ مُقَابَلَةُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ أَيْ ذُو مُقَابَلَةِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ أَوْ دَالٌّ عَلَى مُقَابَلَةِ شَيْءٍ بِشَيْءٍ قَالَ الشَّاعِرُ
مَا بِعْتُكُمْ مُهْجَتِي إلَّا بِوَصْلِكُمُو ... وَلَا أُسَلِّمُهَا إلَّا يَدًا بِيَدِ
وَحِينَئِذٍ فَبَيْنَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الْمُعَاوَضَةِ لِيَخْرُجَ ابْتِدَاءُ السَّلَامِ وَرَدُّهُ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى بَيْعًا لُغَةً انْتَهَتْ
(قَوْلُهُ وَشَرْعًا إلَخْ) هَذَا مُكَرَّرٌ فِي الْمَعْنَى مَعَ قَوْلِهِ وَعَلَى الْعَقْدِ إلَخْ اهـ. شَيْخُنَا
(قَوْلُهُ أَيْضًا وَشَرْعًا مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ) وَأَحْسَنُ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ غَيْرِهِ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مَالِيَّةٍ يُفِيدُ مِلْكَ عَيْنٍ أَوْ مَنْفَعَةٍ عَلَى التَّأْبِيدِ لَا عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ فَخَرَجَ بِالْعَقْدِ الْمُعَاطَاةُ وَبِالْمُعَاوَضَةِ نَحْوُ الْهِبَةِ وَبِالْمَالِيَّةِ نَحْوُ النِّكَاحِ وَبِإِفَادَةِ مِلْكِ الْعَيْنِ الْإِجَارَةُ وَبِغَيْرِ وَجْهِ الْقُرْبَةِ الْقَرْضُ وَالْمُرَادُ بِالْمَنْفَعَةِ بَيْعُ حَقِّ الْمَمَرِّ وَالتَّقْيِيدُ بِالتَّأْبِيدِ فِيهِ لِإِخْرَاجِ الْإِجَارَةِ أَيْضًا وَإِخْرَاجُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ بِقَيْدَيْنِ غَيْرُ مَعِيبٍ. اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ أَيْضًا مُقَابَلَةُ مَالٍ بِمَالٍ) فِيهِ مُسَامَحَةٌ إذْ الْعَقْدُ لَيْسَ نَفْسُ الْمُقَابَلَةِ لَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُهَا لِأَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي انْتِقَالَ الْمِلْكِ فِي الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي وَفِي الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ اهـ. ع ش عَلَى م ر.
وَعِبَارَةُ الشَّوْبَرِيِّ قَوْلُهُ مُقَابَلَةُ مَالٍ أَيْ ذُو مُقَابَلَةِ وَالْمُقَابَلَةُ الْمُفَاعَلَةُ فَلَا تَتَحَقَّقُ إلَّا بِذِكْرِ الْمَالَيْنِ وَبِهَذَا يَسْقُطُ الْقَرْضُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ ذِكْرُ الْمَالَيْنِ بَلْ أَحَدُهُمَا وَالْإِجَارَةُ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَيْسَتْ مَالًا بِالْمَعْنَى الْمُتَبَادَرِ انْتَهَتْ
(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي حُكْمِهِ الْأَصْلِيِّ وَهُوَ الْإِبَاحَةُ كَسَائِرِ الْعُقُودِ اهـ. شَيْخُنَا
(قَوْلُهُ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ هَذَا التَّعْبِيرِ وَلَمْ يَقُلْ الْأَصْلُ فِيهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَمَا قِيلَ إنَّ مَفْهُومَ الظَّرْفِ إنَّهُ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ دَلِيلُهُ الْإِجْمَاعُ وَالْآيَاتُ وَالْأَحَادِيثُ مُسْتَنَدُهُ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّا لَا نَعْلَمُ مُسْتَنَدَ الْإِجْمَاعِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ
(فَائِدَةٌ)
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ قَدْ بَاعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاشْتَرَى وَشِرَاؤُهُ أَكْثَرُ وَأَجَرَ وَاسْتَأْجَرَ وَإِيجَارُهُ أَكْثَرُ وَضَارَبَ وَشَارَكَ وَوَكَّلَ وَتَوَكَّلَ وَتَوْكِيلُهُ أَكْثَرُ وَأَهْدَى وَأُهْدِيَ إلَيْهِ وَوَهَبَ وَاتَّهَبَ وَاسْتَدَانَ وَاسْتَعَارَ وَضَمِنَ عَامًّا وَخَاصًّا وَوَقَفَ وَشَفَعَ فَقُبِلَ تَارَةً وَرُدَّ أُخْرَى فَلَمْ يَغْضَبْ وَلَا عَتَبَ وَحَلَفَ وَاسْتَحْلَفَ وَمَضَى فِي يَمِينِهِ تَارَةً وَكَفَّرَ أُخْرَى وَمَازَحَ وَوَرَّى وَلَمْ يَقُلْ إلَّا حَقًّا اهـ. مُنَاوِيٌّ
(قَوْلُهُ {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: ٢٧٥] هِيَ مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ لَا مِنْ الْمُجْمَلِ عَلَى الْأَصَحِّ فَيُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَفِي كُلِّ مَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ نَهْيٌ فَلَا يَحْتَاجُ حِينَئِذٍ إلَى الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ قَوْلَيْنِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْعَامِّ الْمَخْصُوصِ ثَانِيهِمَا وُجُوبُ الْبَحْثِ عَنْ الْمُخَصِّصِ فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ اسْتَدْلَلْنَا بِهِ وَمَنْ قَالَ إنَّهَا مِنْ الْمُجْمَلِ جَعَلَ مَا وَرَدَ مِنْ السُّنَّةِ دَالًّا عَلَى الصِّحَّةِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنْوَاعِ مَوْقُوفٌ. اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
وَعِبَارَةُ شَرْح م ر وَالْأَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ كُلَّ بَيْعٍ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى عَنْ بُيُوعٍ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجَائِزَ مِنْهَا وَالثَّانِي أَنَّهَا مُجْمَلَةٌ وَالسُّنَّةُ مُبَيِّنَةٌ لَهَا انْتَهَتْ
(قَوْلُهُ أَيُّ الْكَسْبِ) أَيْ أَيُّ الْأَكْسَابِ وَقَوْلُهُ أَطْيَبُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ أَحَلَّ وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحِلِّ الْإِبَاحَةُ وَهِيَ التَّخْيِيرُ بَيْنَ الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ وَلَا تَفَاضُلَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَكْثَرَ ثَوَابًا وَرُدَّ عَلَيْهِ أَنَّ الْمُبَاحَاتِ لَا ثَوَابَ فِيهَا مِنْ حَيْثُ أَصْلُهَا الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ) وَهُوَ الصِّنَاعَةُ وَقَوْلُهُ وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ وَهُوَ التِّجَارَةُ وَالصِّنَاعَةُ أَفْضَلُ مِنْ التِّجَارَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ بِتَقْدِيمِهَا فِي الذِّكْرِ كَمَا ذَكَرَهُ الْحَلَبِيُّ وَإِنْ كَانَتْ الزِّرَاعَةُ أَفْضَلَ مِنْهُمَا عَلَى الرَّاجِحِ فَأَفْضَلُ طُرُقِ الِاكْتِسَابِ الزِّرَاعَةُ وَإِنْ لَمْ تُبَاشِرْهَا بِيَدِهِ ثُمَّ عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ ثُمَّ التِّجَارَةُ كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر وَفِي الْبِرْمَاوِيِّ مَا نَصُّهُ وَأَفْضَلُ الْمَكَاسِبِ الزِّرَاعَةُ لِعُمُومِ نَفْعِهَا وَلِلْحَاجَةِ إلَيْهَا ثُمَّ الصِّنَاعَةُ ثُمَّ التِّجَارَةُ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ وَقِيلَ الصِّنَاعَةُ أَطْيَبُ وَقَالَ قَوْمٌ التِّجَارَةُ أَحَلُّ الْمَكَاسِبِ وَأَطْيَبُهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - اهـ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلًّا مِنْهَا أَيْ الثَّلَاثَةِ؛ ذَهَبَ