وَصُلْحِ مُعَاوَضَةٍ عَلَى غَيْرِ مَنْفَعَةٍ أَوْ دَمِ عَمْدٍ وَهِبَةٍ بِثَوَابٍ خِلَافًا لِظَاهِرِ مَا فِي الْأَصْلِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَ " يَقُولَ " قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ مَنْصُوبٌ بِأَوْ بِتَقْدِيرِ " إلَّا أَنْ " أَوْ " إلَى أَنْ " وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا لَجَزَمَهُ فَقَالَ أَوْ يَقُلْ (لَا) فِي (بَيْعٍ مِنْهُ وَ) لَا (بَيْعٍ ضِمْنِيٍّ) لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا الْعِتْقُ (وَ) لَا فِي (قِسْمَةِ غَيْرِ رَدٍّ وَ) لَا فِي (حَوَالَةٍ)
ــ
[حاشية الجمل]
وَصُلْحِ مُعَاوَضَةٍ) خَرَجَ صُلْحُ الْحَطِيطَةِ فَإِنْ كَانَ فِي دَيْنٍ فَهُوَ إبْرَاءٌ وَإِنْ كَانَ فِي عَيْنٍ فَهُوَ هِبَةٌ بِلَا ثَوَابٍ وَسَيَأْتِيَانِ فِي كَلَامِهِ وَقَوْلُهُ عَلَى غَيْرِ مَنْفَعَةٍ خَرَجَ مَا لَوْ كَانَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ إجَارَةٌ وَسَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ وَقَوْلُهُ أَوْ دَمٍ عَمْدٍ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ الْمَنْفِيَّةِ فَهُوَ مَنْفِيٌّ أَيْضًا فَغَيْرُ مُسَلَّطَةٍ عَلَيْهِ وَالْمُرَادُ بِغَيْرِ دَمِ الْعَمْدِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ فَمَعْنَى الْعِبَارَةِ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الدِّيَةِ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ صَحِيحٌ وَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ وَهُوَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مُعْتَمَدِ الشَّارِحِ الْآتِي فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ مِنْ أَنَّ إبِلَ الدِّيَةِ مَعْلُومَةٌ بِالسِّنِّ وَالصِّفَةِ وَصُورَةُ الصُّلْحِ عَلَيْهَا أَنَّ زَيْدًا ادَّعَى عَلَى عَمْرٍو دَارًا مَثَلًا وَالْحَالُ أَنَّ عَمْرًا اسْتَحَقَّ عَلَى زَيْدٍ دِيَةَ قَتْلِ الْخَطَأِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ لِكَوْنِهِ أَيْ زَيْدٍ قَتَلَ مُوَرِّثَ عَمْرٍو فَقَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو صَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ الَّتِي أَدَّعِيهَا عَلَيْكَ عَلَى الدِّيَةِ الَّتِي تَسْتَحِقُّهَا عَلَيَّ أَيْ تَرَكْتُ لَك الدَّارَ وَأَخَذْت الدِّيَةَ أَيْ سَقَطَتْ عَنِّي وَخَرَجَ الصُّلْحُ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ لَكِنْ لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهُ فِي الْمَعْنَى عَفْوٌ عَنْ الْقَوَدِ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ غَيْرُ مَحْضَةٍ وَصُورَتُهُ أَنَّ زَيْدًا ادَّعَى عَلَى عَمْرٍو دَارًا مَثَلًا وَالْحَالُ أَنَّهُ أَيْ زَيْدًا قَتَلَ مُوَرِّثَ عَمْرٍو عَمْدًا فَقَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو صَالَحْتُك مِنْ الدَّارِ الَّتِي أَدَّعِيهَا عَلَيْك عَلَى الْقَوَدِ الَّذِي تَسْتَحِقُّهُ عَلَيَّ أَيْ تَرَكْتُ لَك الدَّارَ وَأَخَذْتُ الْقَوَدَ أَيْ سَقَطَ عَنِّي فَتَلَخَّصَ أَنَّ مَعْنَى الْعِبَارَةِ أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى دَمِ الْعَمْدِ صَحِيحٌ وَلَا خِيَارَ فِيهِ وَهَذَا مَنْفِيٌّ مِنْ الْعِبَارَةِ بِتَسْلِيطِ لَفْظِ غَيْرِ عَلَيْهِ وَإِنَّ الْخَطَأَ وَشِبْهَ الْعَمْدِ يَصِحُّ الصُّلْحُ فِيهِمَا وَفِيهِمَا الْخِيَارُ وَهَذَا ثَابِتٌ فِي الْعِبَارَةِ إذْ هُوَ مَنْطُوقُ النَّفْيِ بِغَيْرِ تَأَمُّلٍ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي
(قَوْلُهُ وَهِبَةٍ بِثَوَابٍ) أَيْ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا بَيْعٌ حَقِيقِيٌّ فَفِيهَا الْخِيَارُ وَقَوْلُهُ خِلَافًا لِظَاهِرِ مَا فِي الْأَصْلِ أَيْ مِنْ أَنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعًا وَلَا خِيَارَ فِيهَا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ ذَكَرَهَا فِي خِلَالِ أَقْسَامٍ غَيْرَ الْبَيْعِ حَيْثُ قَالَ وَلَا خِيَارَ فِي الْإِبْرَاءِ وَالنِّكَاحِ وَالْهِبَةِ بِلَا ثَوَابٍ وَكَذَا ذَاتُ الثَّوَابِ وَالشُّفْعَةِ وَالْإِجَارَةِ فَهَذَا الصَّنِيعُ ظَاهِرُهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعًا وَلَا خِيَارَ فِيهَا وَيُحْتَمَلُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ بَيْعًا وَلَا خِيَارَ فِيهَا فَيَكُونَ ذِكْرُهُ لَهَا فِي خِلَالِ أَقْسَامِ غَيْرِ الْبَيْعِ مِنْ حَيْثُ مُشَارَكَتُهَا لَهُ فِي عَدَمِ الْخِيَارِ وَعَلَى هَذَا يُنْظَرُ مَا وَجْهُ قَوْلِ الشَّارِحِ خِلَافًا لِظَاهِرِ مَا فِي الْأَصْلِ مَعَ أَنَّك قَدْ عَلِمْت أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْ الظَّاهِرِ وَغَيْرِهِ نَفَى الْخِيَارَ عَنْهَا وَالْغَرَضُ إثْبَاتُهُ فِيهَا فَكَانَ عَلَيْهِ إسْقَاطُ لَفْظَةِ الظَّاهِرِ وَيَقُولُ خِلَافًا لِمَا فِي الْأَصْلِ. تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ الْبَيِّعَانِ) تَثْنِيَةُ بَيِّعٍ وَالْمُرَادُ بِهِمَا الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فَهُوَ مِنْ إطْلَاقِ الْبَيْعِ عَلَى الشِّرَاءِ فَفِي الْمُخْتَارِ يُقَالُ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بَيِّعَانِ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَقَوْلُهُ بِالْخِيَارِ أَيْ مُلْتَبِسَانِ بِهِ وَقَوْلُهُ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا مَا مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ وَقَوْلُهُ يَتَفَرَّقَا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ التَّفَرُّقُ مِنْهُمَا أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا وَقَوْلُهُ أَوْ يَقُولَ إلَخْ أَيْ فَإِذَا قَالَ الْأَحَدُ مَا ذُكِرَ بَطَلَ خِيَارُهُ وَبَقِيَ خِيَارُ الْآخَرِ كَمَا سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اخْتَرْ أَوْ خَيَّرْتُكَ إلَخْ. تَأَمَّلْ
(قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا لَجَزَمَهُ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر لَا بِالْعَطْفِ وَإِلَّا لَقَالَ يَقُلْ بِالْجَزْمِ وَهُوَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْقَصْدَ اسْتِثْنَاءُ الْقَوْلِ مِنْ عَدَمِ التَّفَرُّقِ أَوْ جَعْلُهُ غَايَةً لَهُ لَا مُغَايِرَتُهُ لَهُ الصَّادِقَةُ بِوُجُودِ الْقَوْلِ مَعَ التَّفَرُّقِ انْتَهَتْ.
وَعِبَارَةُ ح ل وَقَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا لَجَزَمَهُ إلَخْ أَيْ عَلَى أَنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى غَيْرُ صَحِيحٍ أَيْضًا إذْ يَصِيرُ التَّقْدِيرُ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مُدَّةَ عَدَمِ أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ لَهُمَا عِنْدَ عَدَمِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْآخَرِ وَهُوَ فَاسِدٌ وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى مَا هُوَ أَصْلُ اللُّغَةِ مِنْ أَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ بَعْدَ النَّفْيِ يَكُونُ نَفْيًا لِأَحَدِهِمَا لَا عَلَى مَا قَرَّرَهُ الرَّضِيُّ مِنْ أَنَّهُ بِحَسْبِ الِاسْتِعْمَالِ يَكُونُ نَفْيًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا انْتَهَتْ وَفِي ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مَعْطُوفًا إلَخْ فِيهِ تَسْلِيمُ صِحَّةِ الْعَطْفِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِهَذَا عَزَاهُ الشَّارِحُ لِقَائِلِهِ لِيَبْرَأَ مِنْهُ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ لِاقْتِضَائِهِ خِلَافَ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ نَفْيُ الْخِيَارِ لِوُجُودِ أَحَدِهِمَا وَالْعَطْفُ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ وَقَوْلُ بَعْضِهِمْ إنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ بَعْدَ النَّفْيِ يَتَوَجَّهُ إلَى نَفْيِهِمَا مَعًا هُوَ اسْتِعْمَالٌ عُرْفِيٌّ وَلَا يَصِحُّ هُنَا أَيْضًا وَأَصْلُ اللُّغَةِ وَاسْتِعْمَالِهَا الْأَوَّلُ فَتَأَمَّلْ اهـ.
(قَوْلُهُ لَا فِي بَيْعِ عَبْدٍ مِنْهُ) الْمُعْتَمَدَ وِفَاقًا لِشَيْخِنَا م ر فِيمَا لَوْ بَاعَ الْعَبْدَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ وَكَذَا الْبَيْعُ الضِّمْنِيُّ بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَى مَنْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ دُونَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ مِنْ جِهَتِهِ افْتِدَاءٌ اهـ. سَمِّ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ بِعْتُك فَأَنْت حُرٌّ فَبَاعَهُ عَتَقَ لِأَنَّ عِتْقَ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ نَافِذٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ اهـ. رَوْضٌ
(قَوْلُهُ لِأَنَّ مَقْصُودَهُمَا الْعِتْقُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute