للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَعَمَلًا بِخَبَرِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم

ــ

[حاشية الجمل]

الْأَوَّلِ وَقَوْلُهُ وَجَمَعْت بَيْنَ الابتداءين أَيْ لَمْ أَقْتَصِرْ عَلَى أَحَدِهِمَا هَذِهِ صُورَةُ الثَّانِي وَقَوْلُهُ وَقَدَّمْت إلَخْ هَذِهِ صُورَةُ الثَّالِثِ وَتَقْرِيرُهُ ظَاهِرٌ وَهَذَا الْفَهْمُ أَسْهَلُ وَأَوْفَقُ بِكَلَامِ الشَّارِحِ فَلَا يَرِدُ مَا فِي الْحَوَاشِي فِي تَقْرِيرِ هَذَا الْمَقَامِ كَالْحَلَبِيِّ اهـ شَيْخُنَا وَعِبَارَتُهُ قَوْلُهُ وَابْتَدَأْت بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ أَيْ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَجْهِ الَّذِي جَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ جَمْعُهُمَا مِنْ غَيْرِ فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ جَمْعَهُمَا كَذَلِكَ سَيَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَجَمَعْت بَيْنَ الابتداءين إلَخْ وَبِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْوَجْهِ الَّذِي جَاءَا عَلَيْهِ مَجْمُوعَيْنِ وَهُوَ تَقْدِيمُ الْبَسْمَلَةِ وَتَأْخِيرُ الْحَمْدَلَةِ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ وَقَدَّمْت الْبَسْمَلَةَ إلَخْ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ وَابْتَدَأْت إلَخْ) فِي الْمِصْبَاحِ وَبَدَأْت الشَّيْءَ وَبِالشَّيْءِ أَبْدَأُ بِهَمْزِ الْكُلِّ وَابْتَدَأْت بِهِ قَدَّمْتُهُ وَأَبْدَأْتُهُ لُغَةٌ وَالْبُدَاءَةُ بِالْكَسْرِ وَالْمَدِّ وَضَمُّ الْأَوَّلِ لُغَةً اسْمٌ مِنْهُ أَيْضًا وَالْبِدَايَةُ بِالْيَاءِ مَكَانَ الْهَمْزِ عَامِّيٌّ نَصَّ عَلَيْهِ ابْنُ بَرِّيٍّ وَجَمَاعَةٌ اهـ ثُمَّ رَأَيْت فِي الشَّنَوَانِيِّ عَلَى الشَّيْخِ خَالِدٍ مَا نَصُّهُ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمُبْتَدِئِ الْهَمْزُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ ابْتَدَأَ بِالْهَمْزَةِ وَيَجُوزُ بِغَيْرِ هَمْزٍ عَلَى أَنَّهُ فَاعِلٌ مِنْ ابْتَدَى بِغَيْرِ هَمْزٍ وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ الْأَحْسَنُ هُنَا لِمُشَاكَلَتِهِ الْمُنْتَهِيَ وَهِيَ لُغَةٌ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ يَقُولُونَ بَدِينَا بِمَعْنَى بَدَأْنَا وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ وَهِيَ أَنَّ مَصْدَرَ بَدَأَ الْمَهْمُوزِ بُدَاءَةٌ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَالْهَمْزِ وَالْمَدِّ وَبَدْءٌ وَمَصْدَرُ غَيْرِ الْمَهْمُوزِ بِدَايَةٌ بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ بِغَيْرِ الْهَمْزِ لَا مِنْ أَجْلِ اللُّغَةِ الْمَذْكُورَةِ بَلْ لِأَنَّهُ قَدْ حُكِيَ أَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَتْرُكُ الْهَمْزَ فِي كُلِّ مَا يُهْمَزُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْهَمْزَةُ مَبْدُوءً بِهَا ذَكَرَ ذَلِكَ الْأَخْفَشُ اهـ. (قَوْلُهُ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَعَمَلًا إلَخْ) عَبَّرَ فِي جَانِبِ الْكِتَابِ بِالِاقْتِدَاءِ.

وَفِي الْحَدِيثِ بِالْعَمَلِ لِأَنَّ الْكِتَابَ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِطَلَبِ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَإِنَّمَا كَانَا فِي أَوَّلِهِ فَنَاسَبَ التَّعْبِيرُ فِي جَانِبِهِ بِالِاقْتِدَاءِ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ لَمَّا كَانَ فِيهِ طَلَبُ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ تَنَاسَبَ التَّعْبِيرُ فِي جَانِبِهِ بِالْعَمَلِ اهـ ع ش وَقَوْلُهُ لَمَّا كَانَ فِيهِ طَلَبُ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ أَيْ ضِمْنًا وَلُزُومًا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَ بِذَمِّ الْأَمْرِ الْمُبْتَدَأَةِ بِدُونِهِمَا اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ النَّهْيَ عَنْ تَرْكِهِمَا فِي الِابْتِدَاءِ وَالنَّهْيُ عَنْ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ الْأَمْرَ بِضِدِّهِ فَلَزِمَ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِالْبُدَاءَةِ بِهِمَا هَذَا مُرَادُ الْمُحَشِّي كَمَا لَا يَخْفَى.

(قَوْلُهُ وَعَمَلًا بِخَبَرِ) الْخَبَرُ بِلَا تَنْوِينٍ لِإِضَافَتِهِ إلَى مَا بَعْدَهُ إضَافَةً بَيَانِيَّةً أَوْ مِنْ إضَافَةِ الْأَعَمِّ لِلْأَخَصِّ وَبِالتَّنْوِينِ عَلَى إبْدَالِ مَا بَعْدَهُ مِنْهُ أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ هُوَ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ كُلُّ أَمْرٍ) لَفْظُ كُلِّ مُفْرَدٌ وَمَعْنَاهَا بِحَسَبِ مَا تُضَافُ إلَيْهِ فَإِنْ أُضِيفَتْ إلَى مُذَكَّرٍ رَجَعَ الضَّمِيرُ إلَيْهَا مُذَكَّرًا كَمَا هُنَا وَمِنْهُ قَوْلُ بَعْضِهِمْ

إذَا الْمَرْءُ لَمْ يَدْنَسْ مِنْ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ ... فَكُلُّ رِدَاءٍ يَرْتَدِيهِ جَمِيلٌ

وَمِنْ التَّأْنِيثِ {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: ٣٨] وَهِيَ مُبْتَدَأٌ مُضَافَةٌ إلَى أَمْرٍ وَالْأَمْرُ بِمَعْنَى الْحَالِ يُقَالُ أَمْرٌ سَلِيمٌ أَيْ حَالٌ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَقَوْلُهُ بِمَعْنَى الْحَالِ لَيْسَ بِظَاهِرٍ كَمَا لَا يَخْفَى فَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ بِمَعْنَى الشَّيْءِ وَإِضَافَةُ كُلِّ إلَى أَمْرٍ عَلَى مَعْنَى اللَّامِ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الْحَلَبِيِّ وَنَصُّهَا وَلَا يَلْزَمُ صِحَّةِ التَّصْرِيحِ بِهَا أَيْ بِاللَّامِ بَلْ يَكْفِي إفَادَةُ الِاخْتِصَاصِ الَّذِي هُوَ مَدْلُولُ اللَّامِ فَقَوْلُك يَوْمَ الْأَحَدِ وَعِلْمُ الْفِقْهِ وَشَجَرُ الْأَرَاكِ بِمَعْنَى اللَّامِ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ إظْهَارُهَا فِيهِ وَبِهَذَا الْأَصْلِ يَنْدَفِعُ الْإِشْكَالُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ مَوَادِّ الْإِضَافَةِ اللَّامِيَّةِ وَلَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّكَلُّفَاتِ الْبَعِيدَةِ مِثْلُ: كُلُّ رَجُلٍ وَكُلُّ وَاحِدٍ اهـ وَقَالَ الْحَفِيدُ: لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِنَا الْإِضَافَةُ بِمَعْنَى اللَّامِ أَوْ بِمَعْنَى مِنْ أَنَّ اللَّامَ وَمِنْ مُقَدَّرَةٌ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّ الْمُضَافَ إنَّمَا عَمِلَ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْحَرْفِ لِأَنَّ الْأَسْمَاءَ الْمَحْضَةَ لَا حَظَّ لَهَا فِي الْعَمَلِ اهـ حف.

(قَوْلُهُ ذِي بَالٍ) أَيْ حَالٍ يُهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا اهـ خَطِيبٌ وَمَعْنَى اهْتِمَامِ الشَّارِعِ بِهِ طَلَبُهُ إيَّاهُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا أَوْ تَخْيِيرُهُ فِيهِ فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَلَيْسَ مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا وَقَوْلُهُ لَا يُبْدَأُ فِيهِ نَائِبُ فَاعِلِ يُبْدَأُ ضَمِيرٌ مُسْتَتِرٌ فِيهِ يَعُودُ عَلَى الْأَمْرِ نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ فِيهِ فِي تَعْلِيلِيَّةٌ أَيْ لَا يُبْدَأُ هُوَ لِأَجْلِ نَفْسِهِ وَبِسَبَبِ نَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ فِي الْحَدِيثِ مَا إذَا اقْتَرَنَ الشُّرُوعُ فِي الْأَكْلِ وَالسَّفَرِ وَبَسْمَلَ قَاصِدًا الْأَكْلَ فَقَطْ فَالسَّفَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يُقَالُ: إنَّهُ خَالٍ عَنْ هَذِهِ الْبَسْمَلَةِ لِأَنَّهُ وَإِنْ بُدِئَ بِهَا لَكِنَّ الْبُدَاءَة بِهَا لَيْسَتْ لِأَجْلِهِ بَلْ لِأَجْلِ الْأَكْلِ فَالسَّفَرُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ دَاخِلٌ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ قَلِيلُ الْبَرَكَةِ وَقِسْ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرَهَا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ أَيْضًا ذِي بَالٍ) يُطْلَقُ الْبَالُ عَلَى الْقَلْبِ وَيُطْلَقُ عَلَى الْحَالِ الَّذِي يُهْتَمُّ بِهِ شَرْعًا لَكِنَّهُ عَامٌّ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَسْمَلَةِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَمْدَلَةِ فَهُوَ خَاصٌّ بِالْأَقْوَالِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَامًّا لَاقْتَضَى طَلَبَ الْحَمْدَلَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>