الْآخَرِ نَزَعَ لِبَاسَهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} [النساء: ٤] وَالْأَمْرُ بِهِ فِي خَبَرِ الْبُخَارِيِّ «فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ بِقَوْلِهِ لَهُ اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً» (هُوَ فِرْقَةٌ) ، وَلَوْ بِلَفْظِ مُفَادَاةٍ (بِعِوَضٍ) مَقْصُودٍ رَاجِعٍ (لِجِهَةِ زَوْجٍ) هَذَا الْقَيْدُ مِنْ زِيَادَتِي فَيَشْمَلُ ذَلِكَ رُجُوعَ الْعِوَضِ لِلزَّوْجِ وَلِسَيِّدِهِ وَمَا لَوْ خَالَعَتْ بِمَا ثَبَتَ لَهَا عَلَيْهِ مِنْ قَوَدٍ أَوْ غَيْرِهِ
ــ
[حاشية الجمل]
مِنْهُمَا يَسْتُرُ صَاحِبَهُ عَمَّا يَكْرَهُ مِنْ الْفَوَاحِشِ كَمَا يَسْتُرُ الثَّوْبُ الْعَوْرَةَ اهـ ابْنُ يَعْقُوبَ عَلَى الْمُخْتَصَرِ. (قَوْلُهُ نَزَعَ لِبَاسَهُ) هَذَا يَتَأَتَّى فِي كُلِّ فُرْقَةٍ كَالطَّلَاقِ وَالْفَسْخِ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ كُلَّ فُرْقَةٍ تُسَمَّى خُلْعًا وَأُجِيبَ بِأَنَّ عِلَّةَ التَّسْمِيَةِ لَا تُوجِبُ التَّسْمِيَةَ اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا} [النساء: ٤] أَيْ، وَلَوْ فِي مُقَابَلَةِ فَكِّ الْعِصْمَةِ وَأَصْرَحُ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ الِاسْتِدْلَال بِهَا عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْمُفَادَاةِ مِنْ صَرَائِحِ الْخُلْعِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ فِي امْرَأَةِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ) أَيْ حَيْثُ طَلَبَتْ مِنْهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا عَلَى حَدِيقَتِهَا الَّتِي أَصْدَقَهَا إيَّاهَا فَفَعَلَ، وَهُوَ أَوَّلُ خُلْعٍ وَقَعَ فِي الْإِسْلَامِ اهـ ح ل. (قَوْلُهُ هُوَ فُرْقَةٌ) أَيْ لَفْظٌ مُحَصِّلٌ لِلْفُرْقَةِ. وَقَوْلُهُ بِعِوَضٍ إلَخْ أَمَّا فُرْقَةٌ بِلَا عِوَضٍ أَوْ بِعِوَضٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ كَدَمٍ أَوْ مَقْصُودٍ رَاجِعٍ لِغَيْرِ مَنْ ذَكَرَ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ خُلْعًا بَلْ يَكُونُ رَجْعِيًّا اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ، وَلَوْ بِلَفْظِ مُفَادَاةٍ) غَايَةٌ لِلتَّعْمِيمِ إذْ الْخِلَافُ فِيهَا فِي الصَّرَاحَةِ وَعَدَمِهَا، وَهُوَ لَيْسَ بِصَدَدِهِ الْآنَ.
وَقَوْلُهُ بِعِوَضٍ أَيْ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ لِأَجْلِ أَنْ يَشْمَلَ قَوْلَهُ فِيمَا يَأْتِي فَلَوْ جَرَى بِلَا عِوَضٍ إلَخْ وَأَيْضًا قَوْلُهُ بِعِوَضٍ أَيْ، وَلَوْ تَقْدِيرًا لِيَشْمَلَ مَا لَوْ خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي كَفِّهَا أَوْ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِمَّا عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ وَلَا عَلَيْهِ شَيْءٌ فَقَوْلُهُ بِعِوَضٍ يُؤَوَّلُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ اهـ شَيْخُنَا، وَلَوْ أَرَادَ التَّنْبِيهَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُنَاسِبِ لِلْمَقَامِ لَقَالَ، وَلَوْ بِلَفْظِ خُلْعٍ لِلرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ لَفْظَهُ لَيْسَ طَلَاقًا، وَإِنَّمَا هُوَ صِيغَةُ فَسْخٍ لَا تُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ.
وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ الْمَحَلِّيِّ فِي أَوَّلِ مَبْحَثِ الصِّيغَةِ الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الْخُلْعِ طَلَاقٌ يُنْقِصُ الْعَدَدَ فَإِذَا خَالَعَهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ يَنْكِحْهَا إلَّا بِمُحَلِّلٍ وَفِي قَوْلِهِ فَسْخٍ لَا يُنْقِصُ عَدَدًا وَيَجُوزُ تَجْدِيدُ النِّكَاحِ بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ انْتَهَتْ. وَقَوْلُهُ وَفِي قَوْلٍ فَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدًا وَبِهِ قَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَأَفْتَى بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَفْتَى بِهِ الْبُلْقِينِيُّ مُتَكَرِّرًا وَمَحَلُّ كَوْنِهِ لَا يُنْقِصُ عَدَدًا إذَا لَمْ يَنْوِ بِهِ الطَّلَاقَ؛ لِأَنَّهُ كِنَايَةٌ اهـ ق ل عَلَيْهِ. وَأَمَّا لَفْظُ الْمُفَادَاةِ فَالْخِلَافُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِي الصَّرَاحَةِ وَالْكِنَايَةِ لَا فِي كَوْنِهِ طَلَاقًا أَوْ فَسْخًا كَمَا حَقَّقَهُ الْمَحَلِّيُّ فِي فَهْمِ عِبَارَةِ الْأَصْلِ وَالْقَلْيُوبِيُّ عَلَيْهِ خِلَافًا لِمَا فَهِمَهُ م ر مِنْهَا وَاغْتَرَّ بِهِ بَعْضُ الْحَوَاشِي. (قَوْلُهُ رَاجِعٍ لِجِهَةِ زَوْجٍ) فَلَوْ رَجَعَ لَا لِجِهَةِ الزَّوْجِ كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى الْبَرَاءَةِ مِمَّا لَهَا عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ رَجْعِيٌّ وَالْبَرَاءَةُ صَحِيحَةٌ فَلَوْ خَالَعَهَا عَلَى إبْرَائِهِ وَإِبْرَاءِ غَيْرِهِ فَأَبْرَأَتْهُمَا بَرَاءَةً صَحِيحَةً بِأَنْ كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً رَشِيدَةً عَالِمَةً بِالْقَدْرِ الْمُبَرَّأِ مِنْهُ هَلْ يَقَعُ بَائِنًا نَظَرًا لِرُجُوعِ بَعْضِهِ لِلزَّوْجِ أَوْ رَجْعِيًّا نَظَرًا لِرُجُوعِ الْبَعْضِ الْآخَرِ لِغَيْرِهِ قَالَ حَجّ الْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ هَلْ يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ وَالزَّوْجِ أَوْ لَا، حُرِّرَ اهـ ح ل.
وَقَوْلُهُ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ رُجُوعَهُ لِغَيْرِ الزَّوْجِ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ مَانِعٌ لِلْبَيْنُونَةِ أَوْ غَيْرُ مُقْتَضٍ لَهَا فَعَلَى الثَّانِي الْبَيْنُونَةُ وَاضِحَةٌ، وَكَذَا عَلَى الْأَوَّلِ إذْ كَوْنُهُ مَانِعًا لَهَا إنَّمَا يَتَّجِهُ إذْ انْفَرَدَ لَا إنْ انْضَمَّ إلَيْهِ مُقْتَضٍ لَهَا كَذَا فِي التُّحْفَةِ اهـ شَوْبَرِيٌّ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ يَبْرَأُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ الْأَجْنَبِيُّ وَالزَّوْجُ؛ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ وُجِدَتْ صَحِيحَةً اهـ شَيْخُنَا عَشْمَاوِيٌّ وَصَرَّحَ بِهِ وَالْبِرْمَاوِيُّ. (قَوْلُهُ وَلِسَيِّدِهِ) أَيْ وَرُجُوعُ الْعِوَضِ لِسَيِّدِهِ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا شَرَطَ ابْتِدَاءً لِلسَّيِّدِ لَمْ يَكُنْ عِوَضًا لِجِهَةِ الزَّوْجِ فَيَقَعُ رَجْعِيًّا اهـ شَوْبَرِيٌّ. (قَوْلُهُ مِنْ قَوَدٍ أَوْ غَيْرِهِ) هَلْ مِمَّا يَصِحُّ جَعْلُهُ صَدَاقًا أَوْ، وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ جَعْلُهُ صَدَاقًا كَحَدِّ الْقَذْفِ وَالتَّعْزِيرِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْعِوَضِ الْأَعَمِّ، وَلَوْ فَاسِدًا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْفَاسِدُ مَقْصُودًا أَوْ غَيْرَ مَقْصُودٍ، ثُمَّ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْفَاسِدُ مَقْصُودًا وَقَعَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَقْصُودٍ وَقَعَ رَجْعِيًّا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ وَالتَّعْزِيرِ مِنْ الْمَقْصُودِ فَيَجِبُ فِي الْخُلْعِ عَلَيْهِمَا مَهْرُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَخْتَصُّ بِمَا يُقَابَلُ بِمَالٍ بِدَلِيلِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ اهـ ح ل، ثُمَّ رَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ فِي هَامِشِ شَرْحِ الْخَطِيبِ عَلَى غَايَةِ الِاخْتِصَارِ مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ مِنْ قَوَدٍ كَأَنْ قَتَلَ زَوْجُهَا أَبَاهَا عَمْدًا فَاسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فَخَالَعَهَا بِهِ كَأَنْ قَالَ خَالَعْتكِ بِالْقَوَدِ الَّذِي لَك عَلَيَّ فَقَبِلَتْ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَبِينُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَوَدُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ يُقَابَلُ بِمَالٍ، وَهُوَ الدِّيَةُ.
وَقَوْلُهُ أَوْ غَيْرِهِ كَحَدِّ قَذْفٍ أَوْ تَعْزِيرٍ كَأَنْ قَذَفَهَا أَوْ سَبَّهَا فَاسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ الْحَدَّ أَوْ التَّعْزِيرَ، ثُمَّ قَالَتْ لَهُ طَلِّقْنِي بِمَا ثَبَتَ لِي عَلَيْك مِنْ الْحَدِّ أَوْ التَّعْزِيرِ فَطَلَّقَهَا عَلَيْهِ فَتَبِينُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ أَوْ التَّعْزِيرُ مِنْ حَيْثُ الْعَفْوُ؛ لِأَنَّ اخْتِلَاعَهَا بِهِمَا يَتَضَمَّنُ الْعَفْوَ عَنْهُمَا وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute