فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَالْإِيلَاءِ فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ إلَى تَحْرِيمِهَا بَعْدَ الْعَوْدِ وَلُزُومِ الْكَفَّارَةِ كَمَا سَيَأْتِي وَحَقِيقَتُهُ الشَّرْعِيَّةُ تَشْبِيهُ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ فِي الْحُرْمَةِ بِمُحَرَّمَةٍ كَمَا يُؤْخَذُ مِمَّا يَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَةُ {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجادلة: ٣] وَهُوَ حَرَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجادلة: ٢] (أَرْكَانُهُ) أَرْبَعَةٌ (مُظَاهِرٌ وَمُظَاهَرٌ مِنْهَا وَمُشَبَّهٌ بِهِ وَصِيغَةٌ وَشُرِطَ فِي الْمُظَاهِرِ كَوْنُهُ زَوْجًا يَصِحُّ طَلَاقُهُ) وَلَوْ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ سَكْرَانَ فَلَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ زَوْجٍ، وَإِنْ نَكَحَ مَنْ ظَاهَرَ مِنْهَا، وَلَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ فَتَعْبِيرِي بِيَصِحُّ طَلَاقُهُ أَوْلَى مِمَّا عَبَّرَ بِهِ.
(وَ) شُرِطَ (فِي الْمُظَاهَرِ مِنْهَا كَوْنُهَا زَوْجَةً) وَلَوْ أَمَةً أَوْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً أَوْ مَرِيضَةً أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ أَوْ كَافِرَةً أَوْ رَجْعِيَّةً لَا أَجْنَبِيَّةً وَلَوْ مُخْتَلِعَةً أَوْ أَمَةً كَالطَّلَاقِ فَلَوْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ إذَا نَكَحْتُكِ فَأَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي أَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ أَنْت عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي لَمْ يَصِحَّ (وَ) شُرِطَ (فِي الْمُشَبَّهِ بِهِ كَوْنُهُ كُلَّ) أُنْثَى مُحَرَّمٍ (أَوْ جُزْءِ أُنْثَى مُحَرَّمٍ) بِنَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ
ــ
[حاشية الجمل]
لَا بِرَجْعَةٍ وَلَا بِعَقْدٍ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَمَّا جَاءَتْ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَأَظْهَرَتْ ضَرُورَتَهَا بِأَنَّ مَعَهَا مِنْ زَوْجِهَا الْأَوَّلِ أَوْلَادًا صِغَارًا إنْ ضَمَّتْهُمْ إلَى نَفْسِهَا جَاعُوا، وَإِنْ رَدَّتْهُمْ إلَى أَبِيهِمْ ضَاعُوا؛ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ عَمِيَ، وَكَبِرَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِمْ وَجَاءَ زَوْجُهَا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يُقَادُ فَلَمْ يُرْشِدْهُمْ إلَى مَا يَكُونُ سَبَبًا فِي عَوْدِهَا إلَى زَوْجِهَا بَلْ قَالَ لَهَا حَرُمْت عَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَأَرْشَدَهُ إلَى الرَّجْعَةِ أَوْ بَائِنًا تَحِلُّ لَهُ بِعَقْدٍ لَأَمَرَهُ بِتَجْدِيدِ نِكَاحِهِ فَتَوَقُّفُهُ وَانْتِظَارُهُ لِلْوَحْيِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ طَلَاقًا لَا حِلَّ بَعْدَهُ لَا بِرَجْعَةٍ وَلَا بِعَقْدٍ اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ إذَا أَرَادُوا الطَّلَاقَ أَتَوْا بِهَذَا اللَّفْظِ، وَكَذَا كَانَ ثَابِتًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى نَسَخَهُ اللَّهُ بِالْكَفَّارَةِ فِي قِصَّةِ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ كَانَتْ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَفِي شَرْحِ شَيْخِنَا «أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ فَقَالَ لَهَا أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ حَرُمْتِ عَلَيْهِ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَلَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْك الْكِتَابَ مَا ذَكَرَ الطَّلَاقَ، وَإِنَّهُ أَبُو وَلَدِي، وَأَحَبُّ النَّاسِ إلَيَّ فَقَالَ حَرُمْتِ عَلَيْهِ فَقَالَتْ أَشْكُو إلَى اللَّهِ فَاقَتِي وَوَحْدَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَرَاك إلَّا حَرُمْتِ وَلَمْ أُومَرْ فِي شَأْنِك بِشَيْءٍ فَجَعَلَتْ تُرَاجِعُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَإِذَا قَالَ لَهَا حَرُمْتِ عَلَيْهِ هَتَفَتْ وَقَالَتْ أَشْكُو إلَى اللَّهِ فَاقَتِي وَشِدَّةَ حَالِي، وَأَنَّ لِي صِبْيَةً صِغَارًا إنْ ضَمَمْتهمْ إلَيْهِ ضَاعُوا، وَإِنْ ضَمَمْتهمْ إلَيَّ جَاعُوا وَجَعَلَتْ تَرْفَعُ رَأْسَهَا إلَى السَّمَاءِ، وَكَانَ هَذَا أَوَّلَ ظِهَارٍ فِي الْإِسْلَامِ فَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمَّا قَضَى الْوَحْيُ قَالَ اُدْعِي زَوْجَك فَتَلَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ} [المجادلة: ١] الْآيَاتِ» وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِإِنْشَاءِ التَّحْرِيمِ الْحَاصِلِ بِالطَّلَاقِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فَنُسِخَ بِالْكِتَابِ قَالَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ. اهـ ح ل.
وَقِيلَ بِنْتُ حَكَمٍ وَقِيلَ اسْمُهَا جَمِيلَةُ وَخَوْلَةُ أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ وَقَدْ مَرَّ بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي خِلَافَتِهِ فَاسْتَوْقَفَتْهُ طَوِيلًا وَوَعَظَتْهُ وَقَالَتْ يَا عُمَرُ قَدْ كُنْت تُدْعَى عُمَيْرًا ثُمَّ قِيلَ لَك عُمَرُ ثُمَّ قِيلَ لَك يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُمَرُ فَإِنَّهُ مَنْ أَيْقَنَ بِالْمَوْتِ خَافَ الْفَوْتَ وَمَنْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ خَافَ الْعَذَابَ وَهُوَ وَاقِفٌ يَسْمَعُ كَلَامَهَا فَقِيلَ لَهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَتَقِفُ لِهَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْوُقُوفَ فَقَالَ وَاَللَّهِ لَوْ حَبَسَتْنِي مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ لَا زِلْتُ إلَّا لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ أَتَدْرُونَ مَنْ هَذِهِ الْعَجُوزُ هِيَ الَّتِي سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَهَا مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ أَيَسْمَعُ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَوْلَهَا وَلَا يَسْمَعُهُ عُمَرُ اهـ مِنْ الْإِعْلَام فِيمَا أُبْهِمَ مِنْ الْقُرْآنِ. (قَوْلُهُ، وَكَانَ طَلَاقًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ) قِيلَ وَفِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَيْ لَا أَنَّهَا مُعَلَّقَةٌ كَمَا يَأْتِي الْقَوْلُ بِهِ وَقَوْلُهُ فَغَيَّرَ الشَّرْعُ حُكْمَهُ الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ إلَى تَحْرِيمِهَا، أَيْ الْمُرَادُ وَقِيلَ لَمْ يَكُنْ طَلَاقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بَلْ تَبْقَى الْمَرْأَةُ مُعَلَّقَةً لَا ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا خَلِيَّةً تَنْكِحُ غَيْرَهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَهُوَ مِنْ تَصَرُّفَاتِ الشَّرْعِ الْبَدِيعَةِ الَّتِي لَا يُعْقَلُ لَهَا مَعْنًى. اهـ ح ل. (قَوْلُهُ وَهُوَ حَرَامٌ) بَلْ كَبِيرَةٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَوْدٌ؛ لِأَنَّ فِيهِ إقْدَامًا عَلَى إحَالَةِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَبْدِيلِهِ وَهَذَا أَخْطَرُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْكَبَائِرِ إذْ قَضِيَّتُهُ الْكُفْرُ لَوْلَا خُلُوُّ الِاعْتِقَادِ عَنْ ذَلِكَ أَيْ إحَالَةِ حُكْمِ اللَّهِ وَاحْتِمَالِ التَّشْبِيهِ لِذَلِكَ وَغَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فِي الْآيَةِ أَوَّلَ الْمُجَادَلَةِ النَّازِلَةِ فِي أَوْسِ بْنِ الصَّامِتِ لَمَّا ظَاهَرَ مِنْ زَوْجَتِهِ فَاشْتَكَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهَا حَرُمْتِ عَلَيْهِ، وَكَرَّرَهُ. اهـ شَرْحُ م ر.
(قَوْلُهُ وَلَوْ عَبْدًا) أَيْ، وَإِنْ لَمْ يُتَصَوَّرْ مِنْهُ الْعِتْقُ لِإِمْكَانِ تَكْفِيرِهِ بِالصَّوْمِ وَقَوْلُهُ، وَكَافِرًا أَيْ وَلَوْ ذِمِّيًّا وَحَرْبِيًّا، وَكَوْنُهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكَفَّارَةِ مَمْنُوعٌ بِإِطْلَاقِهِ إذْ فِيهَا شَائِبَةُ الْغَرَامَاتِ وَيُتَصَوَّرُ عِتْقُهُ بِنَحْوِ إرْثٍ لِمُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ أَوْ سَكْرَانَ أَيْ مُتَعَدِّيًا بِسُكْرِهِ. اهـ مِنْ شَرْحِ م ر. (قَوْلُهُ أَوْ مَجْبُوبًا) وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيلَاءِ حَيْثُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ ثَمَّ الْجِمَاعُ لَا هُنَا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا يَشْمَلُ التَّمَتُّعَ بِغَيْرِهِ. اهـ ح ل. (قَوْلُهُ كَوْنُهَا زَوْجَةً) قَدْ يُقَالُ هُوَ مَعْلُومٌ مِمَّا قَبْلَهُ وَهُوَ زَوْجٌ وَقَدْ يُقَالُ أَتَى بِهِ لِيُرَتِّبَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ وَلَوْ أَمَةً إلَخْ. اهـ ح ل وَفِي هَذَا الْجَوَابِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتِمُّ إلَّا لَوْ كَانَ الْمُوَطَّأُ لَهُ مِنْ كَلَامِ الْمَتْنِ. (قَوْلُهُ وَلَوْ مُخْتَلِعَةً) غَايَةٌ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ فَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ مَنْ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ وَقَوْلُهُ أَوْ أَمَةً أَيْ مَمْلُوكَةً لَهُ أَمَّا الْأَمَةُ الْمَنْكُوحَةُ فَيَصِحُّ الظِّهَارُ مِنْهَا كَمَا قَدَّمَهُ. اهـ شَيْخُنَا. (قَوْلُهُ أَوْ جُزْءَ أُنْثَى) أَيْ جُزْءًا ظَاهِرًا بِخِلَافِ الْبَاطِنِ كَالْكَبِدِ فَلَا يَكُونُ ظِهَارًا؛ لِأَنَّ شَرْطَ الظِّهَارِ أَنْ يُشَبِّهَ الظَّاهِرَ بِالظَّاهِرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ شَبَّهَ الْبَاطِنَ بِالْبَاطِنِ أَوْ الظَّاهِرَ بِالْبَاطِنِ أَوْ عَكْسَهُ فَلَا يَكُونُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute