للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ظَنًّا) أَيْ بِالظَّنِّ الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْعَادَةِ فِي مِثْلِهِ أَوْ مِنْ قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ، وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ حُكْمُ الْمَرَضِ الَّذِي لَا يُرْجَى زَوَالُهُ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْأَصْلُ (أَوْ لِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ) تَلْحَقُهُ بِالصَّوْمِ أَوْ بِوَلَائِهِ (وَلَوْ) كَانَتْ الْمَشَقَّةُ (بِشَبَقٍ) وَهُوَ شِدَّةُ الْغُلْمَةِ أَيْ شِدَّةُ الْوَطْءِ (أَوْ خَوْفِ زِيَادَةِ مَرَضٍ مَلَّكَ فِي) كَفَّارَةِ (ظِهَارٍ وَجِمَاعٍ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَهْلَ زَكَاةٍ مُدًّا مُدًّا) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ.

وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ تَرْكُ صَوْمِ رَمَضَانَ بِعُذْرِ الشَّبَقِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ، وَالْمِسْكِينُ شَامِلٌ لِلْفَقِيرِ كَعَكْسِهِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي قَسْمِ الزَّكَاةِ وَاخْتِيرَ التَّعْبِيرُ بِالْمِسْكِينِ تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَخَرَجَ بِأَهْلِ زَكَاةٍ غَيْرُهُ فَلَا يُجْزِئُ دَفْعُهَا لِكَافِرٍ وَلَا لِهَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ وَلَا لِمَوَالِيهِمَا وَلَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ وَلَا لِرَقِيقٍ؛ لِأَنَّهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَاعْتُبِرَ فِيهَا صِفَاتُ الزَّكَاةِ فَتَعْبِيرِي بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهِ لَا كَافِرًا وَلَا هَاشِمِيًّا وَمُطَّلِبِيًّا وَمِنْ اقْتِصَارِهِ فِي كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ عَلَى الْعِيَالِ، وَأَمَّا خَبَرُ «فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك» السَّابِقُ فِي الصَّوْمِ فَمُؤَوَّلٌ

ــ

[حاشية الجمل]

حَيْثُ لَا يُكَفِّرُ بِالصَّوْمِ؛ لِأَنَّهُ كَمَا تَقَدَّمَ يُمْكِنُهُ الْأَخْذُ فِي أَسْبَابِ إحْضَارِهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: وَهَذَا مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ) الْإِشَارَةُ لِلضَّابِطِ الْمَذْكُورِ فِي الْمَتْنِ أَيْ قَوْلُهُ: يَدُومُ شَهْرَيْنِ ظَنًّا أَيْ التَّعْوِيلُ فِي ضَابِطِ الْمَرَضِ الَّذِي يَنْقُلُهُ لِلْإِطْعَامِ عَلَى كَوْنِهِ يَدُومُ شَهْرَيْنِ ظَنًّا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ يُرْجَى بُرْؤُهُ أَوْ لَا، هُوَ مَا صَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَمُقَابِلُهُ التَّعْوِيلُ فِي الضَّابِطِ عَلَى كَوْنِهِ يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَقَوْلُهُ: وَيُؤْخَذُ مِنْهُ إلَخْ أَيْ فَهُوَ مِنْ الَّذِي يَدُومُ شَهْرَيْنِ ظَنًّا فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ فَيُنْقَلُ لِلْإِطْعَامِ.

وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمِ لِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ قَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ وَقَالَ الْأَقَلُّونَ كَالْإِمَامِ وَمَنْ تَبِعَهُ وَصَحَّحَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ يُعْتَبَرُ دَوَامُهُ فِي ظَنِّهِ مُدَّةَ شَهْرَيْنِ بِالْعَادَةِ الْغَالِبَةِ فِي مِثْلِهِ أَوْ بِقَوْلِ الْأَطِبَّاءِ وَالْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءُ بِعَدْلٍ مِنْهُمْ. انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: أَوْ لِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ) أَيْ لَا تُحْتَمَلُ عَادَةً وَلَوْ لَمْ تُبِحْ التَّيَمُّمَ فِيمَا يَظْهَرُ وَيُؤَيِّدُهُ تَمْثِيلُهُمْ لَهَا بِالشَّبَقِ نَعَمْ غَلَبَةُ الْجُوعِ لَيْسَتْ عُذْرًا ابْتِدَاءً لِفَقْدِهِ حِينَئِذٍ فَيَلْزَمُهُ الشُّرُوعُ فِي الصَّوْمِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ أَفْطَرَ وَانْتَقَلَ لِلْإِطْعَامِ بِخِلَافِ الشَّبَقِ لِوُجُودِهِ عِنْدَ الشُّرُوعِ إذْ هُوَ شِدَّةُ الْغُلْمَةِ وَلَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّوْمِ فِي الشِّتَاءِ وَنَحْوِهِ دُونَ الصَّيْفِ فَلَهُ الْعُدُولُ إلَى الْإِطْعَامِ لِعَجْزِهِ الْآنَ عَنْ الصَّوْمِ كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنْ الْإِعْتَاقِ الْآنَ وَعَرَفَ أَنَّهُ لَوْ صَبَرَ قَدَرَ عَلَيْهِ جَازَ لَهُ الْعُدُولُ إلَى الصَّوْمِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ. اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: وَهُوَ شِدَّةُ الْغُلْمَةِ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ أَيْ شِدَّةُ الْحَاجَةِ إلَى الْوَطْءِ كَمَا مَرَّ، وَإِنَّمَا لَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا فِي رَمَضَانَ لِجَوَازِ الْوَطْءِ فِيهِ لَيْلًا وَلِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ يَنْتَقِلُ إلَيْهِ. اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ.

وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالْغُلْمَةُ وِزَانُ غُرْفَةٍ: شِدَّةُ الشَّهْوَةِ وَغَلِمَ غَلَمًا مِنْ بَابِ تَعِبَ إذَا اشْتَدَّ شَبَقُهُ وَاغْتَلَمَ الْبَعِيرُ إذَا هَاجَ مِنْ شِدَّةِ شَهْوَةِ الضِّرَابِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ لَا يُقَالُ فِي غَيْرِ الْإِنْسَانِ اغْتَلَمَ وَالْغَيْلَمُ مِثْلُ زَيْنَبَ ذَكَرُ السَّلَاحِفِ.

اهـ وَفِيهِ أَيْضًا شَبِقَ الرَّجُلُ شَبَقًا فَهُوَ شَبِقٌ مِنْ بَابِ تَعِبَ هَاجَتْ بِهِ شَهْوَةُ النِّكَاحِ وَامْرَأَةٌ شَبِقَةٌ وَرُبَّمَا وُصِفَ غَيْرُ الْإِنْسَانِ بِهِ اهـ. (قَوْلُهُ: مَلَّكَ فِي كَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَجِمَاعٍ إلَخْ) وَقِيَاسُ الزَّكَاةِ الِاكْتِفَاءُ بِالدَّفْعِ وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ لَفْظُ تَمْلِيكٍ وَاقْتِضَاءُ الرَّوْضَةِ اشْتِرَاطَهُ اسْتَبْعَدَهُ الْأَذْرَعِيُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَقْتَضِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ فِي صُورَةٍ خَاصَّةٍ كَمَا يُعْرَفُ بِتَأَمُّلِهَا، وَلَوْ جَمَعَ السِّتِّينَ وَوَضَعَ الطَّعَامَ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَقَالَ مَلَّكْتُكُمْ هَذَا فَقَبِلُوهُ أَجْزَأَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالسَّوِيَّةِ وَلَهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ يَقْتَسِمُوهُ بِالتَّفَاوُتِ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ خُذُوهُ وَنَوَى الْكَفَّارَةَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُجْزِئُ إذَا أَخَذُوهُ بِالسَّوِيَّةِ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ إلَّا مَنْ أَخَذَ مُدًّا دُونَ مَنْ أَخَذَ دُونَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ الْأُولَى فِيهَا الْمِلْكُ وَالْقَبُولُ الْوَاقِعُ بِهِ التَّسَاوِي قَبْلَ الْأَخْذِ وَالْمِلْكُ فِي الثَّانِيَةِ إنَّمَا هُوَ بِالْأَخْذِ فَاشْتُرِطَ فِيهِ التَّسَاوِي تَأَمَّلْ. اهـ ح ل وَفِي ق ل عَلَى الْجَلَالِ وَلَوْ دَفَعَ الْأَمْدَادَ لِلْإِمَامِ فَتَلِفَتْ قَبْلَ دَفْعِهَا لِلْمَسَاكِينِ لَمْ يُجْزِهِ إذْ لَا يَدَ لِلْإِمَامِ عَلَى الْكَفَّارَاتِ وَلَوْ دَفَعَ الْمُكَفِّرُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدًّا ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَدَفَعَهُ لِآخَرَ ثُمَّ اشْتَرَاهُ وَدَفَعَهُ لِآخَرَ وَهَكَذَا إلَى تَمَامِ السِّتِّينَ كَفَى، وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا.

(فَائِدَةٌ) . ذَكَرَ بَعْضُهُمْ حِكْمَةً لِكَوْنِهِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَهِيَ مَا قِيلَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ سِتِّينَ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ الْمُخْتَلِفَةِ كَالْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ وَالْأَسْوَدِ وَالسَّهْلِ وَالْوَعْرِ وَالْحُلْوِ وَالْعَذْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُ أَوْلَادِهِ كَذَلِكَ فَكَأَنَّ الْمُكَفِّرَ عَمَّ جَمِيعَ الْأَنْوَاعِ بِصَدَقَتِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ تَكُونَ حِكْمَةُ كَوْنِ الصَّوْمِ سِتِّينَ يَوْمًا كَذَلِكَ. (قَوْلُهُ: وَلَا لِهَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر فِي قَسْمِ الزَّكَاةِ، وَكَالزَّكَاةِ كُلُّ وَاجِبٍ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُسْلَكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ عَلَى أَوْجَهِ احْتِمَالَيْنِ كَمَا يُؤْخَذُ تَرْجِيحُ ذَلِكَ مِنْ إفْتَاءِ الْوَالِدِ بِأَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْأُضْحِيَّةُ الْوَاجِبَةُ وَالْجَزَاءُ الْوَاجِبُ مِنْ أُضْحِيَّةِ التَّطَوُّعِ، وَحَرُمَ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْكُلُّ؛ لِأَنَّ مَقَامَهُ أَشْرَفُ وَحَلَّتْ لَهُ الْهَدِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا شَأْنُ الْمُلُوكِ بِخِلَافِ الصَّدَقَةِ. انْتَهَتْ. (قَوْلُهُ: وَلَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ) أَيْ إنْ كَفَّرَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنْ كَفَّرَ عَنْهُ غَيْرُهُ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا هُوَ أَيْ الْمُكَفَّرُ عَنْهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَعِيَالُهُ كَمَا مَرَّ فِي الصَّوْمِ. اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. (قَوْلُهُ: وَلَا لِمَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ) هِيَ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَقَالَ فِي التَّجْرِيدِ الصَّوَابُ حَذْفُ الْهَاءِ لِتَتَنَاوَلَ مَنْ يَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْمُكَفِّرِ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ. اهـ سم. (قَوْلُهُ: وَلَا لِرَقِيقٍ) أَيْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ لِأَنَّ الدَّفْعَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ. اهـ شَرْحُ م ر. (قَوْلُهُ: فَمُؤَوَّلٌ) أَيْ بِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَعَ بَقَاءِ الْكَفَّارَةِ فِي ذِمَّةِ الْأَعْرَابِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>