للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَسِحْرٍ وَمُثَقَّلٍ فَهِيَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْجِرَاحِ وَالْأَصْلُ فِيهَا آيَاتٌ كَآيَةِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ} [البقرة: ١٧٨] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِي وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ»

ــ

[حاشية الجمل]

حَقُّ اللَّهِ بِالتَّوْبَةِ وَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ بِالِاسْتِيفَاءِ أَوْ الصُّلْحِ وَالْعَفْوِ، وَبَقِيَ حَقٌّ لِلْمَقْتُولِ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ وَيُصْلِحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ اهـ وَهُوَ لَا يُنَافِي قَوْلَهُ لَا تَبْقَى مُطَالَبَةٌ أُخْرَوِيَّةٌ لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّ عَدَمَ الْمُطَالَبَةِ لِتَعْوِيضِ اللَّهِ إيَّاهُ عَنْهُ اهـ ع ش عَلَيْهِ، وَأَمَّا لَوْ سَلَّمَ الْقَاتِلُ نَفْسَهُ اخْتِيَارًا مِنْ غَيْرِ نَدَمٍ وَلَا تَوْبَةٍ أَوْ قُتِلَ كَرْهًا فَيَسْقُطُ حَقُّ الْوَارِثِ فَقَطْ، وَيَبْقَى حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ لَا يُسْقِطُهُ إلَّا التَّوْبَةُ كَمَا عَلِمْت، وَيَبْقَى حَقُّ الْمَقْتُولِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الْقَاتِلِ، وَيُطَالِبُهُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُقَالُ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ مِثْلَ مَا تَقَدَّمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ نَفْسَهُ تَائِبًا.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر فِي فَصْلِ الْكَفَّارَةِ الْآتِي نَصُّهَا وَالْقَصْدُ مِنْهَا أَيْ الْكَفَّارَةِ تَدَارُكُ مَا فَرَّطَ مِنْ التَّقْصِيرِ وَهُوَ فِي الْخَطَأِ الَّذِي لَا إثْمَ فِيهِ تَرْكُ التَّثَبُّتِ مَعَ خَطَرِ الْأَنْفُسِ انْتَهَتْ.

(فَائِدَةٌ)

الْقَتْلُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ وَاجِبٌ وَحَرَامٌ وَمَكْرُوهٌ وَمَنْدُوبٌ وَمُبَاحٌ، فَالْأَوَّلُ قَتْلُ الْمُرْتَدِّ إذَا لَمْ يَتُبْ وَالْحَرْبِيِّ إذَا لَمْ يُسْلِمْ أَوْ يُعْطِي الْجِزْيَةَ، وَالثَّانِي قَتْلُ الْمَعْصُومِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَالثَّالِثُ قَتْلُ الْغَازِي قَرِيبَهُ الْكَافِرَ إذَا لَمْ يَسُبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنْ سَبَّهُمَا لَمْ يُكْرَهْ، وَالرَّابِعُ قَتْلُهُ إذَا سَبَّ أَحَدَهُمَا، وَالْخَامِسُ قَتْلُ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ فِيهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَأَمَّا قَتْلُ الْخَطَأِ فَلَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا حُرْمَةٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فِيمَا أَخْطَأَ فِيهِ فَهُوَ كَفِعْلِ الْمَجْنُونِ وَالْبَهِيمَةِ اهـ شَرْحُ الْخَطِيبِ قُلْتُ لَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يُرَاجَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي قَتْلِ الْإِمَامِ الْأَسِيرَ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُقْتَلُ بِالْمُصْلِحَةِ وَحَيْثُ اقْتَضَتْ الْمَصْلَحَةُ قَتْلَهُ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ قَتْلُهُ وَاجِبًا إنْ تَرَتَّبَ عَلَى عَدَمِهِ مَفْسَدَةٌ وَمَنْدُوبًا إنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ تَتَرَجَّحُ عَلَى التَّرْكِ بَلْ يُحْتَمَلُ الْوُجُوبُ مُطْلَقًا حَيْثُ ظَهَرَتْ الْمَصْلَحَةُ فِي قَتْلِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ كَسِحْرٍ وَمُثَقَّلٍ) أَيْ وَكَمَنْعِهِ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَكَإِكْرَاهِهِ عَلَى الْقَتْلِ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ فَهِيَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْجِرَاحِ) هِيَ بِكَسْرِ الْجِيمِ جَمْعُ جِرَاحَةٍ غَلَبَتْ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ طُرُقِ الزُّهُوقِ وَالْجِنَايَةُ أَعَمُّ مِنْهَا وَلِذَا آثَرَهَا غَيْرُهُ لِشُمُولِهَا الْقَتْلَ بِنَحْوِ سُمٍّ أَوْ مُثْقَلٍ أَوْ سِحْرٍ وَجَمَعَهَا لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا الْآتِيَةِ اهـ شَرْحُ م ر وَفِي الْمِصْبَاحِ وَالْجِرَاحَةُ بِالْكَسْرِ مِثْلُ الْجُرْحِ وَجَمْعُهَا جِرَاحٌ وَجِرَاحَاتٌ اهـ. (قَوْلُهُ أَيْضًا فَهِيَ أَعَمُّ مِنْ تَعْبِيرِهِ بِالْجِرَاحِ) نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَشْمَلُ السَّرِقَةَ وَالْغَصْبَ وَقَدْ يُقَالُ الْمُرَادُ الْجِنَايَةُ عَلَى الْبَدَنِ كَمَا يُشِيرُ إلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ هِيَ أَيْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْبَدَنِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهَا) أَيْ فِي الْجِنَايَةِ أَيْ فِي ثُبُوتِ الْقِصَاصِ بِهَا (قَوْلُهُ «لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» ) أَيْ لَا يَجُوزُ فَلَا يُنَافِي وُجُوبَ الْقَتْلِ بِإِحْدَى الثَّلَاثِ الْآتِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَائِزَ يَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ كَذَا فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْحَلَالَ لَا يَصْدُقُ بِالْوَاجِبِ إلَّا إذَا أُوِّلَ بِالْجَوَازِ وَيُرْشِدُ إلَيْهِ عُدُولُ الْمُصَنِّفِ فِي فَصْلِ يُكْرَهُ غَزْوٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ عَنْ قَوْلِ أَصْلِهِ، وَحَلَّ إلَى قَوْلِهِ وَجَازَ كَمَا يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ اهـ شَوْبَرِيٌّ

(قَوْلُهُ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ) قَالَ الطِّيبِيُّ وَمُسْلِمٌ صِفَةٌ مُقَيِّدَةٌ لِامْرِئٍ، وَيَشْهَدُ مَعَ مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ جَاءَتْ لِلتَّوْضِيحِ وَالْبَيَانِ أَوْ حَالٌ جِيئَ بِهِ مُقَيِّدٌ لِلْمَوْصُوفِ مَعَ صِفَتِهِ إشْعَارًا بِأَنَّ الشَّهَادَةَ هِيَ الْعُمْدَةُ فِي حَقْنِ الدَّمِ وَقَوْلُهُ الْمُفَارِقُ صِفَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلتَّارِكِ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ الثَّيِّبُ الزَّانِي) أَيْ زِنَا الزَّانِي الثَّيِّبِ، وَقَوْلُهُ وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ أَيْ قَتْلُ الْمُكَافِئِ وَهَذَا هُوَ مَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنْ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ أَيْ تَرْكُ التَّارِكِ وَهُوَ الْمُرْتَدُّ اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ) الْمُرَادُ بِهِمْ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ هُوَ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّأْكِيدِ وَقِيلَ هُوَ مِنْ بَابِ التَّأْسِيسِ؛ لِأَنَّ التَّارِكَ لِدِينِهِ قَدْ لَا يُفَارِقُ الْجَمَاعَةَ كَالْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إذَا أَسْلَمَ فَهُوَ تَارِكٌ لِدِينِهِ غَيْرُ مُفَارِقٍ لِلْجَمَاعَةِ بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لَهُمْ وَدَاخِلٌ فِيهِمْ، وَالْحَمْلُ عَلَى التَّأْسِيسِ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ عَلَى التَّأْكِيدِ كَذَا فِي كِتَابِ الذَّرِيعَةِ لِابْنِ الْعِمَادِ ثُمَّ رَأَيْت الشِّهَابَ ابْنَ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ النَّوَوِيَّةِ بَيَّنَهُ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَذَكَرَ مَعَهُ فَوَائِدَ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهَا فَرَاجِعْهُ، وَمِنْهُ أَنَّ التَّارِكَ لِدِينِهِ إمَّا بِنَحْوِ بَغْيٍ أَوْ حِرَابَةٍ أَوْ صِيَالٍ أَوْ نَحْوِ بِدْعَةٍ كَالْخَوَارِجِ الْمُتَعَرِّضِينَ لَنَا الْمُمْتَنِعِينَ مِنْ إقَامَةِ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ الْمُقَاتِلِينَ عَلَيْهِ، وَإِمَّا بِعَدَمِ ظُهُورِ شِعَارِ الْجَمَاعَةِ فِي الْفَرَائِضِ فَكُلُّ هَؤُلَاءِ تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ بِمُقَاتَلَتِهِمْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمْ تَرَكُوا دِينَهُمْ كَالْمُرْتَدِّ لَكِنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ بِأَنَّهُ بَدَّلَ كُلَّ الدِّينِ وَهَؤُلَاءِ بَدَّلُوا بَعْضَهُ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُ وَمِنْهُمْ مُفَارِقًا لِلْجَمَاعَةِ فَعُلِمَ أَنَّ بَيْنَ تَرْكِ الدِّينِ مِنْ أَصْلِهِ وَمُفَارَقَةِ الْجَمَاعَةِ عُمُومًا وَخُصُوصًا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْأَوَّلِ الثَّانِي وَلَا عَكْسَ وَبَيْنَ تَرْكِهِ لَا مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>