وَالْأَصْلُ فِيهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: ٢١٦] {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة: ٣٦] وَأَخْبَارٌ كَخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» (هُوَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ) وَلَوْ فِي عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَالْكُفَّارُ بِبِلَادِهِمْ كُلَّ عَامٍ) وَلَوْ مَرَّةً (فَرْضُ كِفَايَةٍ) لَا فَرْضُ عَيْنٍ وَإِلَّا لَتَعَطَّلَ الْمَعَاشُ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ٩٥] الْآيَةَ ذَكَرَ فَضْلَ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ وَوَعَدَ كُلًّا الْحُسْنَى وَالْعَاصِي لَا يُوعِدُهُ بِهَا وَقَالَ {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ} [التوبة: ١٢٢] وَأَمَّا أَنَّهُ فُرِضَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَيْ أَقَلُّ فَرْضِهِ ذَلِكَ فَكَإِحْيَاءِ الْكَعْبَةِ وَلِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ كُلَّ عَامٍ وَتَحْصُلُ الْكِفَايَةُ بِأَنْ يَشْحَنَ الْإِمَامُ الثُّغُورَ بِمُكَافِئِينَ لِلْكُفَّارِ مَعَ إحْكَامِ الْحُصُونِ وَالْخَنَادِقِ وَتَقْلِيدِ الْأُمَرَاءِ ذَلِكَ أَوْ بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ دَارَ الْكُفْرِ بِالْجُيُوشِ لِقِتَالِهِمْ وَخَرَجَ بِزِيَادَتَيْ بَعْدِ الْهِجْرَةِ مَا قَبْلَهَا فَكَانَ الْجِهَادُ مَمْنُوعًا مِنْهُ ثُمَّ بَعْدَهَا أُمِرَ بِقِتَالِ مَنْ قَاتَلَهُ ثُمَّ أُبِيحَ الِابْتِدَاءُ بِهِ
ــ
[حاشية الجمل]
بُعُوثُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى رَأْسِ سَبْعَةِ أَشْهُرٍ فِي رَمَضَانَ وَقِيلَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ سَنَةَ اثْنَيْنِ مِنْ الْهِجْرَةِ انْتَهَتْ وَقَوْلُهُ قَاتَلَ أَيْ فِي ثَمَانٍ مِنْهَا بِنَفْسِهِ فِيهِ نَظَرٌ فَفِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ مَا نَصُّهُ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ لَا يُعْلَمُ أَنَّهُ قَاتَلَ فِي غَزْوَةٍ إلَّا فِي أُحُدٍ وَلَمْ يَقْتُلْ أَحَدًا إلَّا أُبَيَّ بْنَ خَلَفٍ فِيهَا فَفِي قَوْلِهِ قَاتَلَ بِنَفْسِهِ شَيْءٌ فَالْمُرَادُ أَنَّ أَصْحَابَهُ قَاتَلُوا بِحُضُورِهِ فَنُسِبَ إلَيْهِ الْقِتَالُ لِحُضُورِهِ لَهُ وَأَمَّا مَا عَدَاهَا مِنْ السَّبْعِ وَالْعِشْرِينَ فَلَمْ يَقَعْ فِيهِ قِتَالٌ مِنْهُ وَلَا مِنْهُمْ اهـ
(قَوْلُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ) أَيْ فِي وُجُوبِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِهِ عَيْنِيًّا أَوْ كَفَائِيًّا وَسَيُسْتَدَلُّ عَلَى كَوْنِهِ كَفَائِيًّا بِقَوْلِهِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ} [النساء: ٩٥] إلَخْ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ «حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» ) فِيهِ أَنَّ الْكُفَّارَ يَقُولُونَهَا وَأُجِيبَ بِأَنَّ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ صَارَ عَلَمًا عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ زي وَغَيْرُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الشُّرُوطِ السِّتَّةِ الَّتِي نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ
شُرُوطُ الْإِسْلَامِ بِلَا اشْتِبَاهِ ... عَقْلٌ بُلُوغٌ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ
وَالنُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَالَوْلَا ... وَالسَّادِسُ التَّرْتِيبُ فَاعْلَمْ وَاعْمَلَا
(قَوْلُهُ وَلَوْ مَرَّةً) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَأَقَلُّهُ مَرَّةً فِي كُلِّ سَنَةٍ فَإِنْ زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ مَا لَمْ تَدْعُ حَاجَةٌ إلَى أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَإِلَّا وَجَبَ وَشَرْطُهُ كَالْمَرَّةِ أَنْ لَا يَكُونَ بِنَا ضَعْفٌ أَوْ نَحْوُهُ كَرَجَاءِ إسْلَامِهِمْ وَإِلَّا أُخِّرَ حِينَئِذٍ وَتُنْدَبُ الْبُدَاءَةُ بِقِتَالِ مَنْ يَلِنَا مَا لَمْ يَكُنْ الْخَوْفُ مِنْ غَيْرِهِمْ أَكْثَرَ فَيَجِبُ الْبُدَاءَةُ بِهِمْ وَأَنْ يُكْثِرَهُ مَا اسْتَطَاعَ وَيُثَابُ عَلَى الْكُلِّ ثَوَابَ فَرْضِ الْكِفَايَةِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ} [التوبة: ١٢٢] صَدْرُ الْآيَةِ {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً} [التوبة: ١٢٢] أَيْ إلَى الْغَزْوِ فَلَوْلَا فَهَلَّا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ قَبِيلَةٍ {مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: ١٢٢] جَمَاعَةٌ وَمَكَثَ الْبَاقُونَ {لِيَتَفَقَّهُوا} [التوبة: ١٢٢] أَيْ الْمَاكِثُونَ {فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} [التوبة: ١٢٢] مِنْ الْغَزْوِ بِتَعْلِيمِهِمْ مَا تَعَلَّمُوهُ مِنْ الْأَحْكَامِ {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢] عِقَابَ اللَّهِ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ اهـ جَلَالٌ.
وَعِبَارَةُ الْخَازِنِ سَبَبُ نُزُولِهَا أَنَّ النَّبِيَّ لَمَّا بَالَغَ فِي الْكَشْفِ عَنْ عُيُوبِ الْمُنَافِقِينَ وَفَضَحَهُمْ فِي تَخَلُّفِهِمْ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ
قَالَ الْمُسْلِمُونَ وَاَللَّهِ لَا نَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا عَنْ سَرِيَّةٍ بَعَثَهَا فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَبَعَثَ السَّرَايَا نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ جَمِيعًا إلَى الْغَزْوِ وَتَرَكُوا النَّبِيَّ وَحْدَهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَالْمَعْنَى مَا يَنْبَغِي وَلَا يَجُوزُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَنْفِرُوا جَمِيعًا وَيَتْرُكُوا النَّبِيَّ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَنْقَسِمُوا قِسْمَيْنِ طَائِفَةٌ تَكُونُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ وَطَائِفَةٌ تَنْفِرُ إلَى الْجِهَادِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْوَقْتِ إذَا كَانَتْ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَى هَذَا الِانْقِسَامِ قِسْمٌ لِلْجِهَادِ وَقِسْمٌ لِتَعَلُّمِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ فِي الدِّينِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرِيعَةِ كَانَتْ تَتَجَدَّدُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ وَالْمَاكِثُونَ يَحْفَظُونَ مَا تَجَدَّدَ فَإِذَا قَدِمَ الْغُزَاةُ عَلَّمُوهُمْ مَا تَجَدَّدَ فِي غَيْبَتِهِمْ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَلِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَهُ كُلَّ عَامٍ) أَيْ كَانَ لَا يَخْلُو الْعَامُ عَنْ جِهَادٍ وَلَوْ مَرَّةً لَا أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهُ فِي الْعَامِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ لِأَنَّهُ وَقَعَ لَهُ فِي بَعْضِ الْأَعْوَامِ فِعْلُهُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى اهـ شَيْخُنَا فَكَانَتْ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى فِي الثَّانِيَةِ وَأُحُدٌ ثُمَّ بَدْرٌ الصُّغْرَى ثُمَّ بَنِي النَّضِيرِ فِي الثَّالِثَةِ وَالْخَنْدَقِ فِي الرَّابِعَةِ وَذَاتِ الرِّقَاعِ ثُمَّ دَوْمَةِ الْجَنْدَلِ وَبَنِي قُرَيْظَةَ فِي الْخَامِسَةِ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَبَنِي الْمُصْطَلِقِ فِي السَّادِسَةِ وَخَيْبَرَ فِي السَّابِعَةِ وَمُؤْتَةُ وَذَاتِ السَّلَاسِلِ وَفَتْحِ مَكَّةَ وَحُنَيْنٍ وَالطَّائِفِ فِي الثَّامِنَةِ وَتَبُوكُ فِي التَّاسِعَةِ عَلَى خِلَافٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ جَرَى عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَتَبِعْته عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْبَهْجَةِ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ
(قَوْلُهُ وَتَحْصُلُ الْكِفَايَةُ بِأَنْ يَشْحَنَ الْإِمَامُ الثُّغُورَ) أَيْ لِأَنَّ الثُّغُورَ إذَا شُحِنَتْ كَمَا ذُكِرَ كَانَ فِي ذَلِكَ إخْمَادٌ لِشَوْكَتِهِمْ وَإِظْهَارٌ لِقَهْرِهِمْ لِعَجْزِهِمْ عَنْ الظَّفَرِ بِشَيْءٍ مِنَّا وَالثُّغُورُ هِيَ مَحَالُّ الْخَوْفِ الَّتِي تَلِي بِلَادَهُمْ اهـ شَرْحُ م ر.
وَفِي الْمِصْبَاحِ شَحَنْتُ الْبَيْتَ وَغَيْرَهُ شَحْنًا مِنْ بَابِ نَفَعَ مَلَأْتُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَتَقْلِيدِ الْأُمَرَاءِ ذَلِكَ) بِأَنْ يُرَتِّبَ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ أَمِيرًا كَافِيًا يُقَلِّدُهُ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْجِهَادِ وَغَيْرِهِ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ أَوْ بِأَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ إلَخْ) ظَاهِرُهُ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ إمَّا إشْحَانُ الثُّغُورِ وَإِمَّا دُخُولُ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ وَهُوَ الْوَجْهُ لَكِنَّ شَيْخُنَا الْبُرُلُّسِيُّ رَدَّ ذَلِكَ وَلَهُ فِيهِ تَصْنِيفٌ أَقَامَ الْبَرَاهِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الْأَمْرَيْنِ اهـ سم وزي (قَوْلُهُ فَكَانَ الْجِهَادُ مَمْنُوعًا مِنْهُ) أَيْ لِأَنَّ الَّذِي أُمِرَ بِهِ أَوَّلَ الْأَمْرِ هُوَ التَّبْلِيغُ وَالْإِنْذَارُ وَالصَّبْرُ عَلَى أَذَى الْكُفَّارِ تَأْلِيفًا لَهُمْ اهـ زِيَادِيٌّ.
وَعِبَارَةُ س ل قَوْلُهُ مَمْنُوعًا مِنْهُ أَيْ بِقَوْلِهِ {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ} [آل عمران: ١٨٦] الْآيَةَ وَقَوْلُهُ ثُمَّ بَعْدَهَا أُمِرَ بِقِتَالِ مَنْ