(وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِنَا) الَّذِي يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ كَزِنًا وَسَرِقَةٍ دُونَ غَيْرِهِ كَشُرْبِ مُسْكِرٍ وَنِكَاحِ مَجُوسٍ مَحَارِمَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَالِانْقِيَادَ كَالْعِوَضِ عَنْ التَّقْرِيرِ فَيَجِبُ ذِكْرُهُمَا كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَقَبُولًا نَحْوَ (قَبِلْنَا وَرَضِينَا) وَعُلِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الِانْقِيَادِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ كَفِّ لِسَانِهِمْ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدِينِهِ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ الِانْقِيَادِ غَنِيَّةً عَنْهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ صِحَّةِ التَّأْقِيتِ السَّابِقِ مَا لَوْ قَالَ أَقْرَرْتُكُمْ مَا شِئْتُمْ لِأَنَّ لَهُمْ نَبْذَ الْعَقْدِ مَتَى شَاءُوا فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ بِخِلَافِ الْهُدْنَةِ لَا تَصِحُّ بِهَذَا اللَّفْظِ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ عَقْدَهَا عَنْ مَوْضُوعِهِ مِنْ كَوْنِهِ مُؤَقَّتًا إلَى مَا يَحْتَمِلُ تَأْبِيدَهُ الْمُنَافِيَ لِمُقْتَضَاهُ.
(وَصُدِّقَ كَافِرٌ) وُجِدَ فِي دَارِنَا (فِي) قَوْلِهِ (دَخَلْت لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ) تَعَالَى (أَوْ رَسُولًا أَوْ بِأَمَانِ مُسْلِمٍ) فَلَا نَتَعَرَّضُ لَهُ لِأَنَّ قَصْدَ ذَلِكَ يُؤَمِّنُهُ
ــ
[حاشية الجمل]
التَّنْصِيصُ عَلَى إخْرَاجِهِ حَالَ الْعَقْدِ اكْتِفَاءً بِاسْتِثْنَائِهِ شَرْعًا وَإِنْ جَهِلَهُ الْعَاقِدَانِ فِيمَا يَظْهَرُ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِنَا) أَيْ لِكُلِّ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِنَا غَيْرَ نَحْوِ الْعِبَادَاتِ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ الَّذِي يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ) ظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ هَذِهِ الْهَاءَ عَائِدَةٌ عَلَى الْحُكْمِ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَلْيُؤَوَّلْ الْحُكْمُ بِالْمَحْكُومِ بِهِ.
وَعِبَارَةُ الزَّرْكَشِيّ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَحَكَى الْإِمَامُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ إذَا فَعَلُوا مَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ فِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ رِضَاهُمْ وَذَلِكَ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَأَمَّا مَا يَسْتَحِلُّونَهُ كَحَدِّ الشُّرْبِ فَلَا يُقَامُ عَلَيْهِمْ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ رَضَوْا بِحُكْمِنَا اهـ سم (قَوْلُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَإِنَّمَا وَجَبَ التَّعَرُّضُ لِهَذَا أَيْ قَوْلِهِ وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِنَا مَعَ أَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ عَقْدِهَا لِأَنَّهُ مَعَ الْجِزْيَةِ عِوَضٌ عَنْ تَقْرِيرِهِمْ فَأَشْبَهَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ وَالْأُجْرَةَ فِي الْإِجَارَةِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ وَقَبُولًا إلَخْ) قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ وَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ دَالٍّ عَلَى الْقَبُولِ وَيُكْتَفَى بِالْكِنَايَةِ مَعَ النِّيَّةِ وَبِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ اهـ سم وَأَفْهَمَ اشْتِرَاطُ الْقَبُولِ أَنَّهُ لَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا ثُمَّ عَلِمْنَاهُ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ بِخِلَافِ مَنْ سَكَنَ دَارًا مُدَّةً غَصْبًا لِأَنَّ عِمَادَ الْجِزْيَةِ الْقَبُولُ اهـ شَرْحُ م ر.
(فَرْعٌ) إذَا دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَنَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لَمْ يَجُزْ اغْتِيَالُهُ بَلْ يَبْلُغُ الْمَأْمَنَ فَإِنْ لَبِثَ فِيهَا سَنَةً أَوْ أَكْثَرَ لَزِمَهُ دِينَارٌ كُلَّ سَنَةٍ أَوْ بِعَقْدِ الْآحَادِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَفِي الْفَرْقِ نَظَرٌ اهـ عب اهـ سم وَفِي شَرْحِ م ر وَلَوْ فَسَدَ عَقْدُهَا مِنْ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ لَزِمَ لِكُلِّ سَنَةٍ دِينَارٌ لِأَنَّهُ أَقَلُّهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ بَطَلَ كَأَنْ صَدَرَ مِنْ الْآحَادِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ وَبِهَذَا عُلِمَ أَنَّ لَنَا مَا يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ سِوَى الْأَرْبَعَةِ الْمَشْهُورَةِ اهـ وَهِيَ الْخُلْعُ وَالْكِتَابَةُ وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَيَضُمُّ إلَيْهَا هَذَا تَصِيرُ خَمْسَةً اهـ ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ وَعُلِمَ مِنْ اشْتِرَاطِ إلَخْ) غَرَضُهُ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ الْجَوَابُ عَمَّا يُقَالُ إنَّ الْأَصْلَ ذِكْرُ عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذِكْرِ كَفِّ لِسَانِهِمْ عَنْ السَّبِّ وَأَنْتَ لَمْ تَذْكُرْهُ فَلَمْ تُوفِ بِمَا فِي الْأَصْلِ (قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ كَفِّ لِسَانِهِمْ إلَخْ) أَقُولُ وَلَا يُنَافِي فِي ذَلِكَ مَا يَأْتِي أَنَّهُمْ لَوْ سَبُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ شَرْطَ انْتِقَاضِ الْعَهْدِ بِذَلِكَ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْحَاصِلَ أَنَّ كَفَّهُمْ عَنْ ذَلِكَ يَلْزَمُهُمْ وَإِنْ لَمْ يُصَرَّحْ بِاشْتِرَاطِهِ وَأَمَّا انْتِقَاضُ عَهْدِهِمْ بِذَلِكَ فَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِلُزُومِ ذَلِكَ لَهُمْ بَلْ وَلَا بِالتَّصْرِيحِ فِي الْعَقْدِ بِاشْتِرَاطِ كَفِّهِمْ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ فِي الْعَقْدِ بِاشْتِرَاطِ الِانْتِقَاضِ بِهِ اهـ سم (قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي ذِكْرِ الِانْقِيَادِ غَنِيَّةً عَنْهُ) فِيهِ أَنَّهُمْ إنَّمَا يَنْقَادُونَ لِحُكْمِنَا فِيمَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ فَإِنْ كَانُوا يَرَوْنَ تَحْرِيمَ ذَلِكَ فَوَاضِحٌ وَإِلَّا فَفِيهِ نَظَرٌ اهـ ح ل (قَوْلُهُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّصْرِيحُ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ) بِخِلَافِ مَا شِئْت أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ اهـ ح ل أَوْ مَا شِئْنَا أَوْ مَا شَاءَ الْمُسْلِمُونَ فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ اهـ ق ل عَلَى الْمَحَلِّيِّ.
(قَوْلُهُ وَصُدِّقَ كَافِرٌ إلَخْ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْجِزْيَةِ وَلِذَلِكَ ذَكَرَهَا فِي مَتْنِ الرَّوْضِ فَرْعًا مُسْتَقِلًّا.
وَعِبَارَةُ سم قَوْلُهُ وَصُدِّقَ كَافِرٌ أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ كِتَابٌ أَوْ لَا سَوَاءٌ جَاءَ فِي مَصْلَحَةٍ أَوْ لَا بِدَلِيلِ قِصَّةِ رُسُلِ مُسَيْلِمَةَ وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي نُسِبَ إلَيْهِ التَّأْمِينُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا مُصَدِّقًا أَوْ مُكَذِّبًا كَمَا اقْتَضَاهُ إطْلَاقُهُمْ خِلَافًا لِلْمَاوَرْدِيِّ فِي حَالَةِ التَّكْذِيبِ ثُمَّ مِنْ كَلَامِهِمْ فِي هَذَا الْمَحَلِّ تَعْلَمُ أَنَّ قَصْدَ الدُّخُولِ لِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ مُؤَمَّنٌ وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ لَهُ إذْنٌ فِي الدُّخُولِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمَاوَرْدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اهـ (قَوْلُهُ فِي قَوْلِهِ دَخَلْت لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ) وَيُمَكَّنُ فِي هَذِهِ مِنْ الْإِقَامَةِ وَحُضُورِ مَجَالِسِ الْعِلْمِ قَدْرًا تَقْضِي الْعَادَةُ بِإِزَالَةِ الشُّبْهَةِ فِيهِ وَلَا يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ اهـ شَرْحُ م ر.
وَفِي سم مَا نَصُّهُ لَكِنَّ مَنْ زَعَمَ الدُّخُولَ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ نُمْهِلُهُ مَجَالِسَ يَقَعُ الِاهْتِدَاءُ فِيهَا عَادَةً فَإِنْ أَرَادَ زِيَادَةً قُلْنَا لَهُ لَا خَيْرَ فِيك وَنُخْرِجُهُ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ اهـ عَمِيرَةُ اهـ خَرَجَ بِقَوْلِهِ دَخَلْت لِسَمَاعِ كَلَامِ اللَّهِ مَا لَوْ قَالَ دَخَلْت لِلتِّجَارَةِ وَظَنَنْت أَنَّ قَصْدَهَا أَمَانٌ فَإِنَّا نُقَاتِلُهُ اهـ شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ رَسُولًا) أَيْ أَوْ دَخَلْت رَسُولًا سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ كِتَابٌ أَوْ لَا اهـ س ل (قَوْلُهُ أَوْ بِأَمَانِ مُسْلِمٍ) أَيْ وَإِنْ عَيَّنَ الْمُسْلِمَ وَكَذَّبَهُ اهـ سم أَيْ لِاحْتِمَالِ نِسْيَانِهِ اهـ ع ش وَالْمُرَادُ مُسْلِمٌ يَصِحُّ تَأْمِينُهُ اهـ شَرْحُ م ر قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَلَا عِبْرَةَ بِأَمَانِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ اهـ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ يُبَلَّغُ الْمَأْمَنَ فِي الْجُمْلَةِ فَفِي الرَّوْضِ فِي بَابِ الْأَمَانِ إنْ أَمَّنَهُ صَبِيٌّ وَنَحْوُهُ فَظَنَّ صِحَّتَهُ بَلَّغْنَاهُ مَأْمَنَهُ اهـ سم عَلَى حَجّ اهـ ع ش عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute