للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَمِمَّا يَأْتِي وَالْأَصْلُ فِيهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] وَأَخْبَارٌ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ خَمْسِينَ صَلَاةً فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ وَأَسْأَلُهُ التَّخْفِيفَ

ــ

[حاشية الجمل]

وَالثَّانِيَةُ لِنُزُولِ الْفِدَاءِ عَنْهُ وَالثَّالِثَةُ لِرِضَا رَبِّهِ حِينَ نُودِيَ {أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ} [الصافات: ١٠٤] {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} [الصافات: ١٠٥] وَالرَّابِعَةُ لِصَبْرِ وَلَدِهِ عَلَى الذَّبْحِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَوْنِهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَفُرِضَتْ عَلَيْنَا كَذَلِكَ وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الْعَصْرَ يُونُسُ حِينَ نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْ أَرْبَعِ ظُلُمَاتٍ ظُلْمَةِ الزَّلْزَلَةِ وَظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَظُلْمَةِ الْمَاءِ وَظُلْمَةِ بَطْنِ الْحُوتِ وَكَانَ ذَلِكَ وَقْتَ الْعَصْرِ فَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَوْنِهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَفُرِضَتْ عَلَيْنَا كَذَلِكَ وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الْمَغْرِبَ عِيسَى حِينَ خُوطِبَ بِقَوْلِهِ {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: ١١٦] وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَصَلَّى ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا الْأُولَى لِنَفْيِ الْأُلُوهِيَّةِ عَنْ نَفْسِهِ وَالثَّانِيَةُ لِنَفْيِهَا عَنْ أُمِّهِ وَالثَّالِثَةُ لِإِثْبَاتِ الْأُلُوهِيَّةِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَوْنِهَا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ وَفُرِضَتْ عَلَيْنَا كَذَلِكَ وَأَوَّلُ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ مُوسَى حِين خَرَجَ مِنْ مَدْيَنَ وَوَصَلَ إلَى الطَّرِيقِ وَكَانَ فِي غَمِّ أَخِيهِ وَغَمِّ عَدُوِّهِ وَغَمِّ أَوْلَادِهِ وَكَانَ ذَلِكَ وَقْتَ الْعِشَاءِ فَلَمَّا نَجَّاهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ وَنُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَطَوُّعًا فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِكَوْنِهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَفُرِضَتْ عَلَيْنَا كَذَلِكَ وَوَرَدَ فِي فَضْلِهَا أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِأَصْحَابِهِ «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ بِبَابِ أَحَدِكُمْ نَهْرًا يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالُوا لَا قَالَ فَكَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا» اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ) أَيْ عِلْمُهَا مُشَابِهٌ لِلْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ فِي كَوْنِهِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَأَمُّلٍ فَلَا يُرَدُّ أَنَّ الضَّرُورِيَّ مُخْتَصٌّ بِإِدْرَاكِ إحْدَى الْحَوَاسِّ وَأَيْضًا الضَّرُورِيُّ لَا يَحْتَاجُ إلَى إقَامَةِ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ، وَقَدْ أُقِيمَتْ عَلَيْهَا الْأَدِلَّةُ اهـ شَيْخُنَا وَلَعَلَّ تَقْدِيرَ ذَلِكَ كَالْكَوْنِ الَّذِي هُوَ مَعْلُومٌ أَيْ كَوْنُ الْمَفْرُوضِ مِنْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَمْسًا مُشَابِهٌ لِكَوْنِ الشَّيْءِ الْمَعْلُومِ مِنْ الدَّيْنِ بِالضَّرُورَةِ كَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا هَذَا إذَا كَانَتْ الْكَافُ تَشْبِيهِيَّةً وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّعْلِيلِ وَمَا مَصْدَرِيَّةً أَيْ لِعِلْمِ ذَلِكَ بِالضَّرُورَةِ اهـ ع ش (قَوْلُهُ مِنْ الدِّينِ) أَيْ مِنْ أَدِلَّةِ الدِّينِ وَقَوْلُهُ وَمِمَّا يَأْتِي أَيْ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْآتِيَةِ وَهُوَ عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ اهـ. لِكَاتِبِهِ (قَوْلُهُ: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة: ٤٣] أَيْ حَافِظُوا عَلَيْهَا بِأَدَاءِ فُرُوضِهَا وَسُنَنِهَا وَشُرُوطِهَا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِي) أَيْ وَعَلَيَّ أَيْضًا وَقَوْلُهُ حَتَّى جَعَلَهَا خَمْسًا أَيْ فِي حَقِّي وَحَقِّهَا اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ) أَيْ لِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ مِنْ رَبِيعِ الْآخَرِ وَقِيلَ مِنْ رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ كَانَتْ فِي شَوَّالٍ وَقِيلَ فِي ذِي الْحِجَّةِ وَعَلَى كُلٍّ قِيلَ كَانَتْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ لَيْلَةَ السَّبْتِ وَقِيلَ لَيْلَةَ الِاثْنَيْنِ وَكَانَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَقِيلَ بِسَنَةٍ وَسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَقِيلَ قَبْلَهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ صُبْحُ تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِكَيْفِيَّتِهَا وَوُجُوبُهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْبَيَانِ وَلَمْ يُبَيِّنْ إلَّا عِنْدَ الظُّهْرِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ وَقِيلَ قَبْلَهَا بِخَمْسِ سِنِينَ وَالْحِكْمَةُ فِي وُقُوعِ فَرْضِ الصَّلَاةِ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ أَنَّهُ لَمَّا قُدِّسَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا حَتَّى غُسِلَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ بِالْإِيمَانِ وَالْحِكْمَةِ وَمِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا الطُّهْرُ نَاسَبَ ذَلِكَ أَنْ تُفْرَضَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ وَلِيَظْهَرَ شَرَفُهُ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُصَلِّي بِمَنْ سَلَفَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ وَلِيُنَاجِيَ رَبَّهُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ جَلَّ وَعَلَا اهـ فَتْحُ الْبَارِي وَفِيهِ أَيْضًا ذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَبْلَ الْإِسْرَاءِ صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ إلَّا مَا كَانَ وَقَعَ الْأَمْرُ بِهِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَذَهَبَ الْحَرْبِيُّ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ مَفْرُوضَةً رَكْعَتَيْنِ بِالْغَدَاةِ وَرَكْعَتَيْنِ بِالْعَشِيِّ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ مَفْرُوضَةً ثُمَّ نُسِخَتْ اهـ شَوْبَرِيٌّ.

وَالْحَرْبِيُّ نِسْبَةٌ إلَى حَرْبِيَّةٍ مَحَلَّةٌ بِبَغْدَادَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَوَاهِبِ (قَوْلُهُ: خَمْسِينَ صَلَاةً) قَالَ شَيْخُنَا لَكِنَّ غَيْرَ هَذِهِ الْخَمْسِ لَمْ تُعْلَمْ كَيْفِيَّتُهُ وَلَا كَمِّيَّتُهُ وَفِي كَلَامِ الْجَلَالِ السُّيُوطِيّ مَا يُرْشِدُ إلَى أَنَّهَا كَانَتْ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ الظُّهْرُ عَشْرَ أَظْهَارٍ وَالْعَصْرُ كَذَلِكَ وَهَكَذَا إلَى أَنْ قَالَ وَالنَّسْخُ لَمْ يَقَعْ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ لَمْ يَزَلْ قَائِمًا بِهَا كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عَلَى وَفْقِ مَا كَانَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ وَحِينَئِذٍ بَقَاؤُهَا مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنَازَعَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ فَعَلَهَا كَذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَلَا وَقْتٍ مَعَ تَوَفُّرِ الدَّوَاعِي عَلَى الْحِرْصِ عَلَيْهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَنْ حَفِظَ حُجَّةً عَلَى مَنْ لَمْ يَحْفَظْ، وَأَمَّا قِيَامُ اللَّيْلِ فَنُسِخَ فِي حَقِّنَا وَكَذَا فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الرَّاجِحِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ) أَيْ بِإِشَارَةٍ مِنْ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حِينَ مَرَّ عَلَيْهِ وَسَأَلَهُ عَمَّا فُرِضَ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ مَرَّ عَلَى إبْرَاهِيمَ فَلَمْ يَسْأَلْهُ وَحِكْمَةُ ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى كَلِيمٌ وَمِنْ شَأْنِ الْكَلِيمِ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَلِأَنَّهُ اُخْتُبِرَ قَوْمُهُ بِالصَّلَاةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>