أَمَّا تَوْلِيَةُ الْإِمَامِ لِأَحَدِهِمْ فَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِ.
(فَمَنْ تَعَيَّنَ) لَهُ (فِي نَاحِيَةٍ لَزِمَهُ طَلَبُهُ) وَلَوْ بِبَذْلِ مَالٍ أَوْ خَافَ مِنْ نَفْسِهِ الْمَيْلَ (وَ) لَزِمَهُ (قَبُولُهُ) إذَا وَلِيَهُ لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ فِيهَا فَإِنْ امْتَنَعَ أُجْبِرَ وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ وَالْقَبُولُ (فِيهَا) أَيْ فِي نَاحِيَتِهِ فَلَا يَلْزَمَانِهِ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ تَعْذِيبٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ الْوَطَنِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّ عَمَلَ الْقَضَاءِ لَا غَايَةَ لَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ الْمُحْوِجَةِ إلَى السَّفَرِ كَالْجِهَادِ وَتَعَلُّمِ الْعِلْمِ (أَوْ) لَمْ يَتَعَيَّنْ فِيهَا لَكِنَّهُ (كَانَ أَفْضَلَ) مِنْ غَيْرِهِ (سُنَّا) أَيْ الطَّلَبُ وَالْقَبُولُ (لَهُ) فِيهَا إذَا وَثِقَ بِنَفْسِهِ وَقَوْلِي وَقَبُولُهُ إلَى آخِرِهِ مِنْ زِيَادَتِي (أَوْ) كَانَ (مَفْضُولًا وَلَمْ يَمْتَنِعْ الْأَفْضَلُ) مِنْ الْقَبُولِ (كُرِهَا لَهُ) أَيْ لِلْمَفْضُولِ لِمَا فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ «لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ» فَإِنْ كَانَ الْأَفْضَلُ يَمْتَنِعُ مِنْ الْقَبُولِ فَكَالْمَعْدُومِ وَاسْتَثْنَى الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ الْكَرَاهَةِ مَا إذَا كَانَ الْمَفْضُولُ أَطْوَعَ وَأَقْرَبَ إلَى الْقَبُولِ وَالْبُلْقِينِيُّ مَا إذَا كَانَ أَقْوَى فِي الْقِيَامِ فِي الْحَقِّ وَذِكْرُ كَرَاهَةِ الْقَبُولِ مِنْ زِيَادَتِي (أَوْ) كَانَ (مُسَاوِيًا) لِغَيْرِهِ (فَكَذَا) أَيْ فَيُكْرَهَانِ لَهُ (إنْ اشْتَهَرَ) بِالِانْتِفَاعِ بِعِلْمِهِ (وَكُفِيَ) بِغَيْرِ بَيْتِ الْمَالِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَطَرِ بِلَا حَاجَةٍ وَعَلَى هَذَا حُمِلَ امْتِنَاعُ السَّلَفِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَشْتَهِرْ أَوْ لَمْ يُكْفَ بِمَا ذُكِرَ (سُنَّا لَهُ) لِيُنْتَفَعَ بِعِلْمِهِ أَوْ لِيُكْفَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ
ــ
[حاشية الجمل]
الْجُمْلَةِ لَا يُنَافِي كَوْنَهُ قَدْ يُكْرَهُ، وَقَدْ يُسَنُّ لِخُصُوصِ مَنْ اتَّصَفَ بِالْوَصْفِ الْمُقْتَضِي لِلسَّنِّ أَوْ الْكَرَاهَةِ عَلَى مَا يَأْتِي تَفْصِيلُهُ بِقَوْلِهِ أَوْ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ سُنَّا لَهُ إلَخْ، وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ خَمْسَةُ أَحْكَامٍ تَعْتَرِي تَوَلِّيَ الْقَضَاءِ فَرْضٌ بِقِسْمَيْهِ وَمَنْدُوبٌ وَحَرَامٌ وَمَكْرُوهٌ اهـ شَيْخُنَا
(قَوْلُهُ أَمَّا تَوْلِيَةُ الْإِمَامِ لِأَحَدِهِمْ فَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَيْهِ) أَيْ فَوْرًا فِي قَضَاءِ الْإِقْلِيمِ، وَيَتَعَيَّنُ فِعْلُ ذَلِكَ عَلَى قَاضِي الْإِقْلِيمِ فِيمَا عَجَزَ عَنْهُ كَمَا يَأْتِي وَلَا يَجُوزُ إخْلَاءُ مَسَافَةِ الْعَدْوَى عَنْ قَاضٍ أَوْ خَلِيفَةٍ لَهُ لِأَنَّ الْإِحْضَارَ مِنْ فَوْقِهَا يَشُقُّ وَبِهِ فَارَقَ اعْتِبَارَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ بَيْنَ كُلِّ مُفْتِيَيْنِ أَمَّا إيقَاعُ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْمُتَخَاصِمَيْنِ فَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ إذَا أَفْضَى لِتَعْطِيلٍ أَوْ طُولِ نِزَاعٍ، وَمِنْ صَرِيحِ التَّوْلِيَةِ، وَلَّيْتُك أَوْ قَلَّدْتُك أَوْ فَوَّضْت إلَيْك الْقَضَاءَ، وَمِنْ كِنَايَاتِهَا عَوَّلْت، وَاعْتَمَدْت عَلَيْك فِيهِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْقَبُولُ لَفْظًا بَلْ يَكْفِي فِيهِ الشُّرُوعُ بِالْفِعْلِ كَالْوَكِيلِ كَمَا أَفْتَى بِذَلِكَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَعَمْ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ اهـ شَرْحُ م ر ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْفَصْلِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُوَلَّى فِيهِ نَعَمْ إنْ اطَّرَدَ عُرْفٌ بِتَبَعِيَّةِ بِلَادٍ لِبِلَادٍ فِي تَوْلِيَتِهَا دَخَلَتْ تَبَعًا لَهَا، وَيَسْتَفِيدُ بِتَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ الْعَامِّ سَائِرَ الْوِلَايَاتِ، وَأُمُورَ النَّاسِ حَتَّى نَحْوَ زَكَاةٍ وَحِسْبَةٍ لَمْ يُفَوَّضْ أَمْرُهُمَا لِغَيْرِهِ نَعَمْ يُتَّجَهُ فِي قَوْلِهِ {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ} [ص: ٢٦] أَنَّهُ خَاصٌّ بِالْحُكْمِ لَا يَتَجَاوَزُهُ لِغَيْرِهِ، وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَلَّيْتُك الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ فِي هَذَا التَّرْكِيبِ بِمَعْنَى إمْضَاءِ الْأَمْرِ وَسَائِرُ تَصَرُّفَاتِ الْقَاضِي فِيهَا إمْضَاءُ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْمُحَكَّمِ.
(فَرْعٌ) لَوْ خَلَا بَلَدٌ عَنْ قَاضٍ فَقَلَّدَ أَهْلُهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ فَبَاطِلٌ إنْ كَانَ فِي الْعَصْرِ إمَامٌ، وَإِلَّا فَإِنْ رَجَوْا نَصْبَهُ عَنْ قُرْبٍ فَكَذَلِكَ، وَإِلَّا فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ التَّحَاكُمُ فِي بَلَدٍ بِقُرْبِهِمْ فَعَلُوا، وَإِلَّا فَتَقْلِيدُهُ جَائِزٌ، وَحُكْمُهُ نَافِذٌ قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ خَلَا الزَّمَانُ مِنْ الْإِمَامِ وَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْعُلَمَاءِ اهـ سم.
(قَوْلُهُ فَمَنْ تَعَيَّنَ لَهُ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ فِي نَاحِيَتِهِ صَالِحٌ لِلْقَضَاءِ غَيْرَهُ اهـ شَرْحُ الرَّوْضِ (قَوْلُهُ فِي نَاحِيَةٍ) الْمُرَادُ بِهَا بَلَدُهُ، وَدُونَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى مِنْهُ اهـ عَنَانِيٌّ أَيْ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ فِي كُلِّ مَسَافَةِ عَدْوَى نَصْبُ قَاضٍ اهـ س ل (قَوْلُهُ وَلَوْ بِبَذْلِ مَالٍ) أَيْ قَدَرَ عَلَيْهِ فَاضِلٌ عَمَّا يُعْتَبَرُ فِي الْفُطْرَةِ فِيمَا يَظْهَرُ، وَالْأَقْرَبُ وُجُوبُ الطَّلَبِ، وَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ الْإِجَابَةِ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِمْ يَجِبُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَإِنْ عَلِمَ عَدَمَ امْتِثَالِهِمْ لَهُ اهـ شَرْحُ م ر، وَفِي ع ش عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَلَوْ بِبَذْلِ مَالٍ ظَاهِرُهُ، وَإِنْ كَثُرَ الْمَالُ وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي صَرَّحُوا فِيهَا بِسُقُوطِ الْوُجُوبِ حَيْثُ طُلِبَ مِنْهُ مَالٌ، وَإِنْ قَلَّ أَنَّ الْقَضَاءَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ
مَصْلَحَةٌ عَامَّةٌ لِلْمُسْلِمِينَ
فَوَجَبَ بَذْلُهُ لِلْقِيَامِ بِتِلْكَ الْمَصْلَحَةِ وَلَا كَذَلِكَ غَيْرُهُ اهـ.
وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ، وَشَرْحِهِ وَلَوْ وَجَبَ أَوْ اُسْتُحِبَّ طَلَبُهُ جَازَ بَذْلُ الْمَالِ وَلَكِنَّ آخِذَهُ ظَالِمٌ كَمَا إذَا تَعَذَّرَ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ إلَّا بِبَذْلِ مَالٍ فَإِنْ لَمْ يَجِبْ وَلَمْ يُسْتَحَبَّ لَمْ يَجُزْ بَذْلُ الْمَالِ لِيُوَلَّى، وَيَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِئَلَّا يُعْزَلَ، وَوَقَعَ فِي الرَّوْضَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ بَذْلُهُ لِيُوَلَّى، وَهُوَ سَبْقُ قَلَمٍ، وَكَذَا يُسْتَحَبُّ بَذْلُهُ لِعَزْلِ قَاضٍ غَيْرِ صَالِحٍ لِلْقَضَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ النَّاسِ مِنْهُ لَكِنَّ آخِذَهُ ظَالِمٌ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ فَإِنْ امْتَنَعَ أُجْبِرَ) اُسْتُشْكِلَ تَوْلِيَةُ الْمُمْتَنِعِ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ مَعَ تَعَيُّنِهِ لَهُ مُفَسِّقٌ، وَأَجَابَ النَّوَوِيُّ بِعَدَمِ فِسْقِهِ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ غَالِبًا يَكُونُ بِتَأْوِيلٍ فَلَا يَعْصِي بِذَلِكَ جَزْمًا، وَإِنْ أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِهِ اهـ ز ي (قَوْلُهُ فَلَا يَلْزَمَانِهِ فِي غَيْرِهَا) نَعَمْ لَوْ عَيَّنَ الْإِمَامُ قَاضِيًا، وَأَرْسَلَهُ إلَى مَا فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى لَزِمَهُ الِامْتِثَالُ وَالْقَبُولُ، وَإِنْ بَعُدَتْ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا عَيَّنَ أَحَدًا لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ تَعَيَّنَ، وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى عَدَمِ وُجُودِ صَالِحٍ لِلْقَضَاءِ فِي الْمَحَلِّ الْمَبْعُوثِ إلَيْهِ أَوْ بِقُرْبِهِ وَحِينَئِذٍ يَجْتَمِعُ الْكَلَامَانِ اهـ س ل (قَوْلُهُ بِخِلَافِ سَائِرِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ) أَيْ فَيَجِبُ السَّفَرُ لَهَا وَلَوْ لِبَعِيدٍ لِأَنَّ لَهَا غَايَةً اهـ شَيْخُنَا
(قَوْلُهُ أَوْ كَانَ أَفْضَلَ سُنَّا لَهُ) هَلْ يُقَيَّدُ هَذَا الشِّقُّ بِأَنْ يُقَالَ حَيْثُ لَمْ يَمْتَنِعْ الْمَفْضُولُ عَلَى قِيَاسِ التَّقْيِيدِ الْآتِي اُنْظُرْهُ (قَوْلُهُ إذَا وَثِقَ بِنَفْسِهِ) فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ لَزِمَهُ الِامْتِنَاعُ كَمَا فِي الذَّخَائِرِ، وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ صَنِيعُ شَرْحِ الرَّوْضِ مِنْ أَنَّهُ يُحْتَرَزُ إذَا خَافَ عَلَيْهَا إذْ ظَاهِرُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ جَوَازُ الْإِقْدَامِ اهـ عَنَانِيٌّ (قَوْلُهُ أَطْوَعَ) أَيْ مُطَاوَعًا بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ يُطَاوِعُهُ النَّاسُ، وَيَمْتَثِلُونَ لِحُكْمِهِ أَكْثَرَ مِنْ الْفَاضِلِ اهـ شَيْخُنَا فَقَوْلُهُ وَأَقْرَبَ إلَى الْقَبُولِ عَطْفُ تَفْسِيرٍ (قَوْلُهُ وَإِلَّا سُنَّا لَهُ) أَيْ إنْ وَثِقَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ خَافَ عَلَيْهَا لَزِمَهُ الِامْتِنَاعُ كَمَا فِي الذَّخَائِرِ، وَرَجَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ اهـ شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ أَوْ لِيَكْفِيَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) هَذَا يُشْعِرُ بِجَوَازِ أَخْذِ الرِّزْقِ عَلَى