سَفَرًا مُبَاحًا (تَنَفُّلٌ) وَلَوْ رَاتِبًا صَوْبَ مَقْصِدَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (رَاكِبًا وَمَاشِيًا) «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ» أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا «غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ» وَقِيسَ بِالرَّاكِبِ الْمَاشِي وَخَرَجَ بِمَا ذُكِرَ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَالْهَائِمِ وَالْمُقِيمِ وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ تَرْكُ الْفِعْلِ الْكَثِيرِ كَرَكْضٍ وَعَدْوٍ بِلَا حَاجَةٍ
ــ
[حاشية الجمل]
بَعْضِ بَسَاتِينِ الْبَلَدِ أَوْ غِيطَانِهَا الْبَعِيدَةِ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّنَفُّلُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسَافِرًا عُرْفًا وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ جَعَلَ ذَلِكَ ضَابِطًا لِمَا يُسَمَّى سَفَرًا فَيُفِيدُ جَوَازَ التَّنَفُّلِ عِنْدَ قَصْدِهِ ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ مَا قُصِدَ الذَّهَابُ إلَيْهِ مِنْ مَرَافِقِ الْبَلَدِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، وَقَدْ يُشْعِرُ قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ فَارَقَ حُكْمَ الْمُقِيمِينَ بِالْبَلَدِ بِالثَّانِي وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَرَادَ زِيَارَةَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَكَانَ بَيْنَ مَبْدَأِ سَيْرِهِ وَمَقَامِ الْإِمَامِ الْمِيلُ وَنَحْوُهُ جَازَ لَهُ التَّرَخُّصُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ السُّورِ إنْ كَانَ دَاخِلَهُ وَمُجَاوَزَةِ الْعُمْرَانِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِمَا خَرَجَ مِنْهُ سُوَرٌ وَمِثْلُهُ يُقَالُ فِي التَّوَجُّهِ إلَى بَرَكَةِ الْمُجَاوِرِينَ مِنْ الْجَامِعِ الْأَزْهَرِ وَنَحْوِهِ اهـ ع ش عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَكَانَ بَيْنَ مَبْدَإِ سَيْرِهِ إلَخْ مُقْتَضَى هَذَا أَنَّ الْمَسَافَةَ تُحْسَبُ وَتُعْتَبَرُ مِنْ مَبْدَأِ السَّيْرِ وَلَوْ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ السُّورِ أَوْ الْعُمْرَانِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (فَرْعٌ) نَذَرَ إتْمَامَ كُلِّ نَفْلٍ شَرَعَ فِيهِ فَشَرَعَ فِي السَّفَرِ فِي نَافِلَةٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِقْرَارُ يَنْبَغِي نَعَمْ اهـ سم عَلَى حَجّ أَقُولُ وَيُحْتَمَلُ عَدَمُ وُجُوبُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا، وَإِنْ نَذَرَ إتْمَامَهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهَا نَفْلًا وَمِنْ ثَمَّ جَازَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ فَرْضٍ عَيْنِيٍّ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا لَوْ أَفْسَدَهَا وَأَرَادَ قَضَاءَهَا فَهَلْ لَهُ صَلَاتُهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَجَمْعُهَا مَعَ فَرْضٍ آخَرَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَقْرَبُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَجِبْ أَوَّلُهَا لِذَاتِهِ بَلْ إنَّمَا وَجَبَ وَسِيلَةً لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ مِنْ الْوَاجِبِ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(وَقَوْلُهُ: وَلَوْ رَاتِبًا) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلَوْ نَحْوَ عِيدٍ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا هُوَ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْجَلَالُ الْمَحَلِّيُّ فِي شَرْحِ الْأَصْلِ اهـ زي وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِالرَّاتِبِ مَا لَهُ وَقْتٌ فَيَشْمَلُ الْعِيدَ لَكِنَّهُ لَا يَشْمَلُ الْكُسُوفَ مَعَ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ أَيْضًا وَيَشْمَلُ نَحْوَ الضُّحَى وَسُنَّةِ الظُّهْرِ فَيُوهِمُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيهِ أَيْضًا اهـ ع ش وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْإِشَارَةَ إلَى الْخِلَافِ وَالتَّعْمِيمِ مَعًا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ م ر وَقَوْلُهُ إنَّمَا هُوَ فِي الْعِيدِ وَنَحْوِهِ أَيْ وَهُوَ الَّذِي تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: صَوْبَ مَقْصِدِهِ) أَيْ جِهَتَهُ ظَاهِرُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِقْبَالُ جِهَةِ الْمَقْصِدِ لَا عَيْنِهِ وَفَارَقَ الْكَعْبَةَ بِأَنَّهَا أَصْلٌ وَهُوَ بَدَلٌ اهـ شَيْخُنَا وَلَا يَضُرُّ التَّحَوُّلُ عَنْهَا لِمُنْعَطَفَاتِ الطَّرِيقِ وَلَا لِنَحْوِ زَحْمَةٍ أَوْ غُبَارٍ وَلَا يُكَلَّفُ التَّحَفُّظَ وَلَا الِاحْتِيَاطَ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَلَا يَنْحَرِفُ إلَّا لِقِبْلَةٍ اهـ ع ش (قَوْلُهُ: أَيْ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ) وَالْقَرِينَةُ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ أَنَّ تَرْكَ الدَّابَّةِ تَمُرُّ إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَرَادَتْ لَا يَلِيقُ بِحَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُعَدُّ عَبَثًا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إنَّمَا كَانَ يُسَيِّرُهَا جِهَةَ مَقْصِدِهِ اهـ ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَالْهَائِمُ) الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ قَطْعَ مَسَافَةٍ يُسَمَّى فِيهَا مُسَافِرًا عُرْفًا اهـ شَيْخُنَا ح ف (قَوْلُهُ: وَيُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ الشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ فِي الْمَتْنِ وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا دَوَامُ سَفَرِهِ فَلَوْ صَارَ مُقِيمًا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَجَبَ عَلَيْهِ إتْمَامُهَا عَلَى الْأَرْضِ مُسْتَقْبِلًا اهـ شَرْحُ م ر وَقَوْلُهُ فَلَوْ صَارَ مُقِيمًا إلَخْ أَيْ أَوْ وَصَلَ الْمَحَلُّ الْمُنْقَطِعُ بِهِ السَّيْرُ كَمَا قَالَهُ الشَّارِحُ فِيمَا يَأْتِي وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ خُصُوصُ الْمَحَلِّ الَّذِي لَا يَسِيرُ بَعْدَهُ بَلْ يَنْزِلُ فِيهِ وَعَلَيْهِ فَلَوْ كَانَ الْمَحَطُّ مُتَّسِعًا وَوَصَلَ إلَيْهِ يَتَرَخَّصُ إلَى وُصُولِ خُصُوصِ مَا يُرِيدُ النُّزُولَ فِيهِ وَقَوْلُهُ عَلَى الْأَرْضِ لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا يَأْتِي اهـ ع ش عَلَيْهِ.
وَعِبَارَةُ حَجّ فَلَوْ بَلَغَ الْمَحَطَّ الْمُنْقَطِعَ بِهِ السَّيْرُ أَوْ طَرَفَ مَحَلِّ الْإِقَامَةِ أَوْ نَوَاهَا مَاكِثٌ بِمَحِلٍّ صَالِحٍ لَهَا نَزَلَ وَأَتَمَّهَا بِأَرْكَانِهَا لِلْقِبْلَةِ مَا لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ عَلَيْهَا انْتَهَتْ.
(قَوْلُهُ بِلَا حَاجَةٍ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَلَهُ الرَّكْضُ لِلدَّابَّةِ وَالْعَدْوُ لِحَاجَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الرَّكْضُ وَالْعَدْوُ لِحَاجَةِ السَّفَرِ كَخَوْفِ تَخَلُّفِهِ عَنْ الرُّفْقَةِ أَمْ لِغَيْرِ حَاجَتِهِ كَتَعَلُّقِهَا بِصَيْدٍ يُرِيدُ إمْسَاكَهُ كَمَا اقْتَضَى ذَلِكَ كَلَامُهُمْ وَكَلَامُ ابْنِ الْمُقْرِي فِي رَوْضِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَإِنْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: إنَّ الْأَوْجَهَ بُطْلَانُهَا فِي الثَّانِي بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجْرَى الدَّابَّةَ أَوْ عَدَا الْمَاشِيَ فِي صَلَاتِهِ بِلَا حَاجَةٍ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ كَمَا مَرَّ وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ دَابَّتُهُ أَوْ وَطِئَتْ بِنَفْسِهَا أَوْ أَوْطَأَهَا نَجَاسَةً لَمْ يَضُرَّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُلَاقِهَا وَلَوْ دَمِيَ فَمُ الدَّابَّةِ وَفِي يَدِهِ لِجَامُهَا فَسِيَاقُ الْكَلَامِ قَدْ يُفْهِمُ صِحَّتَهَا وَاَلَّذِي أَوْرَدَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ كَمَا لَوْ صَلَّى وَفِي يَدِهِ حَبْلٌ طَاهِرٌ عَلَى نَجَاسَةٍ وَقَضِيَّتُهُ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِمَا ذُكِرَ كُلُّ نَجَاسَةٍ اتَّصَلَتْ بِالدَّابَّةِ وَعَنَانُهَا بِيَدِهِ أَخْذًا مِمَّا تَقَرَّرَ أَمَّا الْمَاشِي فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ وَطِئَ نَجَاسَةً عَمْدًا وَلَوْ يَابِسَةً، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ عَنْهَا مَعْدِلًا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي وَاقْتَضَاهُ كَلَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute