للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَيْسَا عَدَّ اللِّسَانُ الْقَلْبَ (وَصَحَّ أَدَاءٌ بِنِيَّةِ قَضَاءٍ وَعَكْسُهُ) بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (لِعُذْرٍ) مِنْ غَيْمٍ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَأْتِي بِمَعْنَى الْآخَرِ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَاهُ مَعَ عِلْمِهِ بِخِلَافِهِ فَلَا يَصِحُّ لِتَلَاعُبِهِ.

(وَ) ثَانِيهَا (تَكْبِيرُ تَحَرُّمٍ) سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِهِ مَا كَانَ حَلَالًا لَهُ مِنْ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ وَدَلِيلُ وُجُوبِهِ خَبَرُ الْمُسِيءِ فِي صَلَاتِهِ «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا

ــ

[حاشية الجمل]

مَرَّ وَامْتَنَعَ عَلَيْهِ الِاسْتِمْرَارُ فِيهَا وَلَوْ صَلَّى لِقَصْدِ ثَوَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلِلْهَرَبِ مِنْ عِقَابِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - خِلَافًا لِلْفَخْرِ الرَّازِيّ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِهِ عَلَى مَنْ مَحَضَ عِبَادَتَهُ لِذَلِكَ وَحْدَهُ وَلَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي بَقَاءِ إسْلَامِهِ، وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ مَحَطُّ نَظَرِهِمْ لِمُنَافَاتِهِ لِاسْتِحْقَاقِهِ تَعَالَى الْعِبَادَةَ مِنْ الْخَلْقِ لِذَاتِهِ أَمَّا مَنْ لَمْ يُمْحِضْهَا فَلَا شُبْهَةَ فِي صِحَّةِ عِبَادَتِهِ كَمَا قَرَّرْنَاهُ؛ إذْ طَمَعُهُ فِي ذَلِكَ وَطَلَبُهُ إيَّاهُ لَا يُنَافِي صِحَّتَهَا انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ لِيُسَاعِدَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ) اُنْظُرْ لِمَ لَمْ يَقُلْ كَسَابِقَيْهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ إلَخْ.

وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر لِيُسَاعِدَ اللِّسَانُ الْقَلْبَ وَلِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْوَسْوَاسِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ وَصَحَّ أَدَاءٌ بِنِيَّةِ قَضَاءٍ إلَخْ) أَيْ: عَلَى الْأَصَحِّ.

وَعِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ بِعُذْرٍ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ بَلْ يُشْتَرَطَانِ لِيَتَمَيَّزَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَنْ الْآخَرِ كَمَا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لَكِنْ يُسَنُّ التَّعَرُّضُ لَهُمَا عَلَى الْأَوَّلِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْوَقْتِ كَالْيَوْمِ إذْ لَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لِلشُّرُوطِ فَلَوْ عَيَّنَ الْيَوْمَ وَأَخْطَأَ صَحَّ فِي الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُ بِالْوَقْتِ الْمُتَعَيَّنِ لِلْفِعْلِ بِالشَّرْعِ تُلْغِي خَطَأَهُ فِيهِ، وَكَذَا فِي الْقَضَاءِ أَيْضًا كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُمَا فِي التَّيَمُّمِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ وَوَقَعَ فِي الْفَتَاوَى لِلْبَارِزِيِّ أَنَّ رَجُلًا كَانَ فِي مَوْضِعٍ مُنْذُ عِشْرِينَ سَنَةً يَتَرَاءَى لَهُ الْفَجْرُ فَيُصَلِّي ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خَطَؤُهُ فَمَاذَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قَضَاءُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنْ عَيَّنَ كَوْنَهَا عَنْ الْيَوْمِ الَّذِي ظَنَّ دُخُولَ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ صَلَاةَ كُلِّ يَوْمٍ تَكُونُ قَضَاءً عَنْ صَلَاةِ الْيَوْمِ الَّذِي قَبْلَهُ وَلَا يَشْكُلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُمْ لَوْ أَحْرَمَ بِفَرِيضَةٍ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا ظَانًّا دُخُولَهُ انْعَقَدَتْ نَفْلًا؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ مَقْضِيَّةٌ نَظِيرُ مَا نَوَاهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا وَمَا أَفْتَى بِهِ الْبَارِزِيُّ أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَإِنْ نُوزِعَ فِيهِ وَسُئِلَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَمَّنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ ظُهْرِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ وَيَوْمِ الْخَمِيسِ فَصَلَّى ظُهْرًا نَوَى بِهِ قَضَاءَ الْمُتَأَخِّرِ فَهَلْ يَقَعُ عَنْهُ أَمْ عَنْ الْأَوَّلِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا نَوَاهُ، وَسُئِلَ أَيْضًا عَمَّنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ ظُهْرِ يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ فَقَطْ فَصَلَّى ظُهْرًا نَوَى بِهِ قَضَاءَ ظُهْرِ يَوْمِ الْخَمِيسِ غَالِطًا هَلْ يَقَعُ عَمَّا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَيَّنَ مَا لَا يَجِبُ تَعْيِينُهُ وَأَخْطَأَ فِيهِ أَوْ لَا كَمَا فِي الْإِمَامِ وَالْجِنَازَةِ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يَقَعُ عَمَّا عَلَيْهِ لِمَا ذُكِرَ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الشَّيْخَيْنِ وَإِنْ خَالَفَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا مَرَّ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ أَيْضًا وَصَحَّ أَدَاءٌ) أَيْ: فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِنِيَّةِ قَضَاءٍ أَيْ: شَرْعِيٍّ وَكَذَا يُقَالُ فِي الْعَكْسِ وَمَحَلُّ التَّفْصِيلِ بَيْنَ النَّذْرِ وَعَدَمِهِ إنَّمَا هُوَ فِي الشَّرْعِيِّ أَمَّا نِيَّةُ اللُّغَوِيِّ فَلَا يَضُرُّ مُطْلَقًا، وَقَوْلُهُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَأْتِي بِمَعْنَى الْآخَرِ أَيْ: لُغَةً أَيْ: فَيُحْمَلُ فِي غَرَضِ النَّاوِي عَلَى اللُّغَوِيِّ بِوَاسِطَةِ عُذْرِهِ وَإِنْ كَانَ قَاصِدًا لِلشَّرْعِيِّ.

(قَوْلُهُ يَأْتِي بِمَعْنَى الْآخَرِ) أَيْ لُغَةً يُقَالُ أَدَّيْت الدَّيْنَ وَقَضَيْته بِمَعْنَى وَفَيْته اهـ ع ش.

(قَوْلُهُ مَعَ عِلْمِهِ بِخِلَافِهِ) أَيْ:، وَقَدْ نَوَى الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ أَوْ أَطْلَقَ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ الْمَعْنَى اللُّغَوِيَّ فَإِنَّهَا تَصِحُّ اهـ شَيْخُنَا.

(فَرْعٌ) لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ يَسَعُهَا وَعَزَمَ عَلَى مَدِّهَا لِيُوقِعَهَا خَارِجَ الْوَقْتِ فَهَلْ يَنْوِي حِينَئِذٍ الْقَضَاءَ نَظَرًا لِقَصْدِهِ أَوْ الْأَدَاءِ نَظَرًا لِلْوَقْتِ الَّذِي يَظْهَرُ الثَّانِي اهـ كَاتِبُهُ اهـ شَوْبَرِيٌّ.

(قَوْلُهُ مِنْ مُفْسِدَاتِ الصَّلَاةِ) أَيْ: وَتَحْرِيمُ ذَلِكَ عَلَيْهِ يَدْخُلُ بِهِ فِي أَمْرٍ مُحْتَرَمٍ قَالَ عَمِيرَةُ يُقَالُ: أَحْرَمَ الرَّجُلُ إذَا دَخَلَ فِي حُرْمَةٍ لَا تُنْتَهَكُ قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ فَلَمَّا دَخَلَ بِهَذِهِ التَّكْبِيرَةِ فِي عِبَادَةٍ يَحْرُمُ فِيهَا أُمُورٌ قِيلَ لَهَا تَكْبِيرَةُ إحْرَامٍ اهـ ع ش عَلَى م ر وَالْحِكْمَةُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ بِالتَّكْبِيرِ اسْتِحْضَارُ الْمُصَلِّي عَظَمَةَ مَنْ تَهَيَّأَ لِخِدْمَتِهِ وَالْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِيَمْتَلِئَ هَيْبَةً فَيُحْضِرُ قَلْبَهُ وَيَخْشَعُ وَلَا يَعْبَثُ.

فَإِنْ قِيلَ: لِمَ اُخْتُصَّ انْعِقَادُهَا بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ دُونَ لَفْظِ التَّعْظِيمِ قُلْت: إنَّمَا اُخْتُصَّ بِهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَهُ يَدُلُّ عَلَى الْقِدَمِ وَالتَّعْظِيمِ عَلَى وَجْهِ الْمُبَالَغَةِ وَالْأَعْظَمُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْقِدَمِ وَكُلُّهَا تَقْتَضِي التَّفْخِيمَ إلَّا أَنَّهَا تَتَفَاوَتُ، وَلِهَذَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُبْحَانَ اللَّهِ نِصْفُ الْمِيزَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ مِلْءُ مَا بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ» .

وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ «الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي وَالْعَظَمَةُ إزَارِي فَمَنْ نَازَعَنِي فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا قَصَمْته وَلَا أُبَالِي» اسْتَعَارَ لِلْكِبْرِيَاءِ الرِّدَاءَ وَلِلْعَظَمَةِ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءُ أَشْرَفُ مِنْ الْإِزَارِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ خَبَرُ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ) أَيْ: خَبَرُ الشَّخْصِ الَّذِي أَسَاءَ صَلَاتَهُ وَاسْمُهُ خَلَّادُ بْنُ رَافِعٍ الزُّرَقِيُّ الْأَنْصَارِيُّ اهـ عَمِيرَةُ. أَقُولُ إنَّمَا ذَكَرَ الْخَبَرَ بِتَمَامِهِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قَوْلِهِ «إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ»

<<  <  ج: ص:  >  >>