- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ ثُمَّ قَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إلَى قَوْلِهِ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ» «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَقَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْت يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ «وَسُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ أَيْ: أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ قَالَ: جَوْفَ اللَّيْلِ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَيَكُونُ كُلٌّ
ــ
[حاشية الجمل]
وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى لَا يَمْنَعُهُ مِنْك حَظٌّ دُنْيَوِيًّا كَانَ أَوْ أُخْرَوِيًّا وَهُوَ حَسَنٌ دَقِيقٌ اهـ شَرْحُ الْإِعْلَامِ اهـ شَوْبَرِيٌّ.
(قَوْلُهُ مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ) أَيْ: بَعْدَ كُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الْفَرَائِضِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ شَامِلٌ لِلنَّافِلَةِ أَيْضًا ثُمَّ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِتْيَانِ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ أَوْ التَّرَاخِي لَكِنْ قَالَ حَجّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ كَالِاشْتِغَالِ بِالذِّكْرِ الْمَطْلُوبِ بَعْدَ الصَّلَاةِ كَآيَةِ الْكُرْسِيِّ وَالرَّاتِبَةِ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ سم عَلَيْهِ مَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي فِي اغْتِفَارِ الرَّاتِبَةِ أَنَّهُ لَا يَفْحُشُ الطُّولُ بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ التَّسْبِيحُ مِنْ تَوَابِعِ الصَّلَاةِ عُرْفًا اهـ ثُمَّ عَلَى هَذَا لَوْ وَالَى بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ أَخَّرَ التَّسْبِيحَ عَنْ الثَّانِيَةِ وَهَلْ يَسْقُطُ تَسْبِيحُ الْأُولَى حِينَئِذٍ أَوْ يَكْفِي لَهُمَا ذِكْرٌ وَاحِدٌ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ لِكُلٍّ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنَّ الْأَوْلَى إفْرَادُ كُلِّ وَاحِدَةٍ بِالْعَدَدِ الْمَطْلُوبِ لَهَا فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى أَحَدِ الْعَدَدَيْنِ كَفَى فِي أَصْلِ السُّنَّةِ كَمَا لَوْ قَرَأَ آيَاتِ سَجَدَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ حَيْثُ قَالُوا يَكْفِي لَهَا سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْأَوْلَى إفْرَادُ كُلِّ آيَةٍ بِسَجْدَةٍ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ) أَيْ: مَكْتُوبَةٍ مِنْ الْخَمْسِ قَالَ الْعَلَّامَةُ ز ي وَلَوْ أَصَالَةً فَتَدْخُلُ الْمُعَادَةُ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْمُعَادَةِ وُجُوبًا وَظَاهِرُ التَّعْبِيرِ بِكُلٍّ فَوَاتُ الثَّوَابِ الْمَذْكُورِ بِتَرْكِ ذَلِكَ الذِّكْرِ أَوْ بَعْضَهُ وَلَوْ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ سَهْوًا وَتَوَقُّفُهُ عَلَى مُدَاوَمَةِ ذَلِكَ فِي بَقِيَّةِ عُمُرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ شَيْخُنَا ع ش يَنْبَغِي حَمْلُ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ عَلَى الْغَالِبِ فَإِذَا فَاتَ لِعُذْرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَضُرُّ؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى الْمُدَاوَمَةِ الْأَغْلَبِيَّةِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ) وَفِي رِوَايَةٍ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُرَتِّبَهَا كَمَا ذُكِرَ أَوَّلًا وَلَا بَيْنَ أَنْ يَأْتِيَ بِعَدَدِ كُلِّ نَوْعٍ وَحْدَهُ أَوَّلًا وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ لَا تَضُرُّ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلصُّوفِيَّةِ بَلْ بَالَغَ ابْنُ الْعِمَادِ فَقَالَ لَا يَحِلُّ اعْتِقَادُ عَدَمِ حُصُولِ الثَّوَابِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ بَلْ الدَّلِيلُ يَرُدُّهُ وَهُوَ عُمُومُ قَوْله تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] وَلَمْ يَعْثُرْ الْقَرَافِيُّ عَلَى سِرِّ هَذَا الْعَدَدِ الْمَخْصُوصِ وَهُوَ التَّسْبِيحُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَالْحَمْدُ كَذَلِكَ وَالتَّكْبِيرُ كَذَلِكَ بِزِيَادَةِ وَاحِدَةٍ تَكْمِلَةَ الْمِائَةِ وَهُوَ أَنَّ أَسْمَاءَهُ تَعَالَى تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ وَهِيَ إمَّا ذَاتِيَّةٌ كَاَللَّهِ أَوْ جَلَالِيَّةٌ كَالتَّكْبِيرِ أَوْ جَمَالِيَّةٌ كَالْمُحْسِنِ فَجَعَلَ لِلْأَوَّلِ التَّسْبِيحَ؛ لِأَنَّهُ تَنْزِيهُ الذَّاتِ وَجَعَلَ لِلثَّانِي التَّكْبِيرَ وَلِلثَّالِثِ التَّحْمِيدَ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَدْعِي النِّعَمَ وَزِيدَ فِي الثَّانِيَةِ التَّكْبِيرُ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ قِيلَ: إنَّ تَمَامَ الْمِائَةِ فِي الْأَسْمَاءِ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي أَسْمَاءِ الْجَلَالِ قَالَ بَعْضُهُمْ وَهَذَا الثَّانِي أَوْجَهُ نَقْلًا وَنَظَرًا اهـ بِرْمَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ إلَخْ) الَّذِي اعْتَمَدَهُ جَمْعٌ مِنْ مَشَايِخِنَا حُصُولُ هَذَا الثَّوَابِ الْمَذْكُورِ إذَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ وَالثَّلَاثِينَ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ فَيَكُونُ الشَّرْطُ فِي حُصُولِهِ عَدَمَ النَّقْصِ عَنْ ذَلِكَ اهـ ع ش عَلَى م ر.
(قَوْلُهُ مِثْلُ زَبَدِ الْبَحْرِ) الزَّبَدُ مَا يُرَى عَلَى وَجْهِهِ عِنْدَ ضَرْبِ الْأَمْوَاجِ اهـ. اج عَلَى التَّحْرِيرِ وَفِي الْمِصْبَاحِ الزَّبَدُ بِفَتْحَتَيْنِ مِنْ الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ كَالرَّغْوَةِ وَأَزْبَدَ إزْبَادًا قَذَفَ بِزَبَدِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ جَوْفَ اللَّيْلِ) يَجُوزُ نَصْبُهُ عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ أَيْ: فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى أَنَّهُ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: هُوَ جَوْفُ اللَّيْلِ وَعَلَيْهِ فَيُقَدَّرُ فِي السُّؤَالِ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ أَيْ: أَيُّ وَقْتِ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ؟ قَالَ: جَوْفُ اللَّيْلِ أَيْ هُوَ جَوْفُ اللَّيْلِ أَيْ: الْوَقْتُ هُوَ جَوْفُ اللَّيْلِ اهـ ع ش بِإِيضَاحٍ.
(قَوْلُهُ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ) وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ «مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إلَّا أَنْ يَمُوتَ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ قَالَ دُبُرَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ وَكَانَ فِي يَوْمِهِ هَذَا فِي حِرْزٍ مِنْ الشَّيْطَانِ» ، وَمِنْ الْوَارِدِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك وَمِنْهُ مَا سَلَفَ اسْتِحْبَابُهُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَمِنْهُ أَيْضًا «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ» وَالْأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.
(تَنْبِيهٌ) خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْأُمَّةَ بِقَوْلِهِ {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: ١٥٢] فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَذْكُرُوهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَخَاطَبَ بَنِي إسْرَائِيلَ بِقَوْلِهِ {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ} [البقرة: ٤٠] لِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا اللَّهَ تَعَالَى إلَّا بِهَا فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَصَوَّرُوا النِّعَمَ لِيَصِلُوا بِهَا إلَى ذِكْرِ الْمُنْعِمِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي الدُّعَاءِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاللَّهُمَّ اجْعَلْ ثَوَابَ مَا قَرَأْنَاهُ زِيَادَةً فِي شَرَفِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِمَنْعِ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ الْعَلَمُ الْبُلْقِينِيُّ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِجَوَازِهِ كَالشَّارِحِ تَبَعًا لِلْقَايَاتِيِّ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ