. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية الجمل]
بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ مُتَقَنِّعًا» قَوْلُهُ مُتَقَنِّعًا أَيْ مُتَطَيْلِسًا رَأْسَهُ وَهُوَ أَصْلٌ فِي لُبْسِ الطَّيْلَسَانِ وَفِيهِ أَيْضًا التَّقَنُّعُ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَأَكْثَرِ الْوَجْهِ بِرِدَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ مَعَ التَّحْنِيكِ وَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْقِنَاعَ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّقَنُّعُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ الرِّدَاءُ وَهُوَ يُسَمَّى طَيْلَسَانًا كَمَا أَنَّ الطَّيْلَسَانَ قَدْ يُسَمَّى رِدَاءً كَمَا مَرَّ وَمَنْ قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ الرِّدَاءُ يُسَمَّى الْآنَ الطَّيْلَسَانُ فَمَا عَلَى الرَّأْسِ مَعَ التَّحْنِيكِ الطَّيْلَسَانُ الْحَقِيقِيُّ وَيُسَمَّى رِدَاءً مَجَازًا وَمَا عَلَى الْأَكْتَافِ هُوَ الرِّدَاءُ الْحَقِيقِيُّ وَيُسَمَّى طَيْلَسَانًا مَجَازًا وَيُنْدَبُ جَمْعُهُمَا فِي الصَّلَاةِ وَصَحَّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَهُ حُكْمُ الْمَرْفُوعِ التَّقَنُّعُ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ وَفِي حَدِيثِ إطْلَاقِ أَنَّ التَّقَنُّعَ رِيبَةٌ وَيَتَعَيَّنُ حَمْلُهُ عَلَى حَالٍ يَتَأَتَّى فِيهِ ذَلِكَ كَمَا يُصَرِّحُ بِهِ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ سُنَّةٌ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ وَلَوْ لَيْلًا حَيْثُ لَا رِيبَةَ وَجَاءَ أَنَّ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَرَجَ لَيْلًا مُتَقَنِّعًا وَفِي آخَرَ مَا يَقْتَضِي أَنَّ التَّطْلِيسَ لَا يُسَنُّ لِلْمُعْتَكِفِ بِالْمَسْجِدِ وَلَيْسَ مُرَادًا بَلْ هُوَ لِلْمُعْتَكِفِ آكَدُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاعْتِكَافِ الْخَلْوَةُ عَنْ النَّاسِ وَسَيَأْتِي أَنَّ الطَّيْلَسَانَ الْخَلْوَةُ الصُّغْرَى وَيَأْتِي فِي الشَّهَادَاتِ مَا يُعْلَمُ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ سُنِّيَّةِ التَّطْلِيسِ إذَا لَمْ تَنْخَرِمْ بِهِ مُرُوءَتُهُ وَإِلَّا كَلُبْسِ سُوقِيٍّ طَيْلَسَانَ فَقِيهٍ كُرِهَ لَهُ وَاخْتَلَتْ مُرُوءَتُهُ بِهِ.
وَلَا يُنَافِيهِ تَعْمِيمُهُمْ نَدْبَهُ لِنَحْوِ الصَّلَاةِ لِأَنَّا لَا نُطْلِقُ مَنْعَهُ وَإِنَّمَا الَّذِي نَمْنَعُ مِنْهُ كَوْنُهُ بِكَيْفِيَّةٍ لَا تَلِيقُ بِهِ كَمَا أَشَارُوا إلَيْهِ بِقَوْلِهِمْ طَيْلَسَانُ فَقِيهٍ فَإِذَا أَرَادَ السُّنَّةَ لَبِسَهُ بِكَيْفِيَّةٍ لَا تَلِيقُ بِهِ وَهَذَا وَاضِحٌ وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِهِ بَلْ رُبَّمَا يُفْهَمُ مِنْ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ لَهُ مُطْلَقًا وَقَدْ تَخْتَلُّ الْمُرُوءَةُ بِتَرْكِ التَّطْلِيسِ فَيُكْرَهُ تَرْكُهُ بَلْ يَحْرُمُ إنْ كَانَ مُتَحَمِّلًا لِلشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ فَيَحْرُمُ التَّسَبُّبُ إلَى مَا يُبْطِلُهُ وَتَوَقَّفَ الْإِمَامُ فِي كَوْنِ تَرْكِهِ يَخْرِمُهَا بَالَغُوا فِي رَدِّهِ وَفِي حَدِيثٍ لَا يَقْتَنِعُ إلَّا مَنْ اسْتَكْمَلَ الْحِكْمَةَ فِي قَوْلِهِ وَفَعَلَهُ وَأَخَذَ الْعُلَمَاءُ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِلْعُلَمَاءِ شِعَارٌ مُخْتَصٌّ بِهِمْ لِيُعْرَفُوا فَيُسْأَلُوا وَلِيُمْتَثَلَ مَا أَمَرُوا بِهِ أَوْ نَهَوْا عَنْهُ كَمَا وَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُمْ لَمْ يَمْتَثِلُوا قَوْلَهُ حَتَّى تَحَلَّلَ وَلَبِسَ شِعَارَ الْعُلَمَاءِ فَلُبْسُهُ وَإِنْ خَالَفَ الْوَارِدَ السَّابِقَ عَنْهُ لِهَذَا الْقَصْدِ سُنَّةٌ أَيْ سُنَّةٌ بَلْ وَاجِبٌ إنْ تَوَقَّفَ عَلَيْهِ إزَالَةُ مُنْكَرٍ وَلِلطَّيْلَسَانِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ جَلِيلَةٌ فِيهَا صَلَاحُ الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ كَالِاسْتِحْيَاءِ مِنْ اللَّهِ وَالْخَوْفِ مِنْهُ إذْ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ شَأْنُ الْخَائِفِ الْآبِقِ الَّذِي لَا نَاصِرَ لَهُ وَلَا مُعِينَ وَجَمْعِهِ لِلْفِكْرِ لِكَوْنِهِ يُغَطِّيَ كَثِيرًا مِنْ الْوَجْهِ أَوْ أَكْثَرَهُ فَيَنْدَفِعُ عَنْ صَاحِبِهِ مَفَاسِدُ كَثِيرَةٌ كَنَظَرِ مَعْصِيَةٍ وَمَا يُلْجِئُ إلَّا نَحْوِ غَيْبَةٍ وَيَجْتَمِعُ هَمُّهُ فَيَحْضُرُ قَلْبُهُ مَعَ رَبِّهِ وَيَمْتَلِئُ بِشُهُودِهِ وَذِكْرِهِ وَتُصَانُ جَوَارِحُهُ عَنْ الْمُخَالَفَاتِ وَنَفْسُهُ عَنْ الشَّهَوَاتِ وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يُثَابِرُ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ وَالصُّوفِيَّةُ مَعًا.
وَلَقَدْ كَانَ مِنْ مَشَايِخِنَا الصُّوفِيَّةِ مَنْ يُلَازِمُهُ لِذَلِكَ فَيَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْجَلَالَةِ وَأَنْوَارِ الْمَهَابَةِ وَالِاسْتِغْرَاقِ وَالشُّهُودِ مَا يُبْهِرُ وَيَقْهَرُ وَلِهَذَا يَتَّضِحُ قَوْلُ الصُّوفِيَّةِ الطَّيْلَسَانُ الْخَلْوَةُ الصُّغْرَى اهـ. شَرْحُ حَجّ وَسَأَلَ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ عَنْ شَخْصٍ مِنْ أَبْنَاءِ الْعَرَبِ يَلْبَسُ الْفَرُّوجَ وَالزُّنْطَ الْأَحْمَرَ وَعِمَامَةَ الْعَرَبِ اشْتَغَلَ بِالْعِلْمِ وَفَضَلَ وَخَالَطَ الْفُقَهَاءَ فَأَمَرَهُ آمِرٌ أَنْ يَلْبَسَ لِبَاسَ الْفُقَهَاءِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ خَرْمًا لِمُرُوءَتِهِ فَهَلْ الْأَوْلَى لَهُ ذَلِكَ أَوْ الِاسْتِمْرَارُ عَلَى هَيْئَةِ عَشِيرَتِهِ وَمَا جِنْسُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْبَسُ تَحْتَ عِمَامَتِهِ وَمَا مِقْدَارُ عِمَامَتِهِ وَهَلْ لَبِسَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي عَهْده - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الزُّنْطَ أَوْ الْفَرُّوجَ فَقَالَ فِي الْجَوَابِ لَا إنْكَارَ عَلَيْهِ فِي لِبَاسِهِ ذَلِكَ وَلَا خَرْمَ لِمُرُوءَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لِبَاسُ عَشِيرَتِهِ وَطَائِفَتِهِ وَلَوْ غَيَّرَهُ أَيْضًا إلَى لِبَاسِ الْفُقَهَاءِ لَمْ يَخْرِمْ مُرُوءَتَهُ فَكُلٌّ حَسَنٌ ذَاكَ لِمُنَاسَبَةِ جِنْسِهِ وَهَذَا لِمُنَاسَبَةِ أَهْلِ وَصْفِهِ ثُمَّ بَيَّنَ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَلْبَسُ الْقَلَانِسَ تَحْتَ الْعَمَائِمِ وَيَلْبَسُ الْقَلَانِسَ بِغَيْرِ عَمَائِمَ وَيَلْبَسُ الْعَمَائِمَ بِغَيْرِ قَلَانِسَ وَيَلْبَسُ الْقَلَانِسَ ذَوَاتَ الْآذَانِ فِي الْحُرُوبِ وَأَنَّهُ كَثِيرًا مَا كَانَ يُقِيمُ بِالْعَمَائِمِ الْحَرْقَانِيَّةِ السُّودِ فِي أَسْفَارِهِ وَيَعْتَجِرُ اعْتِجَارًا» وَالِاعْتِجَارُ أَنْ يَضَعَ عَلَى الرَّأْسِ تَحْتَ الْعِمَامَةِ شَيْئًا وَأَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ تَكُنْ الْعِمَامَةُ فَيَشُدُّ الْعِصَابَةَ عَلَى رَأْسِهِ وَجَبْهَتِهِ وَأَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَى «عَنْ رُكَانَةَ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فَرْقُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْعَمَائِمُ عَلَى الْقَلَانِسِ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّبِيَّ كَانَ يَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً بَيْضَاءَ» وَبَيَّنَ أَنَّ الْقَلَنْسُوَةَ غِشَاءٌ مُبَطَّنٌ يَسْتُرُ بِهِ الرَّأْسَ.
ثُمَّ قَالَ دَلَّ مَجْمُوعُ مَا ذُكِرَ عَلَى أَنَّ الَّذِي كَانَ يَلْبَسُهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةُ تَحْتَ الْعِمَامَةِ هُوَ الْقَلَنْسُوَةُ وَدَلَّ قَوْلُهُ بَيْضَاءَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ الزُّنُوطِ الْحُمْرِ وَأَشْبَهُ شَيْءٍ أَنَّهَا مِنْ جِنْسِ الثِّيَابِ الْقُطْنِ أَوْ الصُّوفِ الَّذِي هُوَ مِنْ جِنْسِ الْجِبَابِ وَالْكِسَاءِ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute