للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ بِلَفْظِ أَوْ بَدَلَ الْوَاوِ وَالسِّرْبَالُ الْقَمِيصُ كَالدِّرْعِ وَالْقَطِرَانُ بِفَتْحِ الْقَافِ مَعَ كَسْرِ الطَّاءِ وَسُكُونِهَا وَبِكَسْرِهَا مَعَ سُكُونِ الطَّاءِ دُهْنُ شَجَرٍ يُطْلَى بِهِ الْإِبِلُ الْجَرَبُ وَيُسْرَجُ بِهِ، وَهُوَ أَبْلَغُ فِي اشْتِعَالِ النَّارِ بِالنَّائِحَةِ.

(وَسُنَّ لِنَحْوِ جِيرَانِ أَهْلِهِ) كَأَقَارِبِهِ الْبُعَدَاءِ، وَلَوْ كَانُوا بِبَلَدٍ، وَهُوَ بِآخَرَ (تَهْيِئَةُ طَعَامٍ يُشْبِعُهُمْ يَوْمًا وَلَيْلَةً) لِشُغْلِهِمْ بِالْحُزْنِ عَنْهُ (وَأَنْ يُلَحَّ عَلَيْهِمْ فِي أَكْلٍ) لِئَلَّا يَضْعُفُوا بِتَرْكِهِ وَنَحْوُ هُنَا وَفِيمَا بَعْدَهُ مِنْ زِيَادَتِي (وَحَرُمَتْ) أَيْ تَهْيِئَتُهُ (لِنَحْوِ نَائِحَةٍ) كَنَادِبَةٍ؛ لِأَنَّهَا إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَالْأَصْلُ فِيمَا قَبْلَهُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَمَّا جَاءَ خَبَرُ قَتْلِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَمُؤْتَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْهَمْزَةِ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْكَرْكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ــ

[حاشية الجمل]

{وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ كَقَوْلِ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ

إذَا مِتّ فَانْعِنِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ ... وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَتَ مَعْبَدِ

وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْجُمْهُورُ خَبَرَ الصَّحِيحَيْنِ «إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ» وَفِي أُخْرَى «مَا نِيحَ عَلَيْهِ» ، وَهُوَ يُبَيِّنُ أَنَّ مُدَّةَ التَّعْذِيبِ مُدَّةُ الْبُكَاءِ فَتَكُونُ الْبَاءُ فِي الرِّوَايَتَيْنِ قَبْلَهَا بِمَعْنَى مَعَ أَوْ لِلسَّبَبِيَّةِ وَاسْتَشْكَلَ الرَّافِعِيُّ ذَلِكَ بِأَنَّ ذَنْبَهُ الْأَمْرُ بِذَلِكَ فَلَا يَخْتَلِفُ عَذَابُهُ بِامْتِثَالِهِمْ وَعَدَمِهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الذَّنْبَ عَلَى السَّبَبِ يَعْظُمُ بِوُجُودِ الْمُسَبَّبِ.

وَحَاصِلُهُ الْتِزَامُ مَا قَالَهُ وَيُقَالُ كَلَامُهُمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى عَذَابِهِ الْمُتَكَرِّرِ بِتَكَرُّرِ الْفِعْلِ، وَهُوَ لَا يُوجَدُ إلَّا مَعَ الِامْتِثَالِ بِخِلَافِ مَا إذَا فُقِدَ الِامْتِثَالُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ سِوَى إثْمِ الْأَمْرِ فَقَطْ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْخَبَرَ عَلَى تَعْذِيبِهِ بِمَا يَبْكُونَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ جَرَائِمِهِ كَالْقَتْلِ وَشَنِّ الْغَارَاتِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنُوحُونَ عَلَى الْمَيِّتِ بِهَا وَيُعَدُّونَهَا فَخْرًا اهـ. شَرْحُ م ر وَفِي ق س عَلَى الْبُخَارِيِّ وَجَيْبُ الثَّوْبِ هُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ الرَّأْسُ (قَوْلُهُ «لَيْسَ مِنَّا» ) أَيْ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِنَا أَوْ طَرِيقَتِنَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ إخْرَاجَهُ مِنْ الْمِلَّةِ وَفَائِدَةُ إيرَادِ هَذَا اللَّفْظِ الْمُبَالَغَةُ فِي الرَّدْعِ عَنْ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ وَعَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْخَوْضَ فِي تَأْوِيلِ مِثْلِ ذَلِكَ وَيَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يُمْسَكَ عَنْهُ لِيَكُونَ أَوْقَعَ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ قَالَ: وَسَمِعْت مِنْ بَعْضِ الْمَسْلَكِيِّينَ مِثْلَهُ قَالَ؛ لِأَنَّ إطْلَاقَ مِثْلِ ذَلِكَ مِنْ الرَّسُولِ إنَّمَا هُوَ لِحِكْمَةِ الزَّجْرِ وَسَدِّ الثُّغُورِ فَلَا يُعْدَلُ بِهِ خَوْفُ فَوَاتِهِ أَقُولُ وَبِهِ يُقَاسُ قَوْلُ الْمُفْتِي فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي لَا تَخْرُجُ عَنْ الدَّيْنِ هَذَا كُفْرٌ لِقَصْدِ التَّنْفِيرِ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْكَرَ عَلَيْهِ هَذَا وَفِي الرَّوْضَةِ مَا يَشْهَدُ لَهُ اهـ. تَوْشِيحُ السُّيُوطِيّ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ وَدُعَاءٌ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ) أَيْ ذَكَرَ فِي تَأَسُّفِهِ مَا تَذْكُرُهُ الْجَاهِلِيَّةُ فِي تَأَسُّفِهَا عَلَى مَا فَاتَ اهـ. ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ وَسُنَّ لِنَحْوِ جِيرَانِ أَهْلِهِ إلَخْ) وَيُكْرَهُ كَمَا فِي الْأَنْوَارِ وَغَيْرِهَا لِأَهْلِهِ صُنْعُ طَعَامٍ يَجْمَعُونَ النَّاسَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ وَالذَّبْحُ وَالْعَقْرُ عِنْدَ الْقَبْرِ مَذْمُومٌ لِلنَّهْيِ عَنْهُ اهـ. شَرْحُ م ر أَيْ فَهُوَ مَكْرُوهٌ اهـ. ع ش عَلَيْهِ أَيْ فَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهِ اهـ. حَجّ.

وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ بِإِطْعَامِ الْمُعَزِّينَ وَبِأَنَّهُ يَنْفُذُ مِنْ الثُّلُثِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ اهـ. حَجّ وَمِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ الْمَكْرُوهِ فِعْلُهَا مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ مِمَّا يُسَمَّى بِالْكَفَّارَةِ وَمِنْ الْوَحْشَةِ وَالْجُمَعِ وَالْأَرْبَعِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ بَلْ كُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ إنْ كَانَ مِنْ مَالِ مَحْجُورٍ، وَلَوْ مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ مِنْ مَالِ مَيِّتٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ جِيرَانُ أَهْلِهِ) أَضَافَ الْجِيرَانَ إلَى أَهْلِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُرَادَ جِيرَانُ أَهْلِهِ لَا جِيرَانُ الْمَيِّتِ حَتَّى لَوْ كَانَ بِبَلَدٍ وَأَهْلُهُ بِآخَرَ اُعْتُبِرَ جِيرَانُ أَهْلِهِ اهـ. سم (قَوْلُهُ كَأَقَارِبِهِ الْبُعَدَاءِ) وَكَذَا مَعَارِفُهُ، وَلَوْ غَيْرَ جِيرَانٍ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ إلَخْ) وَيَجْرِي فِي هَذَا الْخِلَافُ الْآتِي فِي النُّقُوطِ فَمَنْ فِعْلِ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ شَيْئًا يَفْعَلُونَهُ لَهُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا اهـ. حَجّ (قَوْلُهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً) أَيْ مِقْدَارَ ذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْجِيرَانُ بِمَوْتِهِ إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَقْضِي الْعُرْفُ تَنَاوُلَ أَهْلِهِ مَا يَكْفِيهِمْ لَا يُسَنُّ لَهُمْ فِعْلُ ذَلِكَ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّعْزِيَةِ حَيْثُ تُشْرَعُ بَعْدَ الْعِلْمِ، وَلَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ نَسِيَ فِيهَا الْحُزْنَ بِأَنَّ الْقَصْدَ هُنَا جَبْرُ خَلَلِ الْبِنْيَةِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ وَثَمَّ بَقَاءُ الْوُدِّ بِالتَّعْزِيَةِ وَإِنْ طَالَتْ الْمُدَّةُ اهـ. ح ل (قَوْلُهُ وَأَنْ يُلِحَّ عَلَيْهِمْ فِي أَكْلٍ) وَلَا بَأْسَ بِالْقَسَمِ عَلَيْهِمْ إذَا عَرَفَ أَنَّهُمْ يَبَرُّونَ قَسَمَهُ اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ لِنَحْوِ نَائِحَةٍ) أَيْ، وَلَوْ مِنْ أَهْلِهِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ خَبَرُ قَتْلِ جَعْفَرٍ) هُوَ أَبُو عَبْدُ اللَّهِ جَعْفَرُ بْنِ أَبِي طَالِبٍ الْقُرَشِيُّ الْهَاشِمِيُّ ذُو الْجَنَاحَيْنِ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ، ثُمَّ سَكَنَ الْمَدِينَةَ وَكَانَ مَوْتُهُ فِي جُمَادَى سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَلَهُ مِنْ الْعُمْرِ إحْدَى وَأَرْبَعُونَ سَنَةً اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ فِي غَزْوَةِ مُؤْتَةَ) وَكَانَتْ سَنَةَ ثَمَانٍ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ مَا يَشْغَلُهُمْ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّهِ شَاذٌّ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ وَسُكُونُ الْهَمْزَةِ) وَبِهِ جَزَمَ ثَعْلَبُ وَضَبَطَهَا بَعْضُهُمْ بِسُكُونِ الْوَاوِ مِنْ غَيْرِ هَمْزٍ، وَهُوَ أَكْثَرُ الرِّوَايَاتِ وَجَوَّزَ صَاحِبُ الْوَافِي فِيهَا الْوَجْهَيْنِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ مَوْضِعٌ) أَيْ قَرْيَةٌ أَوْ قَلْعَةٌ وَقَوْلُهُ عِنْدَ الْكَرْكِ بِالتَّحْرِيكِ مِنْ عَمَلِ الْبَلْقَاءِ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ مَعَ الْمَدِّ وَعَدَمِهِ قَرِيبَةٌ مِنْ الشَّامِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ

(خَاتِمَةٌ) أَخْرَجَ عَبْدُ الْعَزِيزِ صَاحِبُ الْجَلَالِ بِسَنَدِهِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَنْ فِيهَا حَسَنَاتٌ» وَفِي الْإِحْيَاءِ لِلْغَزَالِيِّ وَالْعَافِيَةِ لِعَبْدِ الْحَقِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>