للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا قَبْلَ الْإِجْمَاعِ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ: «فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ» . وَخَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ «كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ إذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَاعًا مِنْ طَعَامٍ أَوْ.

ــ

[حاشية الجمل]

الْفِطْرَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ إلَّا أَنَّ أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً عَجْمَاءَ هَلْ تَحْسَبُونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ» ، وَقِيلَ الْفِطْرَةُ: الْإِسْلَامُ، وَقِيلَ: الْبُدَاءَةُ الَّتِي ابْتَدَاهُمْ لَهَا مِنْ الْحَيَاةِ، وَالْمَوْتِ، وَالسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ، وَقِيلَ: الْفَقْرُ وَالْفَاقَةُ، وَقِيلَ: الْعَهْدُ الْمَأْخُوذُ عَلَى آدَمَ وَذُرِّيَّتِهِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْخَلْقِ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ أَيْ تَطْهِيرًا لَهَا وَتَنْمِيَةً لِعَمَلِهَا وَتُقَالُ لِلْمُخْرَجِ أَيْضًا، وَقَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ إنَّهَا بِضَمِّ الْفَاءِ اسْمٌ لِلْمُخْرَجِ مَرْدُودٌ.

وَهِيَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا فُرِضَتْ كَرَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ قَبْلَ الْعِيدِ بِيَوْمَيْنِ قَالَ وَكِيعٌ زَكَاةُ الْفِطْرِ لِرَمَضَانَ كَسُجُودِ السَّهْوِ لِلصَّلَاةِ تَجْبُرُ نُقْصَانَ الصَّوْمِ كَمَا يَجْبُرُ السُّجُودُ نُقْصَانَ الصَّلَاةِ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ شَاهِينَ فِي تَرْغِيبِهِ، وَالضِّيَاءُ عَنْ جَرِيرٍ شَهْرُ رَمَضَانَ مُعَلَّقٌ بَيْنَ السَّمَاءِ، وَالْأَرْضِ لَا يُرْفَعُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِزَكَاةِ الْفِطْرِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِ تَرَتُّبِ فَائِدَةٍ عَلَيْهِ إذَا لَمْ تُخْرَجْ زَكَاةُ الْفِطْرِ لَكِنْ بِمَعْنَى تَوَقُّفِ تَرَتُّبِ ثَوَابِهِ الْعَظِيمِ عَلَى إخْرَاجِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا الْمُخَاطَبِ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يَتِمُّ لَهُ جَمِيعُ مَا رُتِّبَ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ الثَّوَابِ وَغَيْرِهِ إلَّا بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَيَتَرَدَّدُ النَّظَرُ فِي تَوَقُّفِ الثَّوَابِ عَلَى إخْرَاجِهِ زَكَاةَ مُمَوَّنِهِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ التَّوَقُّفُ عَلَى إخْرَاجِهَا؛ لِأَنَّهَا طُهْرَةٌ لِلصَّائِمِ فَلَا يَتِمُّ تَطْهِيرُهُ وَتَأَهُّلُهُ لِذَلِكَ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ إلَّا بِإِخْرَاجِهَا، وَوُجُوبُهَا عَلَى الصَّغِيرِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هُوَ بِطَرِيقِ التَّبَعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَبْعُدُ أَنَّ فِيهِ تَطْهِيرًا لَهُ أَيْضًا بَقِيَ أَنَّ صَوْمَ الْمُمَوَّنِ هَلْ يُعَلَّقُ بِالْمَعْنَى الْمَذْكُورِ إنْ لَمْ تُؤَدَّ عَنْهُ الْفِطْرَةُ أَمْ لَا؟ الثَّانِي أَوْجَهُ إذْ لَا تَقْصِيرَ مِنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْبَابِ وَقْتَ الْوُجُوبِ ثُمَّ صِفَةَ الْمُؤَدِّي بِكَسْرِ الدَّالِ، ثُمَّ وَقْتَ الْأَدَاءِ ثُمَّ صِفَةَ الْمُؤَدَّى عَنْهُ ثُمَّ قَدْرَ الْمُؤَدَّى ثُمَّ جِنْسَهُ اهـ.

بِرْمَاوِيٌّ وَقَوْلُهُ: اسْمٌ مُوَلَّدٌ لَا عَرَبِيٌّ وَلَا مُعَرَّبٌ بِمَعْنَى أَنَّ وَضْعَهُ عَلَى هَذِهِ الْحَقِيقَةِ مُوَلَّدٌ مِنْ حَمَلَةِ الشَّرْعِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ فَيَكُونُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً وَإِلَّا فَالْمُوَلَّدُ هُوَ اللَّفْظُ الَّذِي وَلَّدَهُ النَّاسُ بِمَعْنَى اخْتَرَعُوهُ وَلَمْ تَعْرِفْهُ الْعَرَبُ وَظَاهِرٌ أَنَّ الْفِطْرَةَ لَيْسَتْ كَذَلِكَ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم: ٣٠] اهـ. رَشِيدِيٌّ عَلَى م ر وَقَوْلُهُ: فَتَكُونُ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً أَيْ فِي الْقَدْرِ الْمُخْرَجِ، وَالْأَنْسَبُ فِي التَّفْرِيعِ أَنْ يَقُولَ فَتَكُونُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً أَوْ اصْطِلَاحِيَّةً؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَا أُخِذَتْ التَّسْمِيَةُ بِهِ مِنْ كَلَامِ الشَّارِعِ أَمَّا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَاسْتَعْمَلُوهُ فَلَا يُسَمَّى بِذَلِكَ بَلْ يُسَمَّى حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً أَوْ اصْطِلَاحِيَّةً ثُمَّ رَأَيْت سم عَلَى شَرْحِ الْبَهْجَةِ قَالَ مَا نَصُّهُ: " قَوْلُهُ: حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً فَإِنْ قُلْتَ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَقُولَ فَتَكُونُ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً؛ لِأَنَّ الشَّرْعِيَّةَ مَا كَانَتْ بِوَضْعِ الشَّارِعِ قُلْت هَذِهِ التَّسْمِيَةُ لُغَوِيَّةٌ وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَالْمُرَادُ حَقِيقَةً مَنْسُوبَةً لِجِهَةِ الشَّرْعِ وَهُمْ الْفُقَهَاءُ، وَالنِّسْبَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا شُبْهَةَ فِي صِحَّتِهَا، وَإِنْ كَانَ الْمُتَبَادِرُ مِنْ النِّسْبَةِ فِي " شَرْعِيَّةً " بِاعْتِبَارِ الِاصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّ هِيَ مَا كَانَ بِوَضْعِ الشَّرْعِ فَلْيُتَأَمَّلْ اهـ. ".

وَقَوْلُهُ: وَيُقَالُ لِلْخِلْقَةِ. إلَخْ ظَاهِرُ هَذَا الصَّنِيعِ يَقْتَضِي أَنَّ لَفْظَ الْفِطْرَةِ سَوَاءٌ أُرِيدَ بِهِ الْخِلْقَةَ أَوْ الْقَدْرَ الْمُخْرَجَ مُوَلَّدٌ وَلَعَلَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ؛ لِأَنَّ اصْطِلَاحَاتِ الْفُقَهَاءِ حَادِثَةٌ، وَإِطْلَاقُ الْفِطْرَةِ عَلَى الْخِلْقَةِ لَيْسَ مِنْ اصْطِلَاحَاتِهِمْ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَلَعَلَّهَا مُوَلَّدَةٌ بِالنَّظَرِ لِلْمَعْنَى الثَّانِي اهـ. ع ش عَلَى م ر.

(قَوْلُهُ: الْأَصْلُ فِي وُجُوبِهَا. . . إلَخْ) قَدَّمَ الدَّلِيلَ عَلَى الْمُدَّعَى إشَارَةً إلَى أَنَّ وُجُوبَهَا مَعْلُومٌ لَا يَحْتَاجُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا تَجِبُ بِهِ فَغَيْرُ مَعْلُومٍ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ تَجِبُ بِأَوَّلِ لَيْلَةٍ. . . إلَخْ اهـ. ع ش وَلَا يُنَافِي حِكَايَةَ الْإِجْمَاعِ قَوْلُ ابْنِ اللَّبَّانِ بِعَدَمِ وُجُوبِهَا؛ لِأَنَّهُ غَلَطٌ صَرِيحٌ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ لَكِنَّ صَرِيحَ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ فِيهَا خِلَافًا لِغَيْرِ ابْنِ اللَّبَّانِ.

وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ شَاذٌّ مُنْكَرٌ فَلَا يَنْخَرِقُ بِهِ الْإِجْمَاعُ أَوْ يُرَادُ بِالْإِجْمَاعِ الْوَاقِعِ فِي عِبَارَةِ غَيْرِ وَاحِدٍ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ ابْن حَجّ لَا يُكَفَّرُ جَاحِدُهَا اهـ. شَرْحُ م ر.

(قَوْلُهُ: فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) أَيْ أَظْهَرَ فَرْضِيَّتَهَا أَوْ قَدْرَهَا أَوْ أَوْجَبَهَا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ، وَقَوْلُهُ عَلَى النَّاسِ أَيْ وَلَوْ كُفَّارًا إذْ هَذَا فِي الْمُخْرِجِ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَقَوْلُهُ: صَاعًا مِنْ تَمْرٍ بَدَلٌ مِنْ زَكَاةِ الْفِطْرِ أَوْ حَالٌ، وَقَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ حُرٍّ عَلَى هُنَا بِمَعْنَى عَنْ إذْ هَذَا فِي الْمُخْرَجِ عَنْهُ فَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُقَيِّدْ مَا قَبْلَهُ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ جَعْلِهِ بَدَلًا لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الْقُصُورِ إذْ لَا يُفِيدُ وُجُوبَهَا عَلَى الْكَافِرِ.

وَقَوْلُهُ: وَخَبَرُ أَبِي سَعِيدٍ. إلَخْ أَتَى بِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الْفَرْضِ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ الْأَنْوَاعِ، وَقَوْلُهُ: «مِنْ طَعَامٍ» أَيْ بُرٍّ. وَقَوْلُهُ: مَا عِشْت ظَرْفٌ لِأُخْرِجهُ الْأَوَّلِ اهـ. شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: عَلَى كُلِّ حُرٍّ وَعَبْدٍ) عَلَى هُنَا بِمَعْنَى عَنْ كَقَوْلِ الشَّاعِر

إذَا رَضِيَتْ عَلَيَّ بَنُو قُشَيْرٍ

أَيْ عَنِّي

<<  <  ج: ص:  >  >>