للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هُوَ لُغَةً الْإِمْسَاكُ وَشَرْعًا إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ

، وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ مَعَ مَا يَأْتِي آيَةُ {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] وَخَبَرُ «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» .

ــ

[حاشية الجمل]

قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ جَوِّعُوا أَنْفُسَكُمْ لِوَلِيمَةِ الْفِرْدَوْسِ ثَانِيهَا أُلْزِمُهُمْ الْجُوعَ لِيَرْحَمُوا الْجَائِعِينَ، ثَالِثُهَا إنَّ الْأَشْيَاءَ الْمُعْوَجَّةَ كَالْقِسِيِّ، وَالرِّمَاحِ تُقَوَّمُ بِالنَّارِ كَذَلِكَ تُقَوَّمُ النُّفُوسُ الْمُعْوَجَّةُ عَنْ الطَّاعَةِ بِنَارِ الْجُوعِ لَا بِنَارِ الْعَذَابِ فَضْلًا مِنْهُ وَرَحْمَةً.

رَابِعُهَا: أَنَّ الْمَلَائِكَةَ شَكَوْا مَعَاصِيَ كَثِيرَةً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَإِذَا صَامُوا رَمَضَانَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا مَلَائِكَتِي إنْ عَصَوْنِي خَارِجَ رَمَضَانَ فَفِيهِ تَحَمَّلُوا مَشَقَّتَهُ لِأَجْلِي فَرَجَعَتْ الْمَلَائِكَةُ مِنْ الشِّكَايَةِ إلَى الشَّفَاعَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ} [غافر: ٧] خَامِسُهَا أَنَّ الصَّوْمَ يَحْصُلُ بِهِ الزُّهْدُ الْوَاجِبُ، وَالْمَسْنُونُ وَهُوَ الزُّهْدُ عَنْ الْحَرَامِ، سَادِسُهَا: أَنَّ الطَّبِيبَ النَّاصِحَ يَأْمُرُ بِالْحَمِيَّةِ فِي الْأَمْرَاضِ فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ مَرَضَ بِالْمَعَاصِي بِالْحَمِيَّةِ رِفْقًا بِهِ وَرَحْمَةً.

سَابِعُهَا: أَنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ لِلْمُؤْمِنِ وَقَدْ خَاصَمَهُ وَخَرَجَ عَلَيْهِ فَسَبِيلُ الْمُؤْمِنِ أَنْ يُضَيِّقَ عَلَيْهِ الطَّرِيقَ بِمَنْعِ الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ فَضَيِّقُوا مَجْرَاهُ بِالْجُوعِ، وَالْعَطَشِ» اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: هُوَ لُغَةً الْإِمْسَاكُ) أَيْ وَلَوْ عَنْ نَحْوِ الْكَلَامِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى حِكَايَةٌ عَنْ مَرْيَمَ: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا} [مريم: ٢٦] أَيْ إمْسَاكًا وَسُكُوتًا، وَقَوْلُ النَّابِغَةِ:

خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَالْأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا

فَقَوْلُهُ: صَائِمَةٍ أَيْ مُمْسِكَةٍ عَنْ الْحَرَكَةِ وَالْجَوَلَانِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَشَرْعًا إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ) أَيْ جَمِيعَ النَّهَارِ وَفِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ وَشَرْعًا الْإِمْسَاكُ عَنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ، وَالْفَمِ لِطَاعَةِ الْمَوْلَى بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرِ) لَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ عَنْ عَيْنٍ لَكَانَ أَوْضَحَ؛ لِأَنَّا لَمْ نَعْلَمْ حَقِيقَةَ الْمُفْطِرِ لَكِنَّهُ لَوْ عَبَّرَ بِالْعَيْنِ لَوَرَدَ عَلَيْهِ مَا لَوْ جَامَعَ أَوْ تَقَايَأَ أَوْ ارْتَدَّ فَمَا ذَكَرَهُ أَوْلَى غَايَتُهُ أَنَّهُ مُجْمَلٌ يُعْلَمُ تَفْصِيلُهُ مِمَّا يَأْتِي اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَشَرْعًا إمْسَاكُ مُسْلِمٍ مُمَيِّزٍ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ سَالِمًا مِنْ الْحَيْضِ، وَالْوِلَادَةِ فِي جَمِيعِهِ، وَمِنْ الْإِغْمَاءِ، وَالسُّكْرِ فِي بَعْضِهِ انْتَهَتْ (قَوْلُهُ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] ، وَالْأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَجَمَعَهَا جَمْعَ قِلَّةٍ لِيُهَوِّنَهَا، وَقَوْلُهُ: {كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: ١٨٣] قِيلَ مَا مِنْ أُمَّةٍ إلَّا وَقَدْ فُرِضَ عَلَيْهِمْ رَمَضَانُ إلَّا أَنَّهُمْ ضَلُّوا عَنْهُ أَوْ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الصَّوْمِ دُونَ وَقْتِهِ وَفُرِضَ فِي شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ اهـ. شَرْحُ م ر وَفِي ع ش عَلَى الْمَوَاهِبِ مَا نَصُّهُ: وَفُرِضَ الصَّوْمُ فِي أَوَّلِ شَعْبَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ، وَقِيلَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْهُ وَقِيلَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ رَمَضَانَ، قَالَ شَيْخُنَا الْحَلَبِيُّ «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَصُومُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ» أَيْ وَهِيَ الْأَيَّامُ الْبِيضُ، وَهِيَ الثَّالِثَ عَشَرَ وَتَالِيَاهُ.

قِيلَ وُجُوبًا فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُفْطِرُ الْأَيَّامَ الْبِيضَ فِي حَضَرٍ وَلَا سَفَرٍ وَكَانَ يَحُثُّ عَلَى صِيَامِهَا» وَقِيلَ كَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ قَبْلَ فَرْضِ رَمَضَانَ صَوْمُ عَاشُورَاءَ ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِوُجُوبِ رَمَضَانَ اهـ. وَفِي حَجّ وَيَنْقُصُ وَيَكْمُلُ وَثَوَابُهُمَا وَاحِدٌ كَمَا لَا يَخْفَى وَمَحَلُّهُ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي الْفَضْلِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِأَيَّامِهِ أَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى يَوْمِ الثَّلَاثِينَ مِنْ ثَوَابِ وَاجِبِهِ وَمَنْدُوبِهِ عِنْدَ سُحُورِهِ وَفُطُورِهِ فَهُوَ زِيَادَةٌ وَكَأَنَّ حِكْمَةَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُكْمِلْ رَمَضَانَ إلَّا سَنَةً وَاحِدَةً، وَالْبَقِيَّةُ نَاقِصَةٌ تَطْمِينُ نُفُوسِهِمْ عَلَى مُسَاوَاةِ النَّاقِصِ لِلْكَامِلِ فِيمَا قَدَّمْنَاهُ اهـ. وَقَوْلُهُ: مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ لِأَيَّامِهِ قَدْ يُقَالُ الْفَضْلُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى رَمَضَانَ لَيْسَ إلَّا مَجْمُوعُ الْفَضْلِ الْمُتَرَتِّبِ عَلَى أَيَّامِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ جِدًّا اهـ. سم عَلَيْهِ أَقُولُ قَدْ يُقَالُ بِمَنْعِ الْحَصْرِ فَإِنَّ لِرَمَضَانَ فَضْلًا مِنْ حَيْثُ هُوَ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ مَجْمُوعِ أَيَّامِهِ كَمَا فِي مَغْفِرَةِ الذُّنُوبِ لِمَنْ صَامَهُ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا، وَالدُّخُولِ مِنْ بَابِ الْجَنَّةِ الْمُعَدِّ لِصُوَّامِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ أَنَّهُ يُكَرَّمُ بِهِ صُوَّامُ رَمَضَانَ، وَهَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِ تَامًّا أَوْ نَاقِصًا وَأَمَّا الثَّوَابُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى كُلِّ يَوْمٍ بِخُصُوصِهِ فَأَمْرٌ آخَرُ فَلَا مَانِعَ أَنْ يَثْبُتَ لِلْكَامِلِ بِسَبَبِهِ مَا لَا يَثْبُتُ لِلنَّاقِصِ، وَقَوْلُهُ: وَكَأَنَّ حِكْمَةَ. . . إلَخْ قَالَ شَيْخُنَا الشَّوْبَرِيُّ كَذَا وَقَعَ لِابْنِ حَجَرٍ هُنَا وَوَقَعَ لَهُ فِي مَحَلَّيْنِ آخَرَيْنِ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَصُمْ شَهْرًا كَامِلًا إلَّا سَنَتَيْنِ وَجَرَى عَلَيْهِ الْمُنْذِرِيُّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ فَمَا وَقَعَ لَهُ هُنَا غَلَطٌ سَبَبُهُ اعْتِمَادُهُ عَلَى حِفْظِهِ اهـ. أَقُولُ لَا يَلْزَمُ أَنَّ مَا هُنَا غَلَطٌ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ مَقَالَةٌ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهَا الشَّارِحُ لِشَيْءٍ ظَهَرَ لَهُ ثُمَّ رَأَيْت الْعَلَّامَةَ الْأُجْهُورِيَّ الْمَالِكِيَّ اسْتَوْعَبَ مَا ذُكِرَ. ثُمَّ قَالَ نَظْمًا

<<  <  ج: ص:  >  >>