للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(سُنَّ صَوْمُ) يَوْمِ (عَرَفَةَ) وَهُوَ تَاسِعُ ذِي الْحِجَّةِ بِقَيْدٍ زِدْته بِقَوْلِي (لِغَيْرِ مُسَافِرٍ وَحَاجٍّ) بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ فِطْرُهُ وَبِخِلَافِ الْحَاجِّ فَإِنَّهُ إنْ عَرَفَ أَنَّهُ يَصِلُ عَرَفَةَ لَيْلًا وَكَانَ مُقِيمًا سُنَّ صَوْمُهُ، وَالْأَسَنُّ فِطْرُهُ وَإِنْ لَمْ يُضْعِفْهُ الصَّوْمُ عَنْ الدُّعَاءِ وَأَعْمَالِ الْحَجِّ، وَالْأَحْوَطُ صَوْمُ الثَّامِنِ مِنْ عَرَفَةَ.

(وَ) يَوْمِ (عَاشُورَاءَ) وَهُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ

ــ

[حاشية الجمل]

فَهُوَ مِنْ التَّعْبِيرِ عَنْ الْكُلِّ بِاسْمِ الْجُزْءِ؛ لِأَنَّ الْخَرِيفَ أَحَدُ فُصُولِ السَّنَةِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَبْعُدُ عَنْ النَّارِ مَسَافَةَ زَمَنٍ لَوْ قُسِمَ كَانَ سَبْعِينَ سَنَةً اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: سُنَّ صَوْمُ عَرَفَةَ. . . إلَخْ) وَلَوْ وَقَعَ زِفَافٌ فِي أَيَّامِ صَوْمِهِ الْمُعْتَادِ نُدِبَ فِطْرُهُ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

وَفِي سم مَا نَصُّهُ (فَرْعٌ)

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ وَقَعَ فِي أَيَّامِ الزِّفَافِ صَوْمُ تَطَوُّعٍ مُعْتَادٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْفِطْرُ؛ لِأَنَّهَا أَيَّامٌ يُقَالُ كَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ فِطْرُهُ) أَيْ إنْ أَجْهَدَهُ الصَّوْمُ فَلَا يُخَالِفُ مَا قَرَّرُوهُ مِنْ أَنَّ الصَّوْمَ لِلْمُسَافِرِ أَفْضَلُ إنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ اهـ. سم عَلَى حَجّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الشَّارِحِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ وَيُحْتَمَلُ التَّقْيِيدُ بِالطَّوِيلِ كَنَظَائِرِهِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ إقَامَةً لِلْمَظِنَّةِ مَقَامَ الْمَئِنَّةِ أَيْ إقَامَةً لِمَحَلِّ الظَّنِّ مَقَامَ مَحَلِّ الْيَقِينِ. اهـ. ع ش وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ حَيْثُ خَصُّوا هَذَا الْحُكْمَ بِصَوْمِ عَرَفَةَ أَنَّ بَاقِيَ مَا يَطْلُبُ صَوْمُهُ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِ وَانْظُرْ مَا وَجْهُهُ وَمَا الْمَعْنَى الَّذِي اقْتَضَى تَخْصِيصَ عَرَفَةَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ يَجْرِي فِي غَيْرِ عَرَفَةَ بِالْأَوْلَى؛ لِأَنَّهُ دُونَهَا فِي التَّأَكُّدِ. اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: وَبِخِلَافِ الْحَاجِّ. . . إلَخْ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَأَمَّا الْحَاجُّ فَلَا يُسَنُّ لَهُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ بَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ فِطْرُهُ وَلَوْ كَانَ قَوِيًّا لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَلِيَقْوَى عَلَى الدُّعَاءِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اسْتِحْبَابُ صَوْمِهِ لِحَاجٍّ لَا يَصِلُ عَرَفَةَ إلَّا لَيْلًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّ صَوْمَهُ لِمَنْ وَصَلَهَا نَهَارًا خِلَافُ الْأَوْلَى بَلْ فِي نُكَتِ التَّنْبِيهِ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ عَدَمُ انْتِفَاءِ خِلَافِ الْأَوْلَى وَالْكَرَاهَةِ بِصَوْمِ مَا قَبْلَهُ لَكِنْ يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي فِي صَوْمِ الْجُمُعَةِ مَعَ اتِّحَادِ الْعِلَّةِ فِيهِمَا بَلْ هَذَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي خِلَافِ الْأُولَى مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْمَكْرُوهِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقُوَّةَ الْحَاصِلَةَ بِالْفِطْرِ هُنَا مِنْ مُكَمِّلَاتِ الْمَغْفِرَةِ الْحَاصِلَةِ بِالْحَجِّ لِجَمِيعِ مَا مَضَى مِنْ الْعُمْرِ وَلَيْسَ فِي ضَمِّ صَوْمِ مَا قَبْلَهُ إلَيْهِ جَابِرٌ بِخِلَافِ الْفِطْرِ ثُمَّ فَإِنَّهُ مِنْ مُكَمِّلَاتِ مَغْفِرَةِ تِلْكَ الْجُمُعَةِ فَقَطْ وَفِي ضَمِّ صَوْمِ يَوْمٍ لَهُ جَابِرٌ فَإِنْ قِيلَ: قَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا أَوْلَى بِالْكَرَاهَةِ مِنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ قُلْنَا صَدَّ عَنْ ذَلِكَ وُرُودُ النَّهْيِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ ثُمَّ بِخِلَافِهِ هُنَا انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: أَنَّهُ يَصِلُ عَرَفَةَ لَيْلًا) الْمَعْنَى أَنَّهُ إنْ كَانَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا وَقَصَدَ أَنْ يَحْضُرَ عَرَفَةَ لَيْلًا أَيْ لَيْلَةَ الْعِيدِ فَقَوْلُهُ: وَالْأَسَنُّ فِطْرُهُ صَادِقٌ بِمَا إذَا كَانَ مُقِيمًا وَقَصَدَ حُضُورَ عَرَفَةَ بِالنَّهَارِ يَوْمَ التَّاسِعِ فَيُسَنُّ لَهُ الْفِطْرُ اهـ. ع ش عَلَى م ر.

وَعِبَارَةُ حَجّ نَعَمْ يُسَنُّ صَوْمُهُ لِمَنْ أَخَّرَ وُقُوفَهُ إلَى اللَّيْلِ وَلَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا لِنَصِّ الْإِمْلَاءِ عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ فِطْرُهُ لِلْمُسَافِرِ اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَحْوَطُ صَوْمُ الثَّامِنِ مِنْ عَرَفَةَ) عِبَارَةُ شَرْحِ م ر وَيُسَنُّ صَوْمُ الثَّمَانِيَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَاجُّ وَغَيْرُهُ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ) مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَشْرِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَة وَهُوَ اسْمٌ لِلْعَدَدِ الْمُعَيَّنِ، وَقِيلَ مِنْ الْعِشْرِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفِيهِ لُغَاتٌ الْمَدُّ، وَالْقَصْرُ مَعَ الْأَلِفِ بَعْدَ الْعَيْنِ وَعَشُورَاءُ بِالْمَدِّ مَعَ حَذْفِ الْأَلِفِ سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ عَشَرَةً مِنْ الْأَنْبِيَاءِ أُكْرِمُوا فِيهِ بِعَشْرِ كَرَامَاتٍ وَفِي بَعْضِ كُتُبِ الْوَعْظِ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ السَّمَوَاتِ، وَالْأَرْضَ، وَالشَّمْسَ، وَالْقَمَرَ، وَالنُّجُومَ وَالْعَرْشَ، وَالْكُرْسِيَّ، وَالْجَنَّةَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَخَلَقَ آدَمَ فِيهِ وَأَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ وَتَابَ عَلَيْهِ فِيهِ وَوُلِدَ إبْرَاهِيمُ فِيهِ وَنَجَّاهُ مِنْ النَّارِ وَهَدَاهُ فِيهِ وَنَجَّى مُوسَى وَأَغْرَقَ فِرْعَوْنَ عَدُوَّهُ فِيهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ فِيهِ، وَوُلِدَ عِيسَى وَرُفِعَ إلَى السَّمَاءِ فِيهِ وَرَفَعَ إدْرِيسَ مَكَانًا عَلِيًّا فِيهِ وَاسْتَوَتْ سَفِينَةُ نُوحٍ عَلَى الْجُودِيِّ فِيهِ وَأُخْرِجَ يُوسُفُ مِنْ السِّجْنِ فِيهِ وَتِيبَ عَلَى قَوْمِ يُونُسَ فِيهِ وَأُعْطِيَ سُلَيْمَانُ الْمُلْكَ فِيهِ وَأُخْرِجَ يُونُسُ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ فِيهِ وَرُدَّ بَصَرُ يَعْقُوبَ فِيهِ وَكَشَفَ ضُرَّ أَيُّوبَ فِيهِ وَغَفَرَ لِنَبِيِّهِ دَاوُد فِيهِ وَأَوَّلُ مَطَرٍ نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ فِيهِ، وَقُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِيهِ وَفِيهِ تُكْسَى الْكَعْبَةُ كُلَّ سَنَةٍ» «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْعُو مَرَاضِعَهُ وَمَرَاضِعَ ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَيَنْفُثُ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَيَقُولُ لِمَنْ يُرْضِعُهُمْ لَا تَسْقِيَنَّهُمْ شَيْئًا إلَى اللَّيْلِ» وَوَرَدَ أَنَّ الطَّيْرَ وَالْوَحْشَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَوَّلُ طَيْرٍ صَامَهُ الصُّرَدُ.

وَحُكِيَ عَنْ فَتْحِ الْأَسْمَرِ أَنَّهُ قَالَ كُنْت أُفَتِّتُ خُبْزًا لِلنَّمْلِ كُلَّ يَوْمٍ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ لَمْ يَأْكُلْهُ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ وَيُسْتَحَبُّ فِيهِ التَّوْسِعَةُ عَلَى الْعِيَالِ وَالْأَقَارِبِ، وَالتَّصَدُّقُ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا فَلْيُوَسِّعْ خُلُقَهُ وَيَكُفَّ عَنْ ظُلْمِهِ وَلِبَعْضِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>