للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: ٣٣] أَمَّا بِعُذْرٍ كَمُسَاعَدَةِ ضَعِيفٍ فِي الْأَكْلِ إذَا عَزَّ عَلَيْهِ امْتِنَاعُ مُضِيفِهِ مِنْهُ أَوْ عَكْسِهِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ لِخَبَرِ «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقِيسَ بِالصَّوْمِ غَيْرُهُ مِنْ النَّفْلِ أَمَّا نَفْلُ النُّسُكِ فَيَحْرُمُ قَطْعُهُ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ لِمُخَالَفَتِهِ غَيْرَهُ فِي لُزُومِ الْإِتْمَامِ وَالْكَفَّارَةِ بِإِفْسَادِهِ بِجِمَاعٍ (وَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ) إنْ قَطَعَهُ؛ لِأَنَّ «أُمَّ هَانِئٍ كَانَتْ صَائِمَةً صَوْمَ تَطَوُّعٍ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَنْ تُفْطِرَ بِلَا قَضَاءٍ وَبَيْنَ أَنْ تُتِمَّ صَوْمَهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقِيسَ بِالصَّوْمِ غَيْرُهُ وَذِكْرُ كَرَاهَةِ الْقَطْعِ مَعَ قَوْلِي غَيْرُ نُسُكٍ بِلَا عُذْرٍ مِنْ زِيَادَتِي، وَالْأَصْلُ اقْتَصَرَ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ.

(وَحَرُمَ قَطْعُ فَرْضٍ عَيْنِيٍّ) وَلَوْ غَيْرَ فَوْرِيٍّ كَأَنْ لَمْ يَتَعَدَّ بِتَرْكِهِ لِتَلَبُّسِهِ بِفَرْضٍ وَخَرَجَ بِالْعَيْنِيِّ فَرْضُ الْكِفَايَةِ فَالْأَصَحُّ وِفَاقًا لِلْغَزَالِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ قَطْعُهُ إلَّا الْجِهَادُ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ، وَالْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ كَالْعَيْنِيِّ وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ قَطْعُ تَعَلُّمِ الْعِلْمِ عَلَى مَنْ آنَسَ النَّجَابَةَ فِيهِ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ مَطْلُوبَةٌ بِرَأْسِهَا مُنْقَطِعَةٌ عَنْ غَيْرِهَا وَلَا قَطْعُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى قَوْلِنَا إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي صِفَةٍ لَا أَصْلٍ، وَالصِّفَةُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْأَصْلِ وَلَا يَخْفَى بُعْدُ هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ صَحَّحَهُ

ــ

[حاشية الجمل]

ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِخِلَافِهِ وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّشْبِيهِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إفْرَادُهَا بِنَذْرٍ وَقَضَاءٍ وَكَفَّارَةٍ انْتَهَتْ.

(قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يُكْرَهُ) أَيْ مَا لَمْ يَنْذُرْ إتْمَامَهُ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ قَطْعُهُ اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: أَمِيرُ نَفْسِهِ) هُوَ بِالرَّاءِ وَرُوِيَ بِالنُّونِ أَيْضًا اهـ. ع ش عَلَى م ر (قَوْلُهُ: وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ) وَإِذَا أَفْطَرَ لَمْ يُثَبْ عَلَى مَا مَضَى إنْ أَفْطَرَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِلَّا أُثِيبَ وَعَلَى ذَلِكَ يُحْمَلُ قَوْلُ الْمُتَوَلِّي إنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَى عِبَادَةٍ لَمْ تَتِمَّ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ إنَّهُ يُثَابُ. اهـ. شَرْحُ م ر (قَوْلُهُ: أَمَّا نَفْلُ النُّسُكِ فَيَحْرُمُ قَطْعُهُ) فِيهِ أَنَّ الشُّرُوعَ فِيهِ شُرُوعٌ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ إلَّا أَنْ يُقَالَ يُتَصَوَّرُ الشُّرُوعُ فِي نَفْلِ النُّسُكِ بِمَا إذَا كَانَ الْفَاعِلُ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا أَذِنَ لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ سَيِّدُهُ رَاجِعْ بَابَ الْإِحْصَارِ اهـ ح ل (قَوْلُهُ: وَقِيسَ بِالصَّوْمِ غَيْرُهُ) كَاعْتِكَافٍ وَوُضُوءٍ وَطَوَافٍ وَقِرَاءَةِ سُورَةِ الْكَهْفِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَهَا وَالتَّسْبِيحَاتُ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ. اهـ. شَرْحُ م ر وَالْقَطْعُ ظَاهِرٌ فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لِارْتِبَاطِ بَعْضِ أَجْزَائِهِمَا بِبَعْضٍ وَأَمَّا قِرَاءَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ وَالتَّسْبِيحَاتِ وَنَحْوِهِمَا فَهَلْ الْمُرَادُ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ وَالِاشْتِغَالُ بِغَيْرِهِ وَتَرْكُ إتْمَامِهِ أَوْ الْمُرَادُ مَا يَشْمَلُ قَطْعَهُ بِكَلَامٍ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ ثُمَّ الْعَوْدُ إلَيْهِ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي مَا لَمْ يَكُنْ الْكَلَامُ مَطْلُوبًا كَرَدِّ السَّلَامِ وَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ اهـ. ع ش عَلَيْهِ (قَوْلُهُ: وَلَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ) أَيْ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَأَفْتَى الْعَلَّامَةُ الرَّمْلِيُّ بِنَدْبِ قَضَاءِ الْمُؤَقَّتِ مِنْهَا كَمَا مَرَّ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: أُمُّ هَانِئٍ) بِكَسْرِ النُّونِ وَبِالْهَمْزِ آخِرَهُ وَيُسَهَّلُ وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ: فَاطِمَةُ وَقِيلَ: عَاتِكَةُ وَقِيلَ: هِنْدُ بِنْتُ عَمِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَبِي طَالِبٍ شَقِيقَةُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَكَانَتْ تَحْتَ هُبَيْرَةَ بْنِ عُمَرَ وَخَطَبَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَتَزَوَّجْ بِهَا؛ لِأَنَّهَا قَالَتْ لَهُ لَمَّا خَطَبَهَا إنِّي امْرَأَةٌ مُصْبِيَةٌ أَيْ ذَاتُ صِبْيَةٍ وَاعْتَذَرَتْ فَعَذَرَهَا رُوِيَ لَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ حَدِيثًا اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

(قَوْلُهُ: وَحَرُمَ قَطْعُ فَرْضٍ عَيْنِيٍّ) وَهُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ كَمَا ذَكَرَهُ أَئِمَّةُ الْأُصُولِ اهـ. بِرْمَاوِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَوْ غَيْرَ فَوْرِيٍّ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ مَعَ شَرْحِ م ر وَمَنْ تَلَبَّسَ بِقَضَاءِ صَوْمٍ فَاتَ عَنْ وَاجِبٍ حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهُ جَزْمًا إنْ كَانَ قَضَاؤُهُ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ صَوْمُ مَنْ تَعَدَّى بِفِطْرِهِ تَدَارُكًا لِمَا ارْتَكَبَهُ مِنْ الْإِثْمِ وَلِأَنَّ التَّخْفِيفَ بِجَوَازِ التَّأْخِيرِ لَا يَلِيقُ بِحَالِ الْمُتَعَدِّي وَشَمِلَ ذَلِكَ قَضَاءَ يَوْمِ الشَّكِّ لِوُجُوبِ قَضَائِهِ فَوْرًا إذْ هُوَ مَنْسُوبٌ بِعَدَمِ الْبَحْثِ عَنْ الْهِلَالِ إلَى تَقْصِيرٍ فِي الْجُمْلَةِ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى مَنْ نَسِيَ النِّيَّةَ لَيْلًا عَلَى الْفَوْرِ، وَالْمُصَرَّحُ بِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْفَوْرِ يَحْرُمُ قَطْعُهُ فِي الْأَصَحِّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ لِتَلَبُّسِهِ بِالْفَرْضِ وَلَا عُذْرَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ فَلَزِمَهُ إتْمَامُهُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ، وَالثَّانِي لَا يَحْرُمُ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالشُّرُوعِ فِيهِ فَأَشْبَهَ الْمُسَافِرَ يَشْرَعُ فِي الصَّوْمِ ثُمَّ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مِنْهُ وَلَا تَتَقَيَّدُ الْفَوْرِيَّةُ بِمَا ذَكَرَهُ إذْ مِنْهُ مَا لَوْ ضَاقَ وَقْتُهُ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ شَعْبَانَ إلَّا مَا يَسَعُ الْقَضَاءَ فَقَطْ وَإِنْ فَاتَ بِعُذْرٍ، وَيَأْتِي انْقِسَامُ الْقَضَاءِ إلَى مَا يَكُونُ بِالتَّعَدِّي وَإِلَى غَيْرِهِ أَيْضًا فِي الصَّلَاةِ وَفِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ فِي زَمَنٍ مُعَيَّنٍ، وَالْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ انْتَهَتْ فَقَوْلُ الشَّارِحِ كَأَنْ لَمْ يَتَعَدَّ بِتَرْكِهِ الْمُرَادُ مِنْهُ هُوَ مَا ذَكَرَهُ م ر بِقَوْلِهِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَعَدَّى بِالْفِطْرِ. . . إلَخْ.

(قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ) قَالَ فِي الْإِمْدَادِ لِمَا فِي الْإِعْرَاضِ عَنْهَا مِنْ هَتْكِ حُرْمَةِ الْمَيِّتِ وَيُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الصَّلَاةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ كَحَمْلِهِ وَدَفْنِهِ يَجِبُ بِالشُّرُوعِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَيَمْتَنِعُ الْإِعْرَاضُ عَنْ ذَلِكَ بَعْدَ الشُّرُوعِ نَعَمْ يُتَّجَهُ أَنَّ مَحَلَّ الْمَنْعِ مِنْ الْإِعْرَاضِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا تَعِبَ الْحَامِلُ فَتَرَكَ الْحَمْلَ لِغَيْرِهِ أَوْ الْحَافِرُ فَتَرَكَ الْحَفْرَ لِغَيْرِهِ أَوْ تَرَكَ الْحَامِلُ الْحَمْلَ لِمَنْ قَصَدَ التَّبَرُّكَ بِحَمْلِهِ أَوْ إكْرَامَهُ بِالْحَمْلِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الْمُخْرِجَةِ لِلتَّرْكِ عَنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ هَتْكُ الْحُرْمَةِ اهـ. شَوْبَرِيٌّ (قَوْلُهُ: وَإِنَّمَا لَمْ يَحْرُمْ قَطْعٌ. . . إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى الْقِيلِ وَكَذَا قَوْلُهُ: وَلَا قَطْعُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ. . . إلَخْ مُحَصَّلُ الْجَوَابِ أَنَّهُ لَا قَطْعَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَطْعَ إنَّمَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ مُتَّصِلٍ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ. اهـ شَيْخُنَا لَكِنَّ إيرَادَ الْأَوَّلِ بِالنَّظَرِ لِلتَّعَلُّمِ الْكِفَائِيِّ وَبِالنَّظَرِ لِلْعَيْنِيِّ مِنْهُ يَرِدُ عَلَى الْمَتْنِ فَالْأَحْسَنُ جَعْلُ الْإِيرَادِ مُتَعَلِّقًا بِالْقِيلِ وَبِالْمَتْنِ تَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: عَلَى مَنْ آنَسَ) بِالْمَدِّ أَيْ عَلِمَ قَالَ تَعَالَى {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} [النساء: ٦] أَيْ عَلِمْتُمْ. اهـ شَيْخُنَا (قَوْلُهُ: بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ) أَيْ الْقَائِلِ بِحُرْمَةِ قَطْعِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>