٧٨- قد شرحنا فيما اسلفنا من القول العقائد المسيحية، كما هي فس كتبهم ولم نتجه إلى ألان لدراستها دراسة نقيدة لأننا نجدهم يجتهدون في تصويرها ويشعرون بعظم المشقة في ذلك، حتى إذا يئسوا قالوا أنها فوق العقل، وأن العقل لا يستطيع تصويرها تصويراً كاملاً، وأنها ستنجلي يوم القيامة، ولذلك نجد من الظلم لأنفسنا أن نناقشها، لأن العقل لا يستسيغها باعترافهم فكيف نناقشها؟ وهم يلقنون الصبية بأن يجتهدوا في تصورها وتصديقها، لا في البرهنة لها وإثباتها، ولذلك نترك الآن مناقشتها بالعقل، ونحيل القارئ الكريم على ما كتب الذين ناقشوها من فطاحل العلماء، ونخص بالإشارة كتاب إظهار الحق للشيخ - رحمه الله - الهندي، وكتاب الفارق فيما بين المخلوق والخالق، والقول الصحيح لابن تيمية، بلل الله ثراهم، فإن هؤلاء لم يتركوا مقالاً لقائل.
ويهمنا الآن في بحثنا التاريخي أن نبين الأدوار التي مرت عليها هذه العقيدة، فإنه من المقرر في تاريخ المسيحية بالبداهة أن التثليث بالشكل الذي يعتقده جماهير المسيحيين، أو الكثرة الغالبة فيهم، لم يعلن للناس دفعة واحدة، بل في أزمان متفاوتة مختلفة، وكان بإعلان المجامع التي كانت تعقد من الأساقفة، وفيها يقرر المجمع رأيا معيناً، ولا يهمنا مما كانت تقرره تلك المجامع ألا ما يتعلق بالعقيدة وإن كنا سنعرض أحياناً لما كان يجئ في ثنايا قراراتها من بعض النظم.
[كيف وجدت فكرة جمع المجامع:]
والمجامع في المسيحية هي كما يقول علماؤهم جماعات شورية في المسيحية، قد رسم رسلهم نظامها في حياتهم. حيث عقدوا المجمع بأورشليم بعد ترك المسيح لهم باثنتين وعشرين سنة، وقرر ذلك المجمع، كما علمت قريباً، عدم التمسك بمسألة الختان، بل زاد فقرر عدم التمسك بشرائع التوراة، وكا وليها من سائر أسفار العهد القديم المقدس عندهم