حينئذ أخذت الأنظار المتربصة تحصى على رجال الدين ما يفعلون، ووجد من بينهم من استنكروا حالهم، وأخذوا يدعون زملاءهم إلى إصلاح حالهم، ليردوهم إلى حكم دينهم قبل أن يفوت الوقت، وقبل أن ينفض الناس، وقبل أن يحملهم العامة على الإصلاح.
ولقد جاهر بذلك جيروم وهوس، ولكن كان نصيبها أن أعدما حريقاً بالنيران، وكان ذلك بقرار من مجمع كونستانس الذي انعقد من سنة ١٤١٤ إلى سنة ١٤١٨، ولقد قرر ذلك المجمع قتل هذين العالمين حرقاً بالنار، لأنهما دعوا الكنيسة إلى عدم الأخذ بما يسمى سر الاعتراف، مبينين أن الكنيسة ليس لها سلطان في محو الإثم أو تقريره، وإنما التوبة مع رحمة الله حتى تمحو الآثام، وتطهر النفس من الخطايا، وقد تقدم إلى المجمع يوحنا هوس ليدافع عن آرائه، وهذا ما قاله كاتب متعصب للكاثوليك في ذلك الدفاع:
"لدى دخوله أخذ يعلن غواياته قبل انتظاره حكم المجمع على تعليمه فقر الرأي على إلقاء القبض عليه، وفوض المجمع إلى بعض أعضائه أن يفحصوا مؤلفاته وألحوا عليه أن يقلع عنها، ولكنهم لم يستفيدوا شيئاً ووجدوا في مؤلفاته فصولاً كثيرة تتضمن أضاليل، وقد خولوه الحرية ليوضح أقواله في كل منها، وحرضوه على الخضوع لحكم المجمع، وعرضوا عليه صورة الرجوع عن ضلاله، فأبى أن يمضيها، وبقى مصراً على غيه، ولم يشأ المجمع أن يتوصل معه إلى المضايقة الأخيرة، بل حاول مراراً أن يرده عن عناده فحكموا أولاً على كتبه بالتحريق رجاء أن يخيفوه بذلك، لكنه لبث مصراً على عناده، فحينئذ حطوه عن الدرجات المقدسة حطاً احتفالياً، وأسلموه لحكومته فحكمت عليه بالحرق حياً بمقتضى نواميس المملكة ثم نال جيروم تلميذه وقرينه في العناد هذا العقاب نفسه.
أما المجمع فلم يطلب قط هذا العقاب بل ترك للقضاء المدني أن يعمل بموجب شرائع المملكة التي كانت تعطي الملك حقاً في أن يعاقب من يفسدون النظام المدني بينهم بتعاليم سيئة تقلق راحة الجمهور؟.