١٢٨- قد ظهر إذن مسيحيون يدعون إلى التوحيد، وإنك لترى بريق الإسلام يلمع بين السطور التي دونوها والأقوال التي نشروها، ولكن قد طردتهم المسيحية الحاضرة من حظيرتهم كما فعلت المجامع من قبل، ولقد كان الأمر لا يسترعي النظر لو كان مقصوراً على العلماء. بل إنك لترى المسيحيين الذين تجادلهم أو تخالطهم بالمودة - إن استثنيت رجال الدين منهم - يصرحون في بهرة المجالس وفي جهر من غير أسرار بإنهم لا يستطيعون أن يتصوروا المسيح إلا رجلاً عظيماً رسولاً من عند الله، وليس هو الله، وليس ابن الله وليس ذا صلة بالألوهية إلا صلة الرسول بمن أرسله.
فهل لنا أن نعتقد أن شيوع هذا على ألسنة أولئك المثقفين يؤدي إلى إصلاح كامل للعقيدة، يكون شاملاً للأصل، ولا يكون مقتصراً على الفرع كما فعل الإصلاح السابق واقتصر عليه؟.
إن الأجدر لهذا أن يتجه أولئك المثقفون إلى دراسة دينهم، وأن يتجه الذين يحاولون إرشادهم - إلى بيان الأدوار التاريخية التي مرت بدينهم، وإلى ما أحدثته المجامع من أحداث، وكل حدث في الدين هو بدعة فيه، فإن دراسة تلك الأدوار تريهم الحقائق عاية، وتكشفها لهم غير مستورة برسوم وطقوس كنسية أو غير كنسية، وقد حاولنا في أثناء بحثنا أن نبين أن أُلوهية المسيح وألوهية الروح القدس فكرتان عرضتا على العقل المسيحي، ولم تكونا في المسيحية الأولى، وذكرنا السند التاريخي في ذلك وإنه لمسيحي خالص، وإنه بهذه المحاولة نريد أن ندعو الذين يهمهم رد العالم المسيحي إلى التوحيد - إلى العناية بدراسة تاريخ المسيحية وإعلانه لأهلها، ونريد أن ندعو الذين يريدون نشر الإسلام بين ربوع المسيحيين إلى إعلان ذلك التاريخ، فإنهم إن دخلوا في التوحيد، دخلوا في الإسلام بأيسر مجهود، لأن الخطوة التالية لا تحتاج إلى أكثر من الإعلام، والحمد لله رب العالمين.