٢٦- وهذه الأناجيل الأربعة لم يملها المسيح، ولم تنزل عليه هو بوحي أوحى إليه، ولكنها كتبت من بعده - كما رأيت - وتشتمل على أخبار يحيى (يوحنا المعمدان) والمسيح، وما كان منه، وما أحاط بولادته من عجائب وغرائب، وما كان يحدث منه من أمور خارقة للعادة، ولا تحدث من سواه من البشر، وما كان يحدث له من أحداث، وما كان يجرى بينه وبين اليهود، وما كان يلقيه من أقوال وخطب وأحاديث وأمثال ومواعظ، وفيها قليل من الشرائع التي تتعلق بالزواج والطلاق، ثم أخبار المؤامرة عليه، واتهامه والقبض عليه، ومحاكمته، سواء أكانت تلك المحاكمة أمام اليهود، ثم أمام الرومان، ثم فيها الحكم عليه بالموت صلباً، وصلبه بالفعل فيما يعتقدون، وفيها أيضاً قيامته من قبره، ومكوثه أربعين يوماً، ثم رفعه إلى السماء. وفي الجملة هي تشتمل على أخبار المسيح وصلواته. وأقواله وعجائبه، كم بدايته إلى نهايته في هذا العالم. وهذا - كما قلنا - لب المسيحية ومعناها، لأن فيها النواة الأولى لألوهية المسيح، وعقيدة النصارى فيه، ولنتكلم على كل إنجيل من هذه الأناجيل تبين تاريخ تدوينه، وتعرف بمؤلفه، ومكانته من المسيح.
[إنجيل متى:]
٢٧- وقد كتبه متى، وهو أحد تلاميذ المسيح الاثني عشر، ويسميهم المسيحيون رسلاً، وقد كان قبل اتصاله بالمسيح من جباة الضرائب، وكانوا يسمون في ذلك العهد عشارين، ولقد كان جابيا للرومان في كفر ناحوم من أعمال الجليل بفلسطين، وكان اليهود ينظرون للجباية نظر ازدراء، لأنها تحمل صاحبها على الظلم، أو على الأثل تحمله على العنف، والعمل فيها معين للدولة الرومانية المغتصبة التي تحكم البلاد بغير رضا أهلها، ولكن السيد المسيح اختاره تلميذاً من تلاميذه كما جاء في إنجيله، ففي الإصحاح التاسع منه: "وفيما يسوع يجتاز من هناك رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية، واسمه متى، فقال له: اتبعني، فقام وتبعه، وبينما هو متكئ في البيت إذا عشارون وخطاة كثيرون قد جاءوا، واتكئوا مع يسوع وتلاميذه.