ولا شك أن ما نهت عنه التوراة يجب الأخذ به مادام الجميع يؤمنون بالتوراة، وكتب العهد الجديد، وما دام لم يرد عن المسيح أو عن الرسل ما يبطل ما جاء في التوراة.
ولقد أثبت الأستاذ أمين الخولي بالسند التاريخي أن ذلك التحريم قد قبسه النصارى المصلحون من نور الإسلام.
[المسيحيون لم يسيروا في منطقهم إلى أقصى مداه:]
١٢٦- هذه أعظم المسائل التي خالف بها المصلحون في المسيحية ما عليه الكنيسة، وهي لا شك خلع لسلطان الكنيسة على النفوس وقضاء على سلطان المجامع، وإذا كان للحوادث منطق تسير عليه، فهل لنا أن نستنبط منطق تلك الحوادث، وما كان عساه يكشف عنه لو سار في طريقه إلى أقصى مداه؟ لقد علمت في سياقنا التاريخي الذي بيناه عن أدوار المسيحية أن ذلك السياق يعلن في عباراته وفي فحواها أن تلك الديانة كانت ديانة توحيد، حتى جاءت المجامع، فقررت أُلوهية غير الله، وطردت من حظيرة المسيحية المستمسكين بعروة التوحيد الذين رفضوا دعوى أُلوهية المسيح، وناصرتهم الشعوب المسيحية في الإبان.
فإذا كان المصلحون قد قرروا أن يأخذوا مذهبهم الديني من الكتب الصحيحة، وقرروا أن يرفضوا سلطان المجامع والكنيسة معاً، فإن المنطق الذي يسيرون عليه كان يوجب عليهم أن يرفضوا أقوال المجامع القديمة، ومنها أُلوهية المسيح، وألوهية الروح القدس.
وقد كنا نود أن يدرسوا قرارات هذه المجامع، وينظروا إلى سندها وقوتها فإن لم يروا السند قوياً رفضوا ذلك القرار، ولكنهم لم يسيروا في منطقهم إلى أقصى مداده، فرفضوا آراء الكنيسة في أمور، أعظمها شأناً ما بيناه، ولم يتجهوا إلى لب العقيدة، وهو لم يتجاوز إنه قرار مجمع فيدرسوه من جديد على ضوء ما فتحوه لأنفسهم من نور مبصر، وهو أن يكون لكل شخص له قدرة على فهم الكتاب حق في تفسيره، واستخراج الأوامر والنواهي منه من غير أن يتخذوا الأحبار والقسيسين وسائط في فهمه، ويحكموا بذلك في ضمائرهم واعتقاداتهم.