الثلاثة الأولى ليس فيها ما يدل على أُلوهية المسيح، أو هي كانت كذلك قبل تدوين الإنجيل الرابع على الأقل، وهذه حقيقة يجب تسجيلها، وهي أن النصارى مكثت أناجيلهم نحو قرن من الزمان ليس فيها نص على أُلوهية المسيح، (وثانيهما) أن الأساقفة اعتنقوا أُلوهية المسيح قبل وجود الإنجيل الذي يدل عليها، ويصرح بها، ولما أرادوا أن يحتجوا على خصومهم، ويدفعوا هرطقتهم في زعمهم لم يجدوا مناصاً من أن يلتمسوا دليلاً ناطقاً يثبت ذلك، فاتجهوا إلى يوحنا، فكتب كما يقولون إنجيله الذي يشتمل على الحجة، وبرهان القضية، والبينة فيها على زعمهم، وهذا ينبئ عن أن الاعتقاد بألوهية المسيح سابق لوجود نص في الكتب عليه، وإلا ما اضطروا اضطراراً إلى إنجيل جديد طلبوه افتقدوه، فلما لم يجدوا طلبوا من يوحنا أن يكتبه. ولكن الواقع أن رسائل الرسل التي كتبت عن قولهم قبل هذا الإنجيل، فيها ما ينبئ عن أُلوهية المسيح، ويعلنها، فلم تكن فيها حجة لا تجعلهم في حاجة ماسة إلى إنجيل جديد، وفيها غناء من البيان يغنيهم عن سواه أم لعل تلك الرسائل المشتملة على هذه الأُلوهية كتبت بعد هذا الإنجيل ليؤيدوه بها، وليثبت ما أتى به، ويرسخ في نفوس المسيحيين، ثم نسبت إلى السابقين.
هذا تنبيه مجمل اضطرنا سياق البحث لبيانه قبل أوانه، وفي غير مكانه، وله في البحث موضع، يغني فيه الإجمال عن التفصيل.
[هذه الأناجيل لم تزل على عيسى عليه السلام:]
٣٦- هذه هي الأناجيل التي ذكرناها كما كتب النصارى، لا كما يعتقد غيرهم، وسنلقي عليها نظرة علمية بعد الكلام في بقية الكتب، ولكن يجدر بنا هنا أن ننبه إلى أن هذه الأناجيل ليست نازلة على عيسى عليه السلام في نظرهم، وليست منسوبة له. ولكنها منسوبة لبعض تلاميذه، ومن ينتمي إليهم، وهي تشتمل على أخبار المسيح وقصصه، ومحاوراته، وخطبه وابتدائه ونهايته في الدنيا كما يعتقدون هم.
[إنجيل عيسى:]
ولكن هل هناك إنجيل غيرها يعد إنجيل عيسى؟ وهل في كتابات الباحثين من النصارى ما يدل على ثبوت هذا الإنجيل، وإن كنا لا نجده؟