قد دنست النفس، واركست القلوب، ولكنه قد أوصى الكنيسة بالاعتدال والاحتراس، حتى لا يؤدي الإفراط في منح الغفران إلى ترك التهذيب الديني، وهجر تعاليم الكنيسة، والعبث بهدي الدين، فها أخذت الكنيسة بما أعطاها المجمع، وراعت حق الرعاية ما أوصاها به من عدم الإفراط في الإعطاء والمنح؟ لقد أتى حين من الدهر من بعد أن أعطى رجال الدين أنفسهم ذلك الحق، أن أفرطوا في أعطائه إفراطاً شديداً وأنشأوا له صكوكاً تباع وتشترى، فباعوها كأنها عرض من أعراض الدنيا، ومتعة من متعتها، وبذل العصاة في سبيلها المال، وما كان عليهم من حرج في أن يرتكبوا ما شاءوا من الموبقات، وينالوا ما تهوى الأنفس من معاص. مادام ذلك يفتدى بمال قل أو جل، وهذا نص صك الغفران الذي يباع بيع السلعة.
[صورة من صك الغفران:]
"ربنا يسوع المسيح يرحمك يا فلان، ويحلك باستحقاقات آلامه الكلية القداسة، وأنا بالسلطان الرسولي المعطي لي أحلك من جميع القصاصات، والأحكام والطائلات الكنسية التي استوجبتها، وأيضاً من جميع الإفراط والخطايا والذنوب التي ارتكبتها مهما كانت عظيمة وفظيعة، ومن كل علة، وإن كانت محفوظة لأبينا الأقدس البابا، والكرسي الرسولي، وأمحو جميع أقذار المذنب وكل علامات الملامة التي ربما جلبتها على نفسك في هذه الفرصة، وأرفع القصاصات التي كنت تلتزم بمكابدتها في المطهر وأردك حديثاً إلى الشركة في أسرار الكنيسة وأقرنك في شركة القديسين، وأردك ثانية إلى الطهارة والبر اللذين كانا عند معموديتك، حتى إنه في ساعة الموت يغلق أمامك الباب الذي يدخل منه الخطاة إلى محل العذاب والعقاب، ويفتح الباب الذي يؤدي إلى فردوس الفرح، وإن لم تمت سنين مستطيلة فهذه النعمة تبقى غير متغيرة، حتى تأتي ساعتك الأخيرة باسم الأب والابن والروح القدس".
هذه صورة من صور صك الغفران تذكر إنها تمحو الآثام، وتغفر ذنوب العاصي ما تقدم منها وما تأخر، تغسله من ذنوبه الماضية حتى يصير طاهراً، ثم لا يصير قابلاً لأن تؤثر فيه الذنوب مهما يرتكب من خطايا، ومهما ينغمس في المعاصي. كان ذلك الصك جواز المرور إلى النعيم المقيم، لا يعوق حامله عائق، ولا يرده عن الوصول خازن أو حارس.