ولقد كان يأتي الفينة بعد الأخرى صوت يدعو إلى الوحدة والالتئام بدل الاستمرار غلى الفرقة والانقسام، فتعقد لأجل هذا مجامع، وترسل الوفود، ولكن ما أن يتلاقى المتخاصمان، حتى تعاد أسباب النزاع جذعاً، إذ كل واحدة ترغب في أن تنزل الأخرى عن رأيها، فتلاحى كل واحدة عما تعتقد، فيشتد الجدل، ويحمى وطيس القول، فتفترقان، وقد زادت القطيعة قوة واحتداماً.
[محاولة إزالة الخلاف:]
حاول أحد بطارقة روما في منتصف القرن الحادي عشر أن يجمع الشتات، ويلم الشمل، وعرض مبادئ تكون أساساً للمصلحة، رفضها بطريرك القسطنطينية، وأصدر الأول قراراً بحرمان الثاني، فأصدر هذا قراراً بحرمان الوفد الذي أعرض عليه الشروط.
وهكذا ازدادت الفرقة بسبب ذلك التلاقي، وأغرى الله بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة، ويظهر أن السبب في ذلك ما تعتقده كل واحدة منها أن الأخرى خارجة على الدين، ورغبة كل واحدة في أن تجتذب الأخرى إليها كما بينا.
انتقاد مسيحي للكنيسة الغربية:
ويقول في ذلك صاحب سوسنة سليمان:"أن الكنيسة الرومانية تدعى أن كل المذاهب المسيحية على وجه الإطلاق هي شيع هرطوقية خارجة منها، ومنفصلة عن شركتها. وهذه الدعوى تصح لأية كنيسة أمكنها أن نتبت لذاتها الأقدمية في الثبات على المعتقدات الصحيحة الأصلية. أما كنيسة رومة، فليس لها في هذه الدعوى إلا الاستيلاء على أمانة صندوق التقليدات.
غير أن سلامة الذوق تقتضي بأنه كلما قلت التقاليد في كنيسة من الكنائس دل على اقدميتها بالنسبة التي تزيد عليها فيما هو من هذا القبيل، لأن التقاليد على ما يستبين من مجريات رومة قابلة للزيادة، والزيادة أحداث، والأحداث في الدين لا ريب في إنه بدعة، والإبداع هو عين ما يسميه المسيحيون هرطقة".